لكلٍ منّا شفرته، ونغمته الخاصة ... .. تلك التي تحفظ توازنه وتصنع حياته ، وربما مضىٰ أكثر العمر-أو كله- دون العثور عليها،لكن قد يمنحنا القدر رحلة أو لحظة نكتشف فيها هذه النغمة ، أو ربما انساناً يُلهمنا تلك الشفرة فيُحسن سماع إيقاعنا ويفهمنا أكثر منّا، لنشعر حينها بأننا نولد من جديد.
طول الوقت نفسي أجرب ألحاني مع موسيقيين محترفين يقدروا يطوروا الألحان دي ويتفاعلوا معاها تفاعل حقيقي، نفسي طول الوقت أسيب نفسي للتجربة دي وأعيشها بعيدًا عن أدوات الموسيقي الإلكترونية وبعيدًا عن الكمبيوتر قدر الإمكان، لأن في الأصل - قبل ما أحب الموسيقى الإلكترونية وأقع في غرام جمالياتها وإمكاناتها اللي بتفجر خيالي - كنت بلجأ ليها فقط كحل لمشكلة إني ألاقي موسيقيين مناسبين وإنتاج يقدر يساعدني على تحقيق ده، ولكن لما الظرف ساعد وقدرت أعمل كده، عشت وقت من أجمل أوقات حياتي.
في إبريل اللي فات سافرت أمريكا علشان أشارك في إقامة فنية لمدة شهر، كانت الفكرة من وراها هو تجمع حوالي خمسة وعشرين موسيقي من كل العالم، وخلق بيئة مناسبة ليهم لتبادل الخبرات والشغل مع بعض. ووقتها اتعرفت على اتنين من أهم وأحلى الموسيقيين اللي قابلتهم في حياتي، وهما يوسف بوزيدي عازف البيز ودير مودي عازف الدرامز. حبينا بعض واندمجنا سوا في أقل من عشر دقايق تقريبًا ونشأت بينا صداقة جميلة مهدت لتعاون موسيقي مهم جدًا بعد انضمام صديقنا عازف الترومبيت كريس ويليامز باقتراح ورؤية من صديقنا البروديوسر كريس بوتا.
بدأنا مع بعض البروفات في سنتر أطلانطا للفنون في فلوريدا وقررنا إننا هنسجل سوا واحد من ألحاني أول ما نوصل مدينة نيو أورليانز.
إحساسي وفرحتي اليوم ده مقدرش أوصفهم؛ الموسيقى اللي كتبتها من تلت سنين في أوضتي في كفر الدوار واقف بسجلها في ستوديو كبير في موطن موسيقى الجاز؛ في نيو أورليانز؛ إحساس ساحر! نيو أورليانز كلها مدينة ساحرة؛ الموسيقى في كل حتة وطول الوقت، والموسيقى هنا أقصد الفرق الموسيقية، وبالأخص فرق الجاز. الفرق موجودة في كل مكان حرفيًا، الموسيقى خارجة من المطاعم والبارات ومحلات السجاير والجناين وحتى الشوارع العامة، النغمات الحية بترن في كل شبر في المدينة! سحر! وعلشان يكتمل السحر بتلاقي ناس بتقرا الكف وبتلعب بورق التاروت وبتكتب شعر؛ في كل حتة في الشارع!
بعد ما خلصنا تسجيل يوميها كنت حاسس إني مش عايز أروح، عندي طاقة كبيرة عايز أفرغها؛ رقصت يوميها في الشارع مع ناس معرفهاش، وأكلت أحلى سمك كلته في حياتي مع يوسف ودير في مطعم جومبو شوب في الحي الفرنسي. كان يوم جميل أوي. وعلشان الذكرى تكتمل وقفنا عند شاعر قاعد في الشارع ومعاه آلة كاتبة وحكيناله حكايتنا وكتبلنا الكلمتين اللي فوق دول علشان تبقى علامة جميلة ليوم جميل.
بعدها سبت الشباب وكنت عايز أتمشى لوحدي شوية، وقعدت أمشي وأدندن لحني زي ما متوقع إنه هيخرج لحد بس ما أسمع التسجيل! النهاردة التسجيل نزل على الباند كامب وتقدروا تسمعوه من هنا:
إن استطَعت؛ فاعبُر الحيــــــاة سليماً خفيفاً ليس عليك وِزراً أو إثماً، ولم تأكل حَقّاً، ولم تَبخس قَدراً، ولم تُفَرِّط بأمانة أو مسؤولية، ولم تعتَدِ أو تتعَدَّىٰ فما هذه الحياة بكل ما فيها إلّا "رحلة عبور" ... فإمّا أن تطيب السيرة، والمسير أو بِئس العبور، والمصير.
فيه رحلة بتمر ف ثواني مهما كانت مسافتها طويلة وبتزعل إنها خلصت وتتمنى لو أمتدت لزمن مضاعف.
وفيه رحلة بتبقى تقيلة ع القلب. ولو كان وقتها قليل ومسافتها قصيرة بتحس ان الكرسي بيشوكك ف ضهرك وكأن خوازيق ولا مؤاخذة ف مقعدتك.
بتكره نفسك والساعة اللي حطيت فيها رجلك ف العربية من أساسه مهما كانت فخامة العربية وماركتها.
لو تفتكرى من اكتر من سنة، كان واقف جنبى.. شافنى و انا واقع و متكسر..
ساعتها ضحك عليا و قالى انا محتاجك تيجى معايا القاهرة عشان عندى مشكلة عايزك تقف جنبى فيها..
لميت اللى متكسر منى و قلتله انا جاى معاك ما تقلقش.. أتاريه ما كانش عنده مشكلة و لا حاجة، ده كان حاجزلى ميعاد عندك، بس هو كان عارف إنه عشان ينتشلنى من اللى انا فيه، الحاجة الوحيدة اللى تقدر تحركنى إن هو يقولى أنا محتاجلك..
قلتلك الكلام ده فى الجلسة الأولى..
اتكررت جلساتنا، و لازم اشكرك على دعمك و اهتمامك اللى اتخطى حدود نطاق شغلك، و فاكر كويس كلامك بإنى اغرب حالة قابلتيها، بس إنتى كنتى مصدَّقانى جداً و انا ممتن لده..
و النهاردة ، و بعد اكتر من سنة و نص أنا حابب اقولك إنى أقولك إنى كدبت عليكى مرة واحدة.. خلينى أقول إنى ما كدبتش بصراحة، أنا خبيت عليكى حاجة..
انا لما سيبتك بعد أول جلسة، ما سمعتش كلامك.. أنا اتصلت بيها و أنا تحت عيادتك بعد ما نزلت على طول.. بس ما عملتش كده تانى، و فضلت على اتفاقنا..
يمكن اعترافى ده ما يبقاش ليه فايدة بعد كل الوقت ده، بس النهاردة حسيت انى لازم اقولك الاعتراف ده.. خصوصاً إن مجهودك، اللى انتى بتقولى عليه قليل، كان عظيم جداً و كان احد اسباب وصولى للى أنا فيه دلوقتى..
على فكرة الضباب خف كتير، و الرؤية احسن من غير النضارة، و ما بقيتش ببص فى مراية العربية كتير و أنا سايق، و بقيت اقعد دقيقة زيادة عن اللى كنت متعود عليه تحت المية رغم السجاير..
فى انتظار اجازتك الجاية.. عندى كلام كتير
يمكن تقوليلى نكمِّل جلسات،
أو تقوليلى كمِّل زى ما انت من سكات..
دمتى فى سلام..
مصطفى
(٢)
مصطفى،
من يوم ما قابلتك وأنا حاسة إن فيه بينا حاجة أكبر من مجرد جلسات علاجية. إحساسي بيقولي إننا مربوطين بخيط رفيع من الفهم والتعاطف، وده اللي خلاني أتعلق برحلتك نحو الشفاء والتغيير.
كل كلمة قلتهالي وكل نظرة في عيونك كانت بتحكي قصة و رحلة انت كنت صادق فيها. وأنا بفكرك بجد انى مش بس مجرد دكتورة، أنا كمان صديقتك اللي كنت شايفة الألم وبتمنى الأمل في عيونك و مهتمة بيك على نحو شخصى يا اغرب حالة انت.
وبالنسبة للحاجة اللي خبيتها، متشيلش هم مش فارقة كتير دلوقتى. بس الصراحة والثقة اللي بينا أكبر من أي حاجة. والأهم إنك قدرت تتغلب على على ده وتمشي في الطريق الصح.
أنا مبسوطة إنك حسيت بالراحة والصفاء، وإن الضباب اللي كان مالي حياتك بدأ يتلاشى. وأنا متأكدة إن الأيام الجاية هتكون أحلى وأنقى، وإنت هتشوف الدنيا بعيون مليانة بالأمل والنور.
اه و خف سجاير عشان تعمل رقم جديد
مستنية نتقابل في الإجازة الجاية عشان نتكلم أكتر، ونشوف هنكمل الرحلة دي مع بعض ولا هتكملها لوحدك. في كل الأحوال، أنا جنبك، وهفضل جنبك، وهكون فخورة بيك دايمًا.