ما بكَ أصبَحتَ تُوصِدُ أبوابَ قَلبِكَ بالأقْفَال، وكأنك تَتَنَكَرُ مِنَ الشخصِ الذي كُنْتَ عليه، تقومُ بِدَقِ طُبُولِ الحربِ على نفسك، وإذا بك تُحارِبُها كأنَّها عدوٌ لدود، وتحاول الإنتقام منها كأنها الشيطان، أصبحتَ كارهاً كأنك لم تكن مُحِباً يوما، كأن شيئاً ما قام بقتل روحك واستبدلها بأخرى ناقمةٌ دنسها الشر ولوثها، شئٌ فيك احترق حتى تشوه، وأنت الآن تائه، لا تعلم من تحاسب! إن الأيام قاسية وغير عادلة، وإنك الآن ضحيتها الجديدة، هي تختار أولئك الأشخاص الطيبونَ أنقياءَ القلوب، تتحدى نفسها في تغييرهم وتبديلهم وتشويه قلوبهم، وإنك كنتَ بمثابةِ تحدٍ صعبٍ يستحق المراهنة عليه، لأن نشوة الانتصار حينها ستكون أعلى، فليساعدك اللهُ يا صديقي، فما أنت فيه لا أحد قادرٌ على إنقاذك منه سوى الله..!
"إياكَ وأن تخاف شيئًا قبل حدوثه.. لا تتخيَّل، واصرِف فِكرك وخوفك عن الغيبيات فهي في عِلمِ الله، واعلم أنَّ البلاء إذا نزل على العبد ينزل معه اللطف.. فإذا تصوَّرت البلاء قبل أن يقع فقد استقبلت البلاء بدون لُطفٍ وأهلكت روحك.. واجبٌ عليك أن تتيقَّن أنَّ لك ربٌ قيوم لا ينام، فاطمئن به، وتوكَّل عليه، واستبشِر، وتفاءل بالخير."
في جُنح الليل، حيث يلتقي الشتاء بالصيف في رقصة أزلية، يشق الشتاء طريقه ببطء، وفي هذه الأثناء يتزين القمر في العلو. تتلألأ النجوم، متراقصة تحت قبة السماء، حيث تتهادى الغيوم البيضاء. نسيم عليل شفاف يداعب الروح، مُحلقاً بي فوق حقول الخيال. ف افتح نافذتي المطلة على الحديقة، حيث تتسرب الروائح العطرة لزهور الياسمين والفل، تلك الرائحة التي تبدو كأنها تهمس، تستجدي لحناً من موسيقى الجاز. فأستجيب لنداء العطر، وأنا أرتشف قهوتي الغنية بالمرارة، وكأن كل رشفة تعزف مقطوعة من الحنين والذكريات.
تلك الذكريات المكبوتة، التي خمدت تحت حرارة صيف طويل، برزت كأمواج عاتية، تتصاعد وتهوي بعنف مجسدة في ثورانها. في تلك اللحظة، حينما تجردت أفكاري من كل زيف، على قمة اضطرابها، قررت أن أقيدها.
ابيت أن ادع رقص السماء أو لهمس ضوء القمر الخافت أن يغري الإحساس الغارق في اليأس. فكسرت قلمي، خوفاً من أن تُفضح أفكاري المتمردة. تلك الكلمات الجارفة، القادرة على أن تحرق الأعماق وتُثقل الروح، اخترت أن أخنقها في صمت يعتصر ألم.
وهمست لقلبي: ‘استسلم يا صديقي، فالخراب أهون من دموعها.’ وليس تقديرًا لروحها الملعونه، بل احترامًا لصفاء روحي الذي وُلد نقيًا كفجر هذا العصر الملعون.”
أصبتُ بفوبيا الحب، بعدما كنت شخصاً مولعاً و متيماً به، كنتُ أؤمن بأن الحب سينتصر للمحب على صبره وصدق مشاعره، ثابرتُ كثيراً وآملتُ كثيراً حقاً، وتحملتُ كثيراً تمردَ عقلي وموقفه العنيد الذي دائماً ما كان يقول لي كفى حماقةً وبلاهة، ولكني لم أستمع سوى لصوت قلبي، وبعد كل هذه السنوات العجاف المليئة باليأس والإحباط المتتالي، أدركت أن علي التوقف، ولكني خرجت مصاباً بقلبٍ كسير، قلبٌ يخاف الإقتراب، قلبٌ يشعر بالنفور والغثيان في كل مرة يُفتح فيها المجال للحديث عن الحب والعلاقات، لم يعد قلبي يثقُ بالفوز بأي شئ، وعقلي يواصل المشاهدة والسخرية، لا يكف عن مخاطبة قلبي قائلاً: ألم أحذرك! ألم أقل لك كفى حماقةً يا أحمق، بالله أنت عضوٌ لعين لا تجلبُ سوى الألم لنفسك، وأما أنا فضائعٌ بينهم، تارةً استمع الى صوت عقلي، وأحياناً أخرى أشفق على مُصاب قلبي، وأرجو الأيام فقط أن تكون رحيمةً بي!