لا أنسى السؤال عني مِن قريب لكنه من باب الواجب، ورسالة الغريب الذي كان -فعلًا- يفتقدني، لا أنسى مَن قال لي: أنا معك ولم أجده، ومَن قال لي: دعها لله، وكنتُ بعد الله أجده..
أن يُلهمك صواب الاختيار، ألا تتوه في الطلب، وألا تخدعك المظاهر، أن يملأ أركان فؤادك بالنور الذي تستطيع من خلاله أن ترى الأشياء على حقيقتها، وتفهم الأشخاص بعيوبها قبل الانبهار بمميزاتها، أن تتضِح معالم خطواتك حين تسير إلى شيءٍ تقطع له أشواطًا من عمرك فتجده يستحق، فلا ترسو في أجفانك دموع الندم، أو تُحاوطك لحظات التردّد واليأس..
سَل الله دومًا أن يرزقك بمَن يُشبهك من الداخل أولًا، ذاك الذي إن هانت عليه الدنيا كلها.. عليه أبدًا لا تهون.
وأنا بكُل ما تحمله كلمة" يا رب" من رجاءٍ أسألك؛ راحةً لقلبي، وهدوءً لعقلي، وسَعةً في رزقي، ورضًا بقدري، وجبرًا لخاطري، وصوابًا في قادمي، ومغفرةً في سابقي، واجعل الحاضر في معيتك دومًا، ولا تتخلَّ عن عبدٍ ليس له سواك يا رب العالمين.
وليس لي سببٌ واحدٌ كي أقول هذا، لكنها أسباب، ولا يسعني أبدًا أن أخبر أحدًا عنها، وليس بمقدرتي شرح أي شيء على الإطلاق، أنا فقط أود أن يفهم كل من حولي أنني في مرحلة قاسية، غير قابلة للجدال أو النقاش، أو التوسع في حديث أي كان نوعه، فصمتي يعبر عن حالي..
وملخص حالي أنني والله منذ فترة طويلة أجهل بدايتها لستُ على ما يرام، وأنني فعلًا وبلا أي مُبالغة مني لستُ بخير...
فيارب أبدل حالي إلى أفضله، واعبُر بي ثِقل الأيام وقسوتها على خير.
احسِبه كِبرًا أو غُرورًا أو ما شئت، فتلكَ شهادةُ مَن عاشرني، قلبي في بُرج عالٍ، من يصل إليه سيبقى عالقًا، ثمّة أشياء لا تستطيع تجاوزها بسهولة في شخصي، طيبتي إن تبادلتها ضحكتي إن سمعتها، يدي إن مددتها، نبرة صوتي وأنا أحكي، عيني وهي تلمع تارة وتسكُن تارة،
كانت أطيب من أن تُؤذَىٰ.. فآذيتها! كانت فقط تود أن تطمئن، كانت تود أن تقدر حبها لك، أن تشكر صنيعها معك، أن تفهم كيف لشخص مثلها مصاب من الأيام أن يقدم لك التعافي على طبق من ذهب وهي في أشد الاحتياج إليه!
ما طلبت منك المستحيل، ما قالت لك يومًا: تحمَّل فوق طاقتك، ما أمرتك أن تخلط من أجلها الزيت بالماء، أو تُخرِج لها من الدم لبنًا خالصا، أو أن تسجن شمس القاهرة ظلمًا في سماء عدن. ما تدلَّلت فطلبت منك أن تسرق لها من بغداد حُلِيّها، أو تنقش على جدار فلسطيني حزين اسمها، أو أن تستبيح حزن شواطئ بيروت من قعر السفن..
كانت تود أن تعي -بعض الشيء- مكانتها، وتقدر -ولو للحظات بسيطة- قيمتها، وتنسج من أجلها خيوط ود تقوِّي لا تُوهِن إن وهنت كل الخيوط. كان آخر أملها معك أن تفيق من همها، وكنت لها آخر ألمٍ ستذكره لمن بعدها، كنت الحياة بالنسبة لها، وكانت عندك في تعداد الأحياء الموتى، كنت في أوردتها كما الدم يسري، وكانت عندك شخصًا عابرًا لا ضير إن أحرقته لحمًا ودما..
لم تنتظر منك أجرًا لكل تضحياتها لك، أو تنازلاتها من أجلك، أو دفاعها عنك، وتمسُّكها بك، لم تنتظر منك شيئًا إلا شعورها أنها تستحق، والآن أصبح لسان حالها يقول: أنا فعلاً أستحق..
لا سامحك الله عما بقلبي فعلت، ولا غفر لك ذنب حزني وضياعي الذي اقترفت، أنا لم أعد أنتظرك كلك؛ أنا أكرهك كلك، امضِ حيث تمضي فلا غفرت لك!
ستكون أنت أجمل ما فيه، ستستيقظ على مهلٍ وراحة، لست حزينًا على ما فقدتَ وراحَ، ستبتسم في مرآتك وتجدك تلقائيًا حامدًا لله على عظيم فضله عليك، شاكرًا لسوقِ كرمه إليك، مُستشعرًا رفع الحِمل الذي طالما أرَّقك كثيرًا وأذهب النوم من عينيك، سيشعُر قلبك بالرضا..
وتنعم روحك بالطمأنينة، ينتشي خاطرك من أثر الجبر.. ستُردِّد برجفة الدهشة: ها هو الله قد أجابَ لي سؤالي، وأراحَ عقلي وبالي، ووجدته بعد كل ما مررتُ به تجاهي ربّ العوض الجميل.. ذاتَ صباحٍ جميل.. لن تسعك الفرحة من بؤس ما كنتَ عليه وما أصبحتَ فيه من نعيم.. أُبَشّرك وما ذلك على الله بعزيز...☁☁