Tumgik
corridors-of-books · 5 years
Text
يرى الجاحظ ان الانسان مطبوع على «اذاعة السر واطلاق اللسان بفضل القول» والذي يحمله على ذلك الهوى وضعف العقل. ولذلك كان من العسير عليه مغالبة هواه وحفظ لسانه وصيانة اسراره، ولن يستطيع ذلك الا بقوة العقل. فمتى قوى عقله لجم هواه وضبطه ومنعه من ارسال الكلام على عواهنه واذاعة ما ينطوي عليه صدره ومن ثم جاءت تسمية العقل بهذا الاسم، فهو بالنسبة للهوى بمثابة الحبل بالنسبة للبعير يقيده ويمنعه من الشرود والضلال.
اما اللسان فلا لوم عليه لانه ليس سوى «اداة مستعملة لا حمد له ولا ذم عليه» والحمد والذم للعقل والحلم.
ان اللسان ترجمان القلب، والقلب خزانة تحفظ الاسرار والخواطر والعلم. والقلب يضيق بما فيه ويستثقله ويستريح الى نبذه واذاعته بواسطة اللسان. وهذا هو السبب في طبع الناس على حب الاخبار والاستخبار، واهتمامهم بالتاريخ واحداثه وتدوينه. وقد سيطرت هذه الغريزة عليهم حتى عسر عليهم الكتمان وغدا من يكتم سره عرضة للسقم والكمد والكرب.
ويروي الجاحظ اخبارا مدهشة في ذلك. فان احد الفقهاء اطلع على اسرار لا يحتملها العامة ضاق صدره بها فذهب الى العراء وحفر حفرة اودعها دنا وراح يختلف على هذا الدن يحدثه بما سمع فيروح عن قلبه. وكان الاعمش، سليمان بن مهران (١٨٨ هـ-) عندما يضيق صدره بما فيه مما لا يريد ان يذيعه بين الناس، يقبل على شاته فيحدثها بالاخبار والفقه.
ويتحدث الجاحظ على مساوىء افشاء الاسرار، فيقول ان صاحب السر يبقى مالكا له حتى يذيعه أو يفلت منه الى اذن واحدة، فسرعان ما يشيع ويدفع الى اذن ثانية فثالثة. وعندئذ يصبح صاحب السر عبدا لمن ائتمنه على سره ورهينة بين يديه.
واذا اساء من اؤتمن على السر حفظ الامانة، ونشره او حرفه ارث الشحناء بين الاقرباء والاصدقاء، والصراع بين الاعداء، وقد يؤدي الى سفك الدماء وازالة النعم والتفرقة.
ويدعو الجاحظ الى سوء الظن بجميع الناس حتى الاهل والعبيد والحاشية والاولاد والعمال. فهؤلاء اكثر الناس اذاعة للاسرار. وعمال الخليفة خاصة يفشون اسراره المشينة. والنمامون مولعون باذاعة الاسرار التي تنتشر على السنتهم انتشار النور في الظلمة.
ومما يدفع الى افشاء السر التحذير من نشره. فاذا اودعنا احدهم سرا
واستعهدناه بعدم اظهاره اغريناه باذاعته لأن كل ممنوع مرغوب. ويفسر الجاحظ رغبة الناس فيما منعوا منه بالطبع الذي يفسر به كل شيء لأنه مبدأه الفلسفي الاساسي. انهم مطبوعون على شهوات عديدة ترغب في الارتواء والاشباع.
فاذا منعت من الحصول على ما يشبعها او يرويها تعلقت به وفتشت عنه ورغبت فيه. فاذا حصلت على مطلوبها واشبعت حاجتها قل قدره عندها وهان عليها وصدفت عنه. هذا هو حال الجائع والشبعان والمحروم من الجماع والمغموس فيه. ولا يشذ عن هذه القاعدة سوى المال والعلم، لأن المال يتخذه البعض لا لقضاء الحاجة بل لقمع الحرص والحرص لا حد له. ولأن العلم لا حد له ولا نهاية وكلما ازداد المرء طلبا ازداد فيه رغبة. ويرى الجاحظ في موقف الناس من المال والعلم خروجا على العقل لأن النهم هو تجاوز القدر.
ان اكثر الامور عرضة لافشاء السر الخبر الرائع والخطب الجليل مثل اسرار الاديان وعقائدها واخبار الملوك والعظماء.
وافشاء السر يمت بصلة الى الغيبة، والغيبة رذيلة خلقية كريهة لانها «خطة جور في الحكم، وسقوط في الهمة، وسخافة في الرأي، ودناءة في القيمة، وكلفة عريضة، وحسد وتعاسة قد استحوذت على هذا العالم وغلبت على طبائعه وتوكدت لسوء العادة عندهم ولعلو الشر على الخير وكثرة الدغل والنغل والحسد في القلوب ... » .
ويحض الجاحظ على العدل في الاحكام لانه لا شيء «احلى مذاقا من العدل، ولا اروح على القلوب من الانصاف، ولا امر من الظلم ولا ابشع من الجور» .
واسباب الظلم هي الشره والحرص المركب في اخلاق الناس ومن ثم
مست الحاجة الى الحكام الذين يردعون الظالم عن ظلمه ويأخذون للضعيف حقه.
كما ينهى الجاحظ عن الفضول، ويعني به ان «يسأل المرء عما لا يعنيه، ويكترث لما لا يكرثه، ويعنى بما لا ينفعه ولا يضره، واكثر المجيبين يجيب ولم يسأل، ويكلف ما لا يعلم» . فهو ينظر اليه من الوجهة الاخلاقية لا القانونية.
6 notes · View notes
corridors-of-books · 7 years
Text
أبو تراب الظاهري
أبوتراب الظاهري وشيء من سيرته.. بالصور والوثائق النادرة «ورَّاق الجزيرة» تنفرد بأميز ترجمة لأبي تراب الظاهري من مشاهدات تلميذه عبد الله الشمراني (١ - ٢) إنَّا على فراقك لمحزونون» : لقد فجعنا صباح يوم السبت الموافق: ٢١/٢/١٤٢٣هـ بوفاة عميد اللغة العربية في عصره، والرجل الموسوعي، والمعلمة التاريخية، والخزانة المتنقلة، شيخنا: العلامة، المحدث، الأصولي، اللغوي، الأديب: «أبو تراب الظاهري» ، عن ثمانين سنة، فرحمه الله، وغفر له. فكتبت هذه الأوراق وفاءً حقه، وهي أوراق مختصرة من كتابي: «هداية الأحباب بإجازة الشيخ أبي تراب» ترجمت فيه له، ولأبيه المحدث: عبد الحق الهاشمي رحمه الله، وذكرت شيوخهما، ومصنفاتهما. واستندت في ترجمة الشيخ، وأبيه على المشافهة، ��دار بيني وبين الشيخ الكثير من الجلسات، التي تخللها الكثير من الأسئلة، فأنا أسأل والشيخ يُجيب، كما وضع بين يدي مؤلفات أبيه الخطية، واطلعني على إجازات العلماء لأبيه، وقرأتها، لكي أخرج بصورة عن الحياة العلمية في ذلك العصر. فأقول مستعيناً بالله: اسمه: أبو محمد، عبد الجميل بن أبي محمد عبد الحق بن عبد الواحد بن محمد بن الهاشم، وكان له أكثر من اسم منها: عبد الجليل، وعلي، وعمر. كنيته: لشيخنا بحفظه الله ثلاث كنى: أبومحمد، وأبو الطاهر، وأبو تراب. الأولى باسم ولده الأكبر، والثانية كانت الرسمية، وعلى ذلك ختمه القديم، ولكنها كنية قديمة، واندثرت، ولا أحد يكنيه بها اليوم، ولا يُعرف الشيخ إلا بالثالثة. لقبه: الهاشمي، العُمري، العدوي، ويعود نسبه الى الخليفة الفاروق عمر بن الخطاب بن نفيل القرشي رضي الله عنه. فهو كما رأيت عُمري، عدوي، أما: الهاشمي فنسبه الى جده الثالث: «الهاشم» ، وليس من «بني هاشم» . مولده: ولد الشيخ في «أحمد بور الشرقية» بالهند عام «١٩٢٣م ١٣٤٣هـ» . ولادته، ونشأته، وتعليمه، وحصيلته في القراءة، والمطالعة: كانت ولادته، ونشأته الأولية في مدينة «أحمد بور، بالهند» ، وكان مبدأ تعليمه على يد جده: عبد الواحد رحمه الله، ابتداءً من فك الحرف «أ، ب،ت ... » وانتهاءً الى «المثنوي» ، للرومي، قرأ خلال هذه الفترة: «كريمة بخش، وبندناما، وناماحق، وبلستان، وبوستان» ، وهي كتب فارسية، كانت مقررة في دروس التعليم آنذاك. ثم تعلم الخط الفارسي على يد جدّه في الجامع العباسي في: أحمد بور، وبعد ذلك جلس الى دروس والده، وبدأ من «الصرف» ثم النحو ثم أصول الحديث، ثم أصول الفقه. سرد مفصل لنشأته التعليمية أولاً: كتب الحديث: بدأ في الحديث من بلوغ المرام، ثم المشكاة، ثم سنن ابن ماجة، ثم سنن أبي داود، ثم سنن الترمذي، ثم سنن النسائي، ثم صحيح مسلم، ثم صحيح البخاري. كل ذلك قراءة، ودراسة، وتحقيقاً على يد أبيه رحمه الله. وبعد ذلك سرد على أبيه: المسند، والسنن الكبرى، للبيهقي، والمنتقى، لابن الجارود، المستدرك للحاكم، والسنن للدارقطني، والمسند للطيالسي. ثم نسخ بيده: المصنف لعبد الرزاق، والمصنف لابن ابي شيبة كاملين، والجزء الأول من كتابي ابن عبد البر رحمه الله: التمهيد، والاستذكار، ونسخ أجزاء من كتاب «العلل» للدارقطني. وقرأها على أبيه. كما قرأ: «فتح الباري» للحافظ، وإرشاد الساري، للقسطلاني مطالعة. وقرأ أيضاً بعض الكتب المطولة، منها في دار الكتب المصرية كتاب «الكواكب الدراري في تبويب مسند الإمام أحمد على أبواب البخاري» لابن عروة الدمشقي، الحنبلي رحمه الله، وهو كتاب عظيم جداً يقع في مائة وعشرين مجلداً. وقرأ أيضاً كتابي ابن عبد البر رحمه الله. «التمهيد» و «الاستذكار» ، كاملين قبل أن يُطبعا. ثانياً: كتب التفسير: أول ما قرأ على أبيه رحمه الله «تفسير الجلالين» ثم تفسير القرآن العظيم، لابن كثير كاملاً، وقرأ عليه ايضاً أجزاء من «جامع البيان» للطبري، والجزء الأول من «مفاتيح الغيب» للرازي، و «الجامع لأحكام القرآن» للقرطبي، وقرأ عليه «تفسير البيضاوي» ، دراسة من أوله الى سورة الكهف. وطالع الباقي مطالعة، إما كاملة، أو أجزاء منها، وتبلغ كتب التفسير التي طالعها، نحو، ثلاثين كتاباً، ك «تفسير النسفي، والبحر المحيط لابن حيان و ... » . ثالثاً: كتب الفقه: الفقه الحنفي: أول ما بدأ به شيخنا رحمه الله الفقه الحنفي، فقرأ الكتب الصغيرة، دراسة على أبيه رحمه الله، كالكتاب المعروف ب «مختصر القدوري» للقدوري و «كنز الدقائق» للنسفي، والبحر الرائق شرح كنز الدقائق» لابن نجيم، و «الهداية شرح بداية المبتدئ» للمرغيناني. ثم بعد ذلك طالع المبسوطات، ك: «المبسوط» للسرخسي، و «شرح فتح القدير» لابن الهمام. الفقه المالكي: قرأ على أبيه دراسة: «مختصر خليل» كاملاً، ثم طالع: «المدونة الكبرى» كاملة، و «المقدمات الممهدات لبيان ما اقتضته رسوم المدونة» لابن رشد الجد. كما استفاد استفادة عظيمة من كتاب «بداية المجتهد ونهاية المقتصد» لابن رشد الحفيد، الذي يعد موسوعة فقهية موازنة. الفقه الشافعي: قرأ الجزء الأول من كتاب: «الأم» ، وكامل «الرسالة» للشافعي، دراسة على أبيه رحمه الله، ثم طالع «المجموع» للنووي رحمه الله. الفقه الحنبلي: طالع فيه: «المغني» لابن قدامة، والشرح الكبير، لعبد الرحمن بن قدامة، ومجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية، كاملة. علم الفرائض درس شيخنا الفرائض على الشيخ: واحد بخش رحمه الله، وهو من كبار علماء الفرائض في: «الهند، كما درس، السراجية، على ذهبي العصر العلامة، عبد الرحمن المعلمي رحمه الله. رابعاً: كتب اللغة: قرأ شيخنا على أبيه كتاب «فقه اللغة» للثعالبي، والصحاح للجوهري، وكان والده يُفضل «الصحاح» على سائر كتب اللغة، ويقول: مرتبته بين كتب اللغة، كمرتبة «صحيح البخاري» بين كتب الحديث. ثم حثه والده بعد ذلك على حفظ المواد اللغوية، فحفظ «عشرين ألف» مادة تقريباً. ثم طالع سائر المطولات، ك «لسان العرب» لابن منظور، وقرأه ثلاث مرات، وعلق عليه، وقرأ: «تهذيب اللغة» للأزهري، و «تاج العروس» للزبيدي و «العين» للخليل، و «الجمهرة» لابن دريد، و «مجمل اللغة» لابن فارس، و «النهاية في غريب الحديث» لابن الأثير، و «الفائق» للزمخشري و ... كل ما سبق من كتب اللغة قرأها كاملة. وحثه أبوه رحمه الله على كتاب «مقايس اللغة» لابن فارس، و «أساس البلاغة» للزمخشري. وأخيراً: ما ذكرته قليل من كثير، ولكن ذكرت بعضها، مرتبة، ومصنفة، وإلا فالشيخ حفظه الله يقول: «مجموع ما يبلغ من الكتب التي طالعت، أو درست، نحو ثمانية آلاف كتاب، من مختلف العلوم» . اللغات التي يتحدث بها الشيخ رحمه الله الشيخ رحمه الله يجيد لغات شبه القارة الهندية، وخاصة «الأوردية» ويجيد ايضا «الفارسية» ، وقد ذكرت من خلال الك��ام على نشأته أنه قرأ على جده كتباً فارسية. رحلاته: كان لشيخنا الكثير من الرحلات الحافلة بالقصص والطرائف العلمية، واستفاد من خلال رحلاته الكثير من الفوائد، كمقابلة العلماء، والمفكرين، والأدباء. كما نسخ خلال رحلاته الكثير من الكتب الخطية، سواء كان النسخ له، أو بطلب من أبيه، كما استفاد من مطالعة الكتب الخطية، ولا سيما المطولات، ومن ذلك مطالعته لكامل كتابي ابن عبد البر رحمه الله «التمهيد» و «الاستذكار» ، قبل ان يراهما عالم المطبوعات، وطالع كذلك مخطوطة كتاب «الكواكب الدراري» . ومن رحلاته: السعودية: قدم الى السعودية بطلب من الملك عبد العزيز رحمه الله، حيث ابرق الى سفارته هناك، وارسل اليه طائرة، وذلك ليكون مدرساً في «الحرم المكي» ، وفعلاً قدم الى جدة عام ١٣٦٧هـ، ومنها الى مكة المكرمة. مصر: رحل الى مصر وكان معه توصية خطية من أبيه رحمه الله الى محدث مصر في وقته، العلامة أحمد بن محمد شاكر رحمه الله واستضافه في بيته، كما استضافه رئيس جماعة السنة المحمدية: العلامة «محمد حامد فقي رحمه الله في بيته أيضاً. وفي مصر التقى بالعلماء، وممن لقي هناك المدعو: زاهد الكوثري. المغرب: رحل إليها، وحل ضيفاً عند شيخه: منتصر الكتاني رحمه الله واستجاز ممن لقيهم، ولقي المحدث: الأصولي: عبد الله بن الصديق الغماري ت «١٤١٣هـ» رحمه الله ولم يستجز منه. ويقول: لقيت الكثير من أصحاب الرواية هناك، ولم استجزهم، لشدة بدعهم، بل وجدت منهم المشعوذين ممن يدّعون الرواية» . شيوخه: لقد أكثر الشيخ من الرحلة والسماع، وتعدد شيوخه من أقطار إسلامية عديدة، وهذا ذكر لبعضهم ممن درس عليهم، أو سمع منهم، أو استجازهم: والده المحدث: عبد الحق الهاشمي، وهو شيخه الأول، والأخير. ومن علماء الهند: إبراهيم السِّيالكوني، وعبد الله الروبري، الأمر التسري، وابو تراب محمد عبد التواب الملتاني، وهو من تلاميذ نذير حسين، وقد قرأ عليه الشيخ ابوتراب «سنن النسائي» كاملة، ثناء الله الأمر تسري، وعبد الحق الملتاني، وكان يدرس كل العلوم. ومن علماء الحرمين: القاضي أبوبكر بن أحمد بن حسين الحبشي، والعلامة القاضي: حسن مشاط المالكي، والمحدث: عبد الرحمن الافريقي، والعلامة: عبد الرحمن المعلمي، والمحدث: عمر بن حمدان المحرسي، والشيخ: محمد عبد الرزاق حمزة، ومسند العصر: ياسين بن محمد عيسى الفاداني. ومن علماء مصر: المحدث أحمد بن محمد شاكر، والشيخ: حسنين مخلوف، والعلامة الشيخ محمد حامد فقي. ومن علماء المغرب: الحافظ: عبد الحي الكتاني، والمسند: منتصر الكتاني. طلابه: الذين قرءوا على الشيخ واستجازوه كثيرون، منهم من درَّسهم في الحرم المكي، ومنهم من يأتي اليه في خزانته العامرة، وقد ذكرت أبرزهم في ترجمتي له. إجازة الصاع النبوي والمدّ النبوي الشيخ مجاز بهما عن جماعة من شيوخه، وعلى رأسهم والده المحدث عبد الحق الهاشمي، ورأيت في خزانته «المد النبوي» الخاص بوالده رحمه الله، وهو مصنوع من النحاس، وقد نحت عليه من الخارج الإسناد من والده، الى الصحابي الجليل: جابر بن عبد الله رضي الله عنه، الى النبي صلى الله عليه وسلم وكل واحد من رجال الإسناد قاس مده بمد شيخه، الى جابر بن عبد الله رضي الله عنه، الذي قاس مُدّه بمدَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد كانت النية بيننا على الإجازة بهذين السندين، بعد إحضار المد والصاع، ولكن حصاد التسويف مر. وإسناد المد النبوي لا يخلو من مقال. أعماله عمل مدرساً في «المسجد الحرام» سنين عديدة، وعمل في «مكتبة الحرم» ، وشغل رئاسة التصحيح بجريدة «البلاد السعودية، ثم البلاد، والرائد وغيرها» . وأسهم في الصحافة بقلمه نحو خمسين عاماً. وأخيراً شغل وظيفة مراقب في «وزارة الإعلام» منذ كانت «المديرية العامة للإذاعة والصحافة والنشر» ، كما قدم عدة برامج إذاعية، من اشهرها، «حديقة اللغة، وسير الصحابة، وبرنامجه اليومي المعروف «شواهد القرآن» ، والذي يبحث في تحليل المواد اللغوية في القرآن الكريم. مذهبه: من لقبه وشهرته يتبين أنه ظاهري، على مذهب ابن حزم رحمه الله. علماً بأنه على غير جمود ابن حزم، فيخالفه في بعض المسائل الى رأي الجمهور، ومن ذلك حكم الشرب واقفاً، فالشيخ يرى الكراهة، خلافاً لإمامه ابن حزم، ويقول: «ثبت شرب النبي صلى الله عليه وسلم واقفاً، فيُحمل حديث مسلم على الكراهية التنزيهية» . شعره الشيخ أبو تراب ممن يقول الشعر ويجيده، وله في ذلك صولات وجولات. وسيأتي ضمن مؤلفاته أن له ديوانين شعريين، هما: «بث الكث في الغث والرث» ، و «لقلقة القمري» نماذج من شعره: له قصيدة رائعة بعنوان «هواتف الضمير» يقول في مطلعها: خلوت إلى نفسي لأسكب عبرتي فقد آب رشدي في الصيام لتوبتي رثيت لحالي بعد شيبي وقد جرت عواصف آثام يُشعِّثن لمتي وقد ضاع عمري لاهياً لا انتباهة ولا يقظة من بعد نوم وغفلتي تقلبت في النعماء دهراً أذوقها نسيت بها البؤس وذُلِّي وشقوتي فهل قمت بالشكر الذي كان واجباً عليَّ وهل جانبت موطن زلتي وقال في مطلع قصيدته «ابتهال» : عبد ببابك قد أتى يتذلل حيث التذلل في جنابك اجمل عبد أثيم أثقلته ذنوبه فأتاك يعثر في خطاه ويوجل ولى له ماض بأوزار غدت سودا كمثل الليل بل هي أليل يبكي على ما فاته متحسرا وسواك ليس له إلهي موئل خِزانته العلمية الشيخ مولع بالكتاب، واقتنائه، وبدأ في الشراء منذ وقت مبكرٍ جداً، ولا يزال يسأل عن اخبار الجديد في عالم المطبوعات، ويشتري كل ما يطبع أولاً بأول الى آخر لحظة في حياته رحمه الله. وآخر احصائية لكتبه تقول: إنّ خزانة أبي تراب الظاهري تبلغ «٥٠٠،١٦» ستة عشر ألفا وخمسمائة كتابا. وهي مجموعة علمية ضخمة، ولا سيما اذا عرفنا أنّها ملك لشخص دون غيره، وهي بحق من أكبر المكتبات الشخصية. ومن خلال التجول في مكتبته أقول: مكتبة غنية بفنون المعرفة في: الدين، واللغة، والأدب، والتاريخ، والطب، و ... كما يوجد فيها مخطوطات مختلفة، منها أصلية، ومنها ما نسخها إما في «مصر» او غيرها، ويوجد بعض هذه المخطوطات على شرائح ميكروفيلم. وتحتوي مكتبته على الكثير من الكتب القديمة والنادرة. كما تحتوي على أكثر من نسخة من بعض الامهات بطبعات مختلفة، واكثر كتبه طبعة اولى. والكثير من الكتب في «خزانته» لا تخلو من تعليقات كثيرة، إما تعقيب، او تذييل، او تأييد على كلام اهل العلم، تدل على سعة اطلاعه. وقد طالعت بعضها في: «لسان العرب» ، و «القاموس المحيط» ، و «الاصابة» .. والشيخ يريد ان تكون «خزانته» بعد موته (وقفاً) على طلاب العلم، هكذا حدثني اكثر من مرة، وكانت امنيته في حياته ان تشتري الدولة لها مقرا في جدة، وتوضع فيه لتكون في متناول طلاب العلم. وهي بحق خزانة عامرة، وعسى ان يكون في مقالي هذا نداء لمن يلبي أمنيته قريباً ان شاء الله. إنتاجه العلمي للشيخ نحو خمسين كتابا، في مختلف الفنون، «الحديث، والسيرة، والتراجم، والنحو، والأدب، والشعر، والنقد» ويلاحظ ان الصبغة الادبية طاغية على تأليفه، كما له تعاليق، ومراجعات على كتب شتى. وقد طبع من مؤلفاته نحو خمسة وعشرين كتابا، وهذا مسرد موجز عنها، وفي ترجمتي له ذكرت وصفا كاملا لكل كتاب: ١ أدعية «القرآن» و «الصحيحين» ، جمع فيه الادعية الواردة في «القرآن الكريم» ، و «صحيح البخاري» ، و «صحيح مسلم» ، طبع بحجم الجيب لسهولة حمله سنة: «١٤١٣هـ» . ٢ آراء المتقدمين في الادب. ٣ الاثر المقتفى لهجرة المصطفى صلى الله عليه وسلم نشرته «دار القبلة» «جدة» وطبع سنة: «١٤٠٤هـ» . ٤ «اصحاب الصفة» ، ظهر منه الجزء الاول «١١٢» صفحة، من الحجم الصغير، وشمل على «٩٥» صحابيا، وطبع سنة: «١٤٠٤هـ» . ٥ «اضمامة ذهول العقول فيما رثي به الرسول صلى الله عليه وسلم» «٧» صفحات، جمع فيه بعض ما قيل في الباب، اضافة لما ورد في كتابه «ذهول العقول» الآتي، وهو مطبوع بآخره. ٦ «اعلام أهل الحاضر برجال من الماضي الغابر» ، في التراجم، طبع المجلد الاول منه سنة: «١٤٠٥هـ» ، عن دار القبلة. ٧ «الاقاويق» . ٨ «إلقام الكتاب» لم يطبع. ٩ «الأوباد والأسمار» . ١٠ «أوهام الكتاب» طبع الجزء الاول سنة: «١٤٠٣هـ» . ١١ «بث الكث في الغث والرث» ديوان شعره في مجلدين ضخمين، ولم يطبع. ٢ ١ «تأنيس من أقبل على القربات» . ١٣ «التحقيقات المعدة بحتمية ضم جيم جدة» ، له القسم الثالث منها، طبع سنة: «١٣٨٥هـ» . ١٤ تخريج: «مسند أبي يعلى الموصلي» . ١٥ تخريج: «منتقى ابن الجارود» . ١٦ «تذكرة المتزود» . ١٧ «تفسير التفاسير» . ١٨ «تفسير ما يخفي من كلمات القرآن» ، تحت التأليف، وهو آخر ما كان رحمه الله يكتب فيه، ابتدأه في: «٧/١٠/١٤٢٢هـ» ولم يتمه. ١٩ «تناقض الفقهاء» لم يطبع. ٢٠ حاشية على: «المنتقى» لابن الجارود لم يطبع. ٢١ «الحديث والمحدثون» مطبوع. ٢٢ «الحواضر والخواطر» . ٢٣ «دلائل النبوة للبيهقي» ، علق على الجزء الاول. ٢٤ «ذهول العقول بوفاة الرسول صلى الله عليه وسلم» ، نشرته دار القبلة، عام «١٤٠٤هـ، ويقع في «١٨٦» صفحة، من الحجم العادي. ٢٥ «سرايا رسول الله صلى الله عليه وسلم» ، نشرته: «تهامة» بجدة، ويقع في «٥٤٩» صفحة، من الحجم العادي، طبع عام «١٤٠٤هـ» . ووضع الشيخ في آخره، فهرسا بتعقباته على من سبقوه، بلغت «١٢٣» ، ما بين تعقيب، واستدارك، وتصحيف، ووهم، وتعليق، وخطأ لغوي، وفائدة، وتوجيه، وتنبيه. وهو كتاب جليل، حافل بالتعليقات، والنقد، فضلا عن كثرة النقول في الموضوع. قال الشيخ، الاديب: علي الطنطاوي رحمه الله في تقريظه لهذا الكتاب: «هو خزانة علم، يجب ان يكون في كل بيت» أ. هـ. ٢٦ «سير الصحابة» ، ويقع هذا الكتاب في «اثني عشر» مجلدا بخطه، وهو في اصله برنامج كان يقدمه في «الاذاعة» ، ثم توقف عنه. ٢٧ «شواهد القرآن» ، وهو من أعجب كتبه، وأمتعها، وهو في أصله برنامج يومي يقدمه في الاذاعة، ولم يكمل، وقد بلغ فيه الى المجلد السادس، وطبع منه المجلد الاول سنة: «١٤٠٤هـ» ، والمجلد الثاني سنة: «١٤٠٩هـ» . ٢٨ «صفة الحجة النبوية» ، طبع سنة: «١٤٠٤هـ. ٢٩ «الغزوات الأربع: بني قريظة بني النظير خيبر بني قينقاع» مطبوع. ٣٠ «فتكات الأسد في مقاعد القتال بأحد» «٢٢٩» صفحة، من الحجم العادي، نشرته «دار القبلة» ، طبع سنة: «١٤٠٥هـ» . ٣١ «فصل أهل البيت وحقوقهم» ، لشيخ الاسلام ابن تيمية، قدم له، وعلق عليه، وذلل عليه بأحاديث، ويقع في: «١٦١» صفحة، من الحجم الصغير، نشرته: «دار القبلة» ، سنة: «١٤٠٥هـ» . ٣٢ «قوانين التصريف والعوامل النحوية» ، طبعته «مطابع سحر» ، سنة: «١٤١٦هـ» . ٣٣ «قيد الصيد» ، طبع سنة: «١٤٠٢هـ» . ٣٤ «كبوات اليراع» ، طبع الجزء الاول سنة «١٤٠٢هـ» . ٣٥ «كيف حج رسول الله صلى الله عليه وسلم» مطبوع. ٣٦ «لجام الأقلام» ، طبع في «تهامة» ، عام: «١٤٠٢هـ» . ٣٧ «لقلقة القمري» ، ديوان شعر، لم يطبع. ٣٨ «ما لقي رسول البرايا صلى الله عليه وسلم من الأذايا والبلايا» ، نشرته «دار القبلة» ، بدون تاريخ طبع، ولم يصدر منه سوى الجزء الاول فقط في «١٠٨» صفحة، من الحجم العادي. ٣٩ «المستدرك» . ٤٠ «المنتخب من الصحيحين» جزء واحد، نشرته «دار القبلة» . ٤١ «منتخب الصحيحين للنبهاني» ، علق عليه، والنبهاني هو: يوسف بن اسماعيل النبهاني، وهو مطبوع. ٤٢ «الموزون والمخزون» ، نشرته: «تهامة» ، سنة: «١٤٠٢هـ» . ٤٣ «النحو والنحاة» . ٤٤ «الهوامش والتعليقات» . ٤٥ «وفود الاسلام» ، طبع سنة: «١٤٠٤هـ. كما راجع الكثير من الكتب، منها: «الرواة الذين وثقهم الإمام الذهبي في ميزان الاعتدال» ، لمحمد شحاذة الموصلي، طبع سنة: «١٤٠٦هـ» . اضافة الى مشاركاته في: «التلفاز» ، و «الاذاعة» ، و «الاندية الأدبية» ، و «المجلات» ، و «الصحف» ، وهي مشاركات علمية وأدبية، ومن ذلك برنامج قدم في التلفزيون عن «مادة الضحك في اللغة والأدب» . الكتب التي نسخها بيده استفاد شيخنا رحمه الله أثناء رحلاته في أمور عدة، منها قيامه بنسخ الكثير من الكتب، إما له، أو بطلب من أبيه، ومما نسخه بيده: «المصنف» لعبد الرزاق، و «المصنف» لابن ابي شيبة، كاملين، و «انتقاض الاعتراض» للحافظ، كاملا، وهو رد الحافظ ابن حجر رحمه الله، على العيبي في شرحه للبخاري: «عمدة القاري» ، و «المعجم» للطبراني، والجزء الاول من كتابي ابن عبد البر: «التمهيد» ، و «الاستذكار» ، ونسخ أجزاء من كتاب «العلل» للدار قطني. ثناء من عرفوه قال عنه محدث الديار المصرية، الشيخ: احمد بن محمد شاكر رحمه الله: «هو بارقة في علم الحديث، والرجال، ناقد ذو فهم» أ. هـ. وقال عنه الشيخ الباقوري: «العلم ملء إهابه، والأدب يمشي في ركابه» . وقال عنه فضيلة الشيخ عبد الله بن عبد الغني خياط، امام وخطيب: «المسجد الحرام» ، وعضو «هيئة كبار العلماء» ، و «مجمع الفقه الاسلامي» رحمه الله: «هو نادرة هذا الزمان في: اللغة، والحديث، والفقه» أ. هـ. وقال أبو عبد الرحمن بن عقيل الظاهري: «هو مهر سباق، لا يبارى» أ. هـ. كما أثنى عليه غيرهم من: العلماء، والأدباء، والمفكرين، أمثال: عبد الرحمن المعلمي في مقدمة تحقيق «الإكمال» «١/٥٠» ، ومحمد عبد الرزاق حمزة، ومحمد نصيف، ومحمد سرور صبان، وحمد الجاسر، وعبد القدوس الانصاري، واحمد محمد جمال، وعبد العزيز الرفاعي، و ... ما تميز به الشيخ ان كان لشيخنا باع في الحديث، والفقه، والتاريخ، والنحو، و.. الا ان علم «اللغة العربية» هو الذي تميز به من بين معاصريه، وهذا ما اشتهر به، ومؤلفاته ومقالاته وبرامجه الاذاعية تشهد بذلك، ولا أعلم ان احدا مثله في عصرنا في اللغة وعلومها، لا في الشعر والأدب، ولا النحو والصرف، ولا اللغة وفقهها. بل تميز الشيخ بكثرة استخدام شوارد اللغة وغريب الألفاظ، حتى انه ليكتب الرسالة الواحدة، ولا يستطيع أحد قراءتها من غير الرجوع الى معاجم اللغة الموسعة. كل يؤخذ من قوله ويرد كان للشيخ رحمه الله بعض المسائل قال فيها بقول ابن حزم رحمه الله، فسبب ذلك فجوة بينه وبين بعض معاصريه، وهذا نابع من انتسابه للمذهب الظاهري، في وقت لا نجد من ينتسب اليه، والشيخ يعلن ذلك، بل اختار لنفسه هذا الاسم: «أبو تراب الظاهري» ، ولا يعرف الا به. ومعروف لدينا نظر العلماء قديما وحديثا الى هذا المذهب، بل قد وسمه بعضهم بالشذوذ، ولم يعدوا خلاف ابن حزم رحمه الله في المسائل الإجماعية خرقا للإجماع، بل مر زمن حرقت فيه مؤلفاته، واكثر العلماء من الرد عليه، والقسوة عليه، اما في حياته، او بعد مماته، والى وقتنا هذا. ولاشك في ان ابن حزم امام مجتهد، من ائمة الدنيا، ومن نوادر ما عرف الزمان في العقل، والعلم، وكان يتوقد حكمة، وذكاء. ولعل من اشد ما اغضب الناس عليه، هو تشدده في القول بالظاهر، وتشدده في الرد على خصومه، ولا سيما: أبي حنيفة، ومالك رضي الله عنهما، بل اشتد النكير عليه، عندما قال عن الإمام: أبي عيسى، محمد بن سورة، الترمذي، صاحب: «السنن» : «مجهول» !. ويعلم الله بأني لم ارد التنقص من قدر ابن حزم رحمه الله، فهو كما قلت من أئمة الدنيا، ولكن سقت هذا الكلام لأبين نظرة الناس اليه، ومن ثم نعلم سبب انتقاد بعض معاصري أبي تراب لانتسابه لهذا المذهب. ولكن عند مجالسة الشيخ «أبي تراب» ، ومناقشته في بعض المسائل يتبين أنه لا يقول بالظاهرية جملة وتفصيلا، بل يخالف ابن حزم في بعض المسائل. كما انه ذهب الى ما ذهب اليه عن اجتهاد، فإن اصاب فله اجران، وإن أخطأ فله أجر. ولا أظن ان الخلاف في الفروع، يبرر الوقوع في أعراض المسلمين. قصة وفاته الشيخ مع كبر سنه، إلا أنّه قليل الحركة، بسبب اعتكافه في «خزانته» ، وقد تعب في آخر حياته جدا، وتوالت عليه الامراض بسبب الشيخوخة، وفي صباح يوم السبت الموافق ٢١/٢/١٤٢٣هـ طلب من خادمه مساعدته للوضوء، وقد احس ببطء في حركته، وبعد عودته الى فراشه، شعر بأن قدميه توقفتا عن الحركة، بعدها لفظ أنفاسه الاخيرة، قابضا بأصابع كلتا يديه مشيرا بالسبابة، على الهيئة المعروفة عند ذكر الحي الذي لا يموت سبحانه. عندها اتصل الخادم بأخي الاستاذ علي الشمراني، والذي أحضر الطبيب، فأخبرهم بوفاة الشيخ رحمه الله. وقد صلي عليه فجر يوم الاحد، ودفن بمقبرة المعلاة بمكة المكرمة. وهكذا سقطت السارية العتيقة، والتي كبرت وارتفعت حتى أدركت أكثر من عصر. نعم.. سقطت سارية عاشت في غير وقتها. و «إن العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول الا ما يرضي ربنا، وإنا بك يا أبا تراب لمحزونون» ، ولا حول ولا قوة إلا بالله، الحي الذي لا يموت. ملامح من سيرته كان رحمه الله محباً للمجالسات، والمذاكرات العلمية، وهذا أهم ما يميزه. كثير القراءة، ومتابع لأخبار الكتب، وكان كثيرا ما يتصل بي في «الرياض» ليسألني عن الجديد، فاشتريه له. اذا غضب، فانه سرعان ما ينسى ويتسامح. يحب سماع الفوائد العلمية، ولو ممن هم اصغر منه سنا، وأقل منه علما. محب لطلاب العلم. كريم جدا، ولا يرد لأحد طلبا. محب للمزاح، والضحك، وقد سمعت منه قصصا طريفة، وغريبة، من اخبار المحدثين، او من نوادر الفقهاء، او من بلاهات المخرفين، وعندي من ذلك طرائف وغرائب. كان يحب البسطون العكاز ويعدد في أشكاله، وألوانه، وجمع منه عددا. كان له ثلاثة من الرفقة في آخر حياته، لا يملهم، ولا يملونه، وهم: أخي الاستاذ علي بن محمد الشمراني، موظف رسمي، والسيد: أحمد بن عمر البيتي، رجل أعمال، والكابتن الطيار: عمر بن محمد البيتي، في الخطوط السعودية، وكان الاول، يساعده بانجاز أعماله ومراجعاته، اما الثاني فكان يرافقه في سفراته العلاجية، مرافقا ومترجما. ومن رفقائه القدماء والدنا الأستاذ: عبد الله بن عمر خياط، الكاتب المشهور، وصاحب «مطابع سحر» وكان كثير الثناء على معالي الاستاذ: مصطفى ادريس الذي وقف معه في بعض ازماته الدنيوية. الجدير بالذكر أنّ «أبا تراب» ابن المحدث السلفي، الكبير: عبد الحق الهاشمي، المكي «١٣٠٢ ١٣٩٤هـ» ، صاحب المصنفات العديدة في: التفسير، والحديث، والفقه، ورأيت جلها بخطه، في مكتبة ابنه، منها: ثبت بمروياته كبير، وصغير، واقامة الدليل على أنّ اختلاف الأئمة في التحريم والتحليل لا يوجب التضليل، والتعليق الربيح على أبواب الجامع الصحيح، وتفسير القرآن والسنة، والحجر البقي لكسر الجوهر النقي، وخروج المكي الى الحرم، ورجال الموطأ والصحيحين، وشرح صحيح البخاري، وفتح العلي الخبير في شرح المسند الحنبلي الكبير، وفهارس مسند الامام احمد، وقمر الاقمار بما في البخاري من الأحاديث والآثار، ولب الألباب في تحرير التراجم والأبواب «على أبواب صحيح البخاري» ، والمسند على الصحيحين، ومصنف الصحيحين، ووضع اليد بعد الركوع. #أروقة_الكتب #كتب #اقرأ #كتاب
1 note · View note
corridors-of-books · 8 years
Text
عائشة عبد الرحمن " بنت الشاطئ
عائشة عبد الرحمن"بنت الشاطئ".. من الأدب للقرآن مصطفى عاشور * ولدت عائشة عبد الرحمن الشهيرة ببنت الشاطئ في مدينة دمياط في (٦ من ذي الحجة ١٣٣١هـ= ٦ من نوفمبر ١٩١٣م) في بيت عرف بالعلم والصلاح والتصوف؛ حيث كان أبوها أزهريا متصوفا، وجدّها لأمها من أعيان دمياط. * بدأت دروسها في سن الخامسة، واستطاعت حفظ القرآن الكريم كاملا في سن مبكرة، وكان والدها يرفض أن تتلقى ابنته الصغيرة تعليما غير ديني، غير أن إصرار عائشة ووساطة جدها جعل الأب يوافق -على كره- أن تلتحق ابنته بالمدرسة، واشترط أن تتابع دروسها الدينية في المنزل، وأن تنقطع نهائيا عن المدارس عندما تشارف البلوغ. * استطاعت عائشة أن تنهي دراستها الابتدائية بتفوق، وكافحت كفاحا مجيدا حتى تكمل تعليمها رغم اعتراض والدها، والتحقت بمدرسة المعلمات بطنطا وحصلت على شهادتها سنة (١٣٤٨هـ=١٩٢٩م) ثم انتقلت إلى القاهرة وعملت في وظيفة كاتبة بكلية البنات بالجيزة، واستطاعت في تلك الفترة أن تراسل عددا من الصحف ونشرت مقالات في مجلة النهضة النسائية التي كانت ترأسها لبيبة أحمد، ونشرت مقالات في الأهرام تحت اسم مستعار هو "بنت الشاطئ"، وحصلت على شهادة البكالوريا التي تؤهلها لدخول الجامعة بعد سنوات من الجهاد والمثابرة. * التحقت بالجامعة المصرية وتخرجت في كلية الآداب قسم اللغة العربية سنة (١٣٥٨هـ= ١٩٣٩م) ، وتزوجت أثناء دراستها الجامعية من أستاذها أمين الخولي أحد العلماء الأجلاء وصاحب المنهج البياني في تفسير القرآن الكريم. * حصلت "بنت الشاطئ" على شهادة الماجستير سنة (١٣٦٠هـ= ١٩٤١م) عن موضوع "الحياة الإنسانية عند أبي العلاء المعري"، وفي عام (١٣٧٠هـ= ١٩٥٠م) حصلت على شهادة الدكتوراة في تحقيق "رسالة الغفران" لأبي العلاء المعري. وقد نصحها زوجها بدراسة الأدب واللغة التي نزل بها القرآن الكريم، فإذا تحقق لها ذلك اتجهت إلى مجال الدراسات الإسلامية، فاستجابت للنصيحة وأمضت ٢٠ عاما في دراسة الأدب قبل أن تخوض مجال الدراسات الإسلامية. * تدرجت في المناصب الجامعية حتى أصبحت أستاذة التفسير والدراسات العليا بجامعة القرويين بالمغرب، والتي درّست بها حوالي ٢٠ عاما، كما حاضرت في عدد من الجامعات بالعالم العربي. * لعائشة عبد الرحمن إنتاج علمي وأدبي كبير اقترب من أربعين كتابا شملت الدراسات الفقهية والحديثية والقرآنية والأدبية، منها "القرآن وقضايا الإنسان" و"لغتنا والحياة"، و"الإسرائيليات والغزو الفكري"، و"لقاء مع التاريخ"، و"تراجم سيدات بيت النبوة"، و"الخنساء الشاعرة العربية الأولى"، ولها ترجمة ذاتية بعنوان "على الجسر". * حصلت على عدة جوائز تقديرية منها جائزة الدولة التقديرية عام (١٣٩٩هـ ١٩٧٨م) ، وجائزة الأدب من الكويت عام (١٤٠٩هـ= ١٩٨٨م) ، وجائزة الملك فيصل عام (١٤١٥هـ= ١٩٩٤م) . * توفيت في (١٣ من شعبان ١٤١٩هـ =١ من ديسمبر ١٩٩٨م) وكانت مثالا للصبر والزهد على مستوى الإنسان.
0 notes
corridors-of-books · 8 years
Text
التغريب الثقافي في الإعلان التجاري
#كتاب التغريب الثقافي في الإعلان التجاري خاتمة الدراسة التحليلية وتوصياتها: أولاً: الخاتمة: يضع الباحث رؤاه العامة المسختلصة من دراسة التغريب الثقافي في الإعلان التجاري، وفي سياق بعدين مهمين: الأول: يتعلق بالتعبيرات الثقافية والاجتماعية في المحتوى الإعلاني، والثاني: يخص المخاطر التغريبية المستوحاة من تلك التعبيرات، ومدلولاتها المباشرة أو الضمنية. أ) التعبيرات الثقافية: كشفت نتائج الدراسة عن كثافة التعبير الثقافي والاجتماعي في إعلانات العينة، وتكتمل الصورة بمراعاة نوع الوسيلة ومجالها، فقد ظهرت إعلانات القنوات التلفازية بصورة تعبيرية, تميزت عن إعلانات الإصدارات المطبوعة، وبالمثل فإن إعلانات الوسائل الفضائية والدولية جاءت بتنوع تعبيري أوضح من إعلانات الوسائل المحلية على ضوء المحددات التنظيمية الحاكمة لها. وبالتركيز على أهم التعبيرات الثقافية والاجتماعية في المحتوى الإعلاني فإن الحديث سيقتصر على أربع منها، هي: الرموز الثقافية، والنماذج الشخصية، والعادات والسلوكيات، وقيم أساليب الحياة. ويدرك الباحث أن الفصل بين هذه التعبيرات هو من قبيل الفصل الإجرائي، وإلا فإن التداخل بين مكوناتها أمر في غاية الوضوح، ويحقق تكامل التعبير الإعلاني المستهدف. كما أن غاية الباحث في هذه الخاتمة: النص على ما يشير إلى تعبير غربي بالدرجة الأولى، فالدراسة معنية بالتغريب الثقافي في الإعلان التجاري، وما إيراد الانتماءات المحلية المتعددة في الفئات التحليلية إلا بغرض المقارنة بينما هو محلي وأجنبي في المكون الثقافي الواحد. ولهذا الاستدراك دلالة خاصة في تفسير كثير من نتائج الدراسة، فالإشارة إلى ��جود تعبير محلي لا يغير من دلالة التوجه التغريبي، فرؤية الباحث أن معالم التغريب الثقافي في المحتوى الإعلاني لا تقاس بأغلبيتها الساحقة فقط، وإنما يمكن تَلَمس حضورها, كذلك في القياسات النسبية الأقل في حدود الواضح منها. وعلى ضوء هذا التصور التقويمي لمعالم التغريب الثقافي في إعلانات الوسائل الثلاث, فإن النزعة التغريبية فيها ليست بمستوى نسبي واحد، وذلك على ضوء درجة وضوح أداء التعبيرات الإعلانية في نوع الوسيلة ومجالها المحلي أو الدولي، وبهذا يخلص الباحث إلى القول إن المعامل التغريبية عبر عنها بصورة أوضح في إعلانات التلفاز، وفي الإعلانات الفضائية على وجه الخصوص، كما أن الإعلانات المطبوعة التي شهدت تحجيماً للعديد من المعالم المرصودة في الإعلانات التلفازية اختلفت نزعتها التغريبية أيضاً فيما بينها حسب نشرها في إصدارات محلية أو دولية. ١ - الرموز الثقافية: تجسدت المعالم الغربية في رموز إعلامية عدة يستطيع الباحث أن يحصر أهمها في خمسة عناصر أولها: السلع الأجنبية: حيث وَضُح مدى ارتباط إعلانات العينة بالسلع الأجنبية، وشمل ذلك الوسائل المحلية أيضاً التي لم يتضح لديها المصدر الإنتاجي المحلي إلا بين إعلانات الإصدار الأسبوعي، وتنبع الدلالة الرمزية للسلعة الأجنبية من اكتسائها بعداً إيحائياً خاصاً عندما يبدو في إعلاناتها ما يشير إلى ارتباطها الغربي المباشر، سواء من حيث السبق الصناعي أو الإنتاجي أو الطباع الحياتي أو الاستهلاكي، وإذا كان استقاء الارتباط الأول بادياً من دلالة جهة مصدر الإنتاج، فإن إيحاءات الارتباط الآخر تتجاوز تلك المباشرة بالتصاق السلعة بطابع الحياة الغربية وتعبيرها عن قِيَمِهَا الخاصة، وأقرب مثال عليها سلع المشروبات الغازية بإعلاناتها الدولية التي لم تتأثر دلالاتها الثقافية الغربية بانتقال مواقع إنتاجها إلى داخل المحيط المحلي. وثاني العناصر الرمزية الغربية: اللغة الأجنبية، فمع أن اللغة العربية هي اللغة الإعلانية الأولى في إعلانات الوسائل الثلاث إلا أن اللغة الأجنبية جاءت بحضور لا يُبْخس، ويخص البحث هنا ظهور الرمز اللغوي الغربي في إعلانات الوسائل الدولية والفضائية التي عبرت عن اللغة الأجنبية بإعلانات خاصة أو مختلطة مع اللغة العربية، ورغم تفاوت هذا التعبير اللغوي بين الوسيلة المرئية والأخرى المقروءة فإن ما يهم الباحث هنا التأكيد على نقل بعض الإعلانات التجارية وخاصة الدولية -أحد أهم الرموز الصوتية- للثقافة الغربية، ولا يرى الباحث في الحضور المحدود لإعلانات الخاصة – دون مشاركة – تقليلاً من مدلول اتجاه إعلانات من العينة لعرض محتواها كاملاً بلغة إعلانية غربية، إضافة للكلمات الوارد منها في الإعلانات المختلطة لغوياً. وثالث رموز الثقافة العربية: أنواع الزي، فقد وصف الباحث استخدام اللبس الرجالي الغربي بالمستوى المرتفع بظهوره في أكثر من نصف إعلانات الشخصيات الرجالية في القنوات التلفازية, وقربه من هذا المعدل في إعلانات الوسيلتين المطبوعتين, ووجوده في المواقع المختلفة منافساً للزي المحلي، كما أن الوسائل الدولية أكدت ارتباطها بأنواع زي هي من خصائص المرأة الغربية ذات الطابع الإغرائي والمثير، وأتمت ملابس الأطفال حقيقة اتجاه أزياء الشخصيات الإعلانية إلى النمط الغربي من خلال تفوق حضور هذا الزي على النوع المحلي في إعلانات القنوات والصحف اليومية. ولم يجد الباحث صعوبة في إثبات النزعة الغربية للعنصر الرمزي الرابع المعني به الموسيقى المصاحبة للإعلانات التلفازية، سواء ما كان غربياً بالأصالة والمقصود بها الموسيقى الأجنبية، أو تابعاً لها وهي الموسيقى العربية المعاصرة، وقد شكل هذا الرمز الصوتي طابعاً لغالب إعلانات القنوات الثلاث بما فيها المحلية، ونظر الباحث إلى حصيلة التوجه الموسيقي السريع بنوعيه الغربي والعربي ... كدلالة على تفعيل بعض الإعلانات لمكوناتها الثقافية والفنية المختلفة، ومن بينها الموسيقى, لدعم بعض مظاهر الحياة الغربية وأجوائها المعروضة بإيقاعات راقصة أو سريعة جاذبةً السعادة والمرح والمتعة المقترنة بها. ووصولاً إلى الرمز الثقافي الخامس: فقد مثلت البيئات الإعلانية أهم الرموز الجغرافية الغربية في الإعلانات التجارية، فتفوق الانتماء البيئي الأجنبي في الإعلانات التلفازية، وظهر بنسب جيدة في الإعلانات الصحفية، وتأخرت البيئة المحلية إلى الترتيب الثالث بعد البيئتين الأجنبية والعربية، وقد عبرت السمات البيئية الغربية عن أحد أشكال عرض الواقع الغربي في الوسائل الإعلانية بما يشمله من شخصيات، وملابس، وموسيقى، وسلع غربية تعرض في رسائل دولية أصلية أو معدلة، ويعتقد الباحث أن البيئات الإعلانية المذكورة قد جسدت بالفعل أحد أهم العناصر المهمة لعكس المعالم التغريبية، سواء الرمزي منها أو الحضاري أو الإنساني، أو ما يقدم في سياقها من قيم، وعادات، وتقاليد محسوبة على المجتمعات الغربية. ويختم الباحث رؤيته حول استخدام الرموز الإعلانية بالتأكيد على وضوح الترميز الثقافي في محتوى إعلانات العينة، من خلال العناصر الخمس السابقة وغيرها التي شكلت – مع تفاوت حضورها – ارتباطاً ملحوظاً ببعض معطيات الثقافة الغربية، وخصائصها المادية أو المعنوية. ٢ - النماذج الشخصية: برهنت دراسة الشخصيات الإعلانية عن العلاقة الوثيقة بين المعالم التغريبية في المحتوى الإعلاني، والاستعانة بالشخصيات الغربية الظاهرة في الترتيب الثاني تلفازياً بعد الشخصيات العربية، والأولى في عينة الصحف والمجلات. ويرى الباحث أن الارتباط الإعلاني بالشخصية غير المحلية يؤكد على قصدية التعبير الثقافي المعتمد على وهج حضورها في الرسالة, من خلال بسط جاذبيات أذواقها، ومظاهرها، وعلاقاتها، وقد انعكس الاعتماد على الشخصية الغربية في عدة نقاط تخص ظهور المرأة تحديداً، ومنها: تعزيز استخدام المرأة مفردة أو مختلطة حيث تفوقت حالات ظهورها منفردة في إعلانات التلفاز على الرجل، كما أن إعلاناتها المختلطة جاءت في الترتيب الثالث، وعلاقتها ببعض الأدوار والسمات الإغرائية المرتبطة بظهورها في الوسائل الدولية بالذات، كمواقف العلاقة المباشرة بين الجنسين، أو المشتملة على مشاعر عاطفية بينهما، أو ما قد تبديه المرأة من حركات التمايل والتراقص والظهور غير اللائق، إضافة إلى ارتباط ظهور الشخصية النائية الغربية بكيفيات التكشف المتجاوزة حدد الوجه إلى أجزاء أخرى من الجسم. وفي هذا المقام لا يفرق الباحث كثيراً بين استخدام الشخصيات الغربية والعربية؛ حيث إن نقاط التلاقي بينهما متعددة الجوانب بما لايجعل هناك فارقاً (ثقافيا) دالاً بين بعض خصائص الانتماءين وسولكياتهما في استخدامات الرسائل الإعلانية، وأوضح مثال على ذلك اقتفاء الشخصيات العربية الأخرى الغربية في الرتداء ملابس الأخيرة للرجال والأطفال وبعض الملابس النوعية للمرأة، واتفاقها معها ببعض كيفيات الظهور النسائي السافر. والخلاصة التي يخرج الباحث بها من استخدام الشخصيات الغربية أو العربية في إعلانات العينة، هي ضعف الاعتماد على الشخصية المحلية؛ وبالتالي محدودية السمات والملامح المرتبطة بها، والتي تجعل لوجودها انعاكساً مظهرياً وذوقياً في المحتوى الإعلاني، وهو ما يلي يلحظه الباحث في الإعلانات التلفازية على وجه التحديد. ٣ - العادات والسلوكيات: وجد الباحث في أداء الشخصيات ما ينم عن سلوكيات مخالفة تشيعها بعض الإعلانات التلفازية، والدولية منها بخاصة، كالأدوار المختلطة بين الجنسين، والأخرى المتضمنة للمواقف العاطفية بينهما، والتي لم تكتف باجتماع الطرفين في مشاهدة مشتركة، وإنما تعبيرها عن مدلول العلاقة القائمة بينهما في إطار غير رسمي واضح، وهي نوعية من الأدوار تلغي الفوارق بين الجنسين، إضافة إلى ما رصده الباحث من احتواء عينة من الإعلانات الفضائية على بعض الإيماءات والحركات التي تسيء إلى مكانة المرأة وقيمتها المكفولة لها في المجتمع المسلم اعتماداً على تأثير مفاتن جسدها وعرض مواصفاته، وانصراف التركيز الإعلاني عن بعض المواقف الممكنة لظهور المرأة في أشكال متزنة أو محتشمة لا تستغل جاذبياتها الجمالية من قريب أو بعيد، كما أن دراسة كيفيات ظهور المرأة كشفت عن أن الإعلانات الفضائية تنمط كيفيات ظهور متكشفة، ويعتقد الباحث أن مثل هذه الكيفيات تدعم بعض السلوكيات المخالفة للتعليمات الشرعية والقيم الأخلاقية المحلية، وخاصة عندما يكون عرضها في إطار بعض المشاهد الإعلانية المختلطة بين الجنسين، كما يرى الباحث أن المواقف المرتبطة بظهور المرأة تشكل مدخلاً تغريبياً مؤثراً حين تتخلى فيها عن قيم احتشامها المعهود لها في المجتمع المحافظ، ويتم عرضها بكيفيات سافرة وأدوار مخلة, أبانتها الإعلانات الفضائية، ونجحت القناة السعودية في تجنبها بفضل ما توفر لها من ضوابط موضوعة التزمت بها إعلاناتها إلى حد بعيد. ويلحق الباحث بالعادات السلبية التي يحث عليها المضمون الإعلاني ما دخل منها ضمن الجاذبيات الإعلانية التي تشكل تصوراً من جانبها للحياة، كما تلح عليها الأوتار الإعلانية، فبالإضافة إلى جانبي الاختلاط، وتعزيز قيمة الجسد، والإغراء بمقوماته, لوحظ تضمن بعض الإعلانات لاهتمامات دخيلة على المجتمع وقيمه وعاداته، ومثلها السلوكيات المرتبطة بالمبالغة في التعبير عن المشاعر في حالة الفرح، أو الفوز، أو تحقيق الهدف بما يتجاوز الحد الانفعالي الطبيعي. وأخيراً الإصرار المقصود على جعل الاهتمامات الترفيهية أحد النشاطات الإنسانية الرفيعة على ضوء كثافة توظيفها في إعلانات الوسائل الثلاث والتلفازية منها بالذات إلى درجة أنها قاربت أن تظهر في نصف إعلاناتها المنطبقة. ٤ - قيم أساليب الحياة: يصف الباحث اهتمامات الجاذبيات الإعلانية بالسعي إلى تعزيز قيم غير ذات أولية على حساب قيم أصيلة كان يمكن أن تكون هي أوتار الإعلانات التجارية, ومحل عناية استمالاتها، ودليل الباحث على إمكانية تحقق ذلك أن الإعلانات الصحفية استعانت بجاذبية إعلانية ذات بعد إيجابي تعكس الالتزام الأخلاقي في الرسالة الصحفية، في حين أن الإعلانات التلفازية انصرفت إلى القيم العاطفية، والفردية والاجتماعية والمادية التي لم يلحظ الباحث فيها ما يشير إلى توجه تشكيل حياة, تأخذ في اعتبارها مصلحة الجماعة وصلاح المجتمع، فمن بين الاهتمامات العاطفية برزت قيمة الإغراء الجنسي، ومالت الاهتمامات الاجتماعية إلى إبراز سلوكيات الاختلاط والألعاب الرياضية (الوافدة)، والحث على اعتبارات المكانة، كما نزعت الاهتمامات الفردية إلى تضخيم مشاعر الإحساس بالراحة والمتعة واللذة، وتعميق التولع بجماليات الجسد، والتعبير المبالغ عن المشاعر ... ، وكلها قِيَمٌ تخاطب الفرد في إشباع ذاتيته، كما أن الاهتمامات المادية للسلع لم تبرز قيماً ملحوظة ذات ناتج سلوكي ترشيدي، وإنما توجهت إلى ما يحث على الشراء، وتوفير سبله كالبيع بالأقساط أو التخفيضات، إضافة إلى اهتمامها بقيم الأناقة الشكلية. كما يضيف الباحث إلى القيم السابقة ما يمكن استنتاجه من بعض الفئات التحليلية ذات المنحى السلوكي, من قيم تصب في تأكيد النزعات الفردية والمادية والجنسية، ومثال ذلك بعض كيفيات الظهور النسائي، وبعض الأدوار والسمات الإغرائية، واستخدام عارضات بقصد الجذب والإثارة، وكلها تؤكد للباحث أن قيم الإعلانات المدروسة لم تختلف عما رصد مثلها في بعض الدراسات الإعلانية حين أكدت نتائجها على كثافة استخدام المرأة، واستغلال المثيرات، وتأكيد قيم الذات، وتضخيم أهم��ة المظهر الشكلي للشخصيات، وهو ما يعني لدى الباحث تطلعاً لحياة غربية بمواصفاتها المتمحورة حول النزعة الاستهلاكية بما فيها من اهتمامات مادية أو فردية أو تسليع لجسد المرأة واستغلال جاذبيات ظهوره. وأخيراً فإن الباحث لا يجد غضاضة في الإشارة إلى تكامل بعض التعبيرات الثقافية في الارتباط بما يتصل بالحياة الغربية من مظاهر رمزية، أو نماذج شخصية، أو قيم معاشية ... ، وبالتالي تحول الرسالة الإعلانية إلى قناة ناقلة لكثير من التعبيرات الثقافية السائدة في المجتمعات الغربية، وسلوكيات أبنائها، وهو ما ينقل الحديث إلى المخاطر التغريبية المتوقعة, على ضوء كثافة التعبير الثقافي الغربي في معطياته وتشكيلاته الإعلانية المختلفة. (ب) المخاطر التغريبية: على ضوء ما خرج به الباحث من رؤى تتعلق بمستويات التعبير الإعلاني المحددة في الفقرة السابقة يمكن تلخيص أهم المخاطر التغريبية المستنتجة من تفحص إعلانات العينة في ثلاثة محاور رئيسة، وهي: المخاطر الفكرية، والمخاطر الثقافية، والمخاطر الاجتماعية، وتستوعب هذه التقسيمات كثيراً من الآثار التغريبية المحتملة في المحتويات الإعلانية حسب درجة ارتباطها ببعض رموز الثقافة الغربية، وسمات شخصياتها وقيم حياتها المعبرة في مجملها عن المكنون الثقافي والاجتماعي في رسائل العينة، كما يلي: ١ - المخاطر الفكرية: يخشى الباحث أن يقود اتجاه الإعلانات التجارية إلى إبراز النماذج الشخصية الغربية ومن في حكمها من شخصيات عربية مقتفية آثارها، وهيئاتها المختلفة ... إلى التشبه بها، ومحاكاتها في نمط زيها الظاهر وأذواقها الخاصة بما يعبر عن حالة من الانبهار بالغربيين، ومكتسباتهم وإفرازات ثقافتهم، والنظر إلى هذه الشخصيات الإعلانية على أنها النموذج والمثال باعتبارها تمثل واقع الحياة الغربية، وما يسود فيها من اتجاهات شكلية يتلقفها بعض أبناء المسلمين بشيء من الترحاب والقبول. ولهذا الناتج الإعلاني انعكاس سلوكي على المتلقي الآخر بحيث يمكن أن تتحول الرسالة الإعلانية إلى أداة تعليم وتوجيه وترغيب يتم من خلالها ترتيب أولوليات مظهرية، وذوقية تتبع من عمق الواقع الغربي، ومتطلبات ثقافته، وخصوصيات أفراده. ويتأتى الخطر الفكري هنا تحديداً من تقليد المسلم لخصوصيات غيره من المظهر والسلوك، كما يتبادر في إعلانات اليوم بحالة الزي الغربي للشخصيات الإعلانية على سبيل المثال، وللتشبه بغير المسلمين أصول في العقيدة الإسلامية تنطلق من قاعدة (تأثر المقلد بالمقلد)، خلاصتها: أن المشاركة في الهدى الظاهر – الشامل للزي – تورث تناسباً (ودياً) بين المتشابهين ... ، سواء ظل في نطاق اللاشعور، أو تطور إلى تشاكل ظاهري كما تعكسه سلوكيات التقليد والمحاكاة. والأثر الذي قد تحدثه المظاهر الغربية المعروضة في الرسائل الإعلانية قد يكون مرده الإعجاب بنماذجها البشرية، وأساليب حياتها، وقيمها الذوقية، ويتيح تضمن الإعلانات التجارية لبعض المظاهر التغريبية فرصاً مواتية للتأثير على خواص شخصية المسلم المميزة وتفرده في المظهر والجوهر. وبالتالي فإن إبراز الشخصيات الغربية في رسائل إعلانية تصدر من داخل المحيط المسلم أو تصل إليه، وتمرير خصوصياتها في ثناياها ... يمكن أن يجعل من هذه النماذج قوة تحتذى ومثالاً متاحاً للتقليد، وهذا يعني وشوك الوقوع في مخالفة أصل ديني أشار إليه شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – بشيء من التفصيل، ويراه الباحث ماثلاً في عينة من إعلانات اليوم؛ في تطلعها للارتباط بكل ما هو غربي، وتكريس الإيحاء بتفوق رموزه وتميز شخصياته. ٢ - المخاطر الثقافية: وجامعها دَوُر الرسائل الإعلانية في تحقيق التجانس الثقافي بين مجتمعات اليوم على النمط السائد في المجتمع الغربي، ويمكن استخلاص مثل هذا الاستنتاج بمؤشرات شيوع ملامح النماذج الغربية المؤدية، وتقليد غيرها لها في هيئاتها، والتركيز على السلع الأجنبية، وعرضها في رسائل متشابهة السمات، وتقارب قيم أساليب الحياة في جاذبيات الرسائل الإعلانية ... ، وتتسع محددات التجانس لتشمل استخدامات أنماط الموسيقى الأجنبية المصاحبة ولقطات الإطار البيئي الغربي الظاهر ... ، وكلها مظاهر ثقافية يسهم الإعلان التجاري من خلالها في ترسيخ عالمية الثقافة الغربية.، وقد أكدت نتائج الدراسة على مؤشرات سابقة في هذا الجانب بينت أن بين الرسائل الإعلانية المحلية والدولية اتفاق على تضمن بعض المكونات الثقافية؛ مما يعني وجود تجانس ثقافي نوعي في عرض المحتوى الإعلاني في الرسالتين. وتزداد خطورة التجانس الثقافية في الرسائل الإعلانية عندما تحاكي الرسائل المصممة في مراكز الإنتاج العربي تلك الاتجاهات التصميمية، والعناصر الأساسية الموسومة بها الرسائل الدولية، وهنا تتحول الرسائل العربية والمحليةِ السمات إلى رديف للرسائل الدولية باستقطاب بعض من ملامحها الثقافية، وقيمها الحياتية المعبرة عن واقع المجتمعات الغربية، ونظرتها إلى الحياة، وماهية متطلباتها ودوافع اشباعاتها. كما أن من شأن هذا التجانس أن يقلل من فرص التنوع الثقافي العالمي، بما شكل حداً أدنى من الخصوصية الثقافية للمجتمعات المسلمة لتقف سداً منيعاً ضد تيارات عولمة الثقافة الغربية، وما يعبر عنها من رمز أو قيمة بين أبناء المجتمع المسلم. ٣ - المخاطر الاجتماعية: ويلخصها الباحث بما يقع ضمن دائرة الأخلاقيات والسلوكيات المخالفة للقيم الإسلامية، والتقاليد الاجتماعية المحلية يجملها الباحث في تبعات استخدام المرأة في الرسالة الإعلانية، فقد انتهى الباحث إلى وجود قدر من المُوحِيَات الإباحية في الرسائل الإعلانية الفضائية في ظل غياب الضوابط الإعلانية الحازمة التي تحد من انحراف الرسالة عن الظهور النسائي المقبول، كما وضح ذلك في بعض الكيفيات السافرة، والتعريض بجماليات المرأة ومفاتن قوامها. ويخشى الباحث من أن تسهم مثل هذه المُوحِيَات غير الأخلاقية بسلوكياتها المتفسخة، ومثيراتها الإغرائية في تعميق ما يسمى بتحرير المرأة المسلمة، وذلك بحفزها على التحلل من كثير من قيم الاحتشام والالتزام، ومظاهر العفة والوقار بتأثير عامل التكرار الإعلاني المنسجم مع بعض اتجاهات المادة الإعلامية المرئية خصوصاً، وتعويد المجتمع المتلقي على التعامل معها وعدم استنكارها؛ مما يجعل لمثل تلك التوجهات الاستخدامية خطورة حقيقية على قناعات المرأة المسلمة، والتزامها الأخلاقي على المدى البعيد. وقد لاحظ الباحث أن هناك تكثيفاً إعلانياً في استخدام شخصية المرأة، وتجاوزاً للاستخدام المتكشف في الإعلانات الدولية والفضائية، فإن مجرد الاعتماد على المرأة في حد ذاته يعد خروجاً على المألوف الاجتماعي المحلي، ومخالفة للإطار الأخلاقي الذي يحكم التعامل معها أو يحدد كيفيات ظهورها، ويرتبط بهذا الجانب أن المواصفات الجمالية للمرأة الظاهرة في الرسائل الإعلانية يمكن أن تسهم في تشكيل مقاييس الذوق الجمالي النسائي، وتتدخل في رسم ملامح المظهر الأنيق من خلال أداء العارضات، وما ينجم عن أذواقهن المعروضة من (موضات) تتسرب بين نساء المجتمع المتلقي. ولذا نظر الباحث إلى المخالفات السلوكية والانحرافات الأخلاقية المستخلصة من السياق الإعلاني المرئي تحديداً بتقدير دورها في تغريب الحياة الاجتماعية، وتأثيرها على القيم البناءة والأخلاقيات الحميدة والسلوكيات المتزنة بين أفراد المجتمع المسلم كباراً وصغاراً، ذكوراً وأناثاً. ويبقى أن يشير الباحث إلى وضوح النزعة الاستهلاكية في الرسائل بتعميق مشاعر اللذة والمتعة، وتكثيف المشاهد الإغرائية، وتقديم القيم الفردية، وإعلاء العزة الذاتية ... بما يتسق مع الاتجاه الاستهلاكي للفرد الغربي في بيئته الخاصة، وتعامله مع أفراد مجتمعه المحيط، في حين أن مثل هذه الاتجاهات تتعارض مع كثير من سلوكيات المسلم المعتادة، وضوابط المتع المحللة، ومراعاة مصلحة العموم. ثانياً: التوصيات: يوزع الباحث توصيات الدراسة على ثلاثة اهتمامات هي: التوصيات المهنية، والتوصيات التنظيمية، والتوصيات العلمية، وذلك على النحو التالي: أ) التوصيات المهنية: - بينت النتائج ارتفاع مستوى بث أو نشر الرسائل الدولية بنوعيها في وسائل العينة، وعلاقة مكوناتها وعناصرها بمظاهر التغريب بما يناسب مجتمعاتها الأصلية, التي صدرت عنها، ويرى الباحث ضرورة اهتمام الوسائل الإعلامية, والوكالات الإعلانية العربية, بإعداد الرسائل المحلية السمات، وتقليل الاعتماد على الرسائل الدولية لتلافي الكثير من الملحوظات التغريبية المرصودة في مضامينها الإعلانية. - توصلت الدراسة إلى ضآلة التمثيل البيئي المحلي مقابل ارتباط أوفر لإعلانات العينة بالبيئات الأجنبية، ولأن تلك البيئات أوعية حقيقية لتضمن رموز التغريب في الرسائل الإعلانية, يحث الباحث المصمم والمسؤول الإعلاني العربي على تقليص مستوى الجرعة البيئية الغربية في الرسائل الإعلانية، وإفساح مجال أوسع لعرض البيئات العربية والمحلية وما يعبر عنها أو يرمز إليها من معالم. - أكدت الدراسة وضوح استخدام الشخصيات الغربية في الرسائل الإعلانية على حساب ظهور الشخصيات المحلية، ولأهمية الشخصيات في عكس الشفرات الإعلانية، ونقل بعض المظاهر الثقافية، وتجسي بعض القيم الاجتماعية ...يوصي الباحث بأهمية تقديم الشخصيات المحلية المنضبطة في أدائها وسلوكياتها وتحركاتها، وعدم إخلاء الساحة الإعلانية للشخصيات الغربية أو من سار على نهجها من شخصيات عربية. - يعتقد الباحث أن مستوى تمثيل المرأة في الإعلانات التجارية عالمياً، مع تركزه على المرأة جميلة السمات، والظاهرة أحياناً بكيفيات مسيئة لمكانتها الاجتماعية وقيمتها الإنسانية، ويطالب الباحث – من حيث المبدأ – بتقليل مستوى الظهور النسائي، وتقنين حدود كيفياته بما لا تشكل فيه مداخل إثارة أو وسائل إغراء، والاتجاه إلى التعامل مع وجودها – عند الضرورة – كشخصية إعلانية غير رئيسة، وضمان احتشامها، وتصويرها من بعد. - ينبه الباحث إلى ضرورة الحيطة والحذر من بوادر النزعة الجنسية في بعض إعلانات العينة، وخاصة الدولية، ويرى أن على الرقيب الإعلاني مسؤولية مباشرة في منع مواقف الإثارة ونوازع الإغراء، ووضع الحلول اللازمة لتجنيب المجتمعات المسلمة من شيوع قيم الجنس بين أبنائها، وتعريض جسد المرأة للابتذال والتفسخ والاستهواء .. في رسائل مقصودة. - يوصى الباحث بالانتباه إلى تقدير اعتبارات العناصر الفنية في الرسائل الإعلانية من نمط زي، أو موسيقى، أو لغة مستخدمة بحيث لا تشكل رموزها ثقلاً غربياً كما في مدلولي العنصرين الأولين، وتحافظ على قيمة اللغة العربية, ومستواها الفصيح, كما في استخدامات العنصر اللغوي. ب) التوصيات التنظيمية: - يرى الباحث ضرورة أن يكون للوسائل الدولية ضوابط تنظيمية (داخلية) محدودة تحد من كثير من التجاوزات والمخالفات الأخلاقية والسلوكية في رسائلها الإعلانية، كما يأمل الباحث أن يوسع التلفاز السعودي من نطاق قواعده الإعلانية، بحيث تشمل استحضار الاعتبارات الثقافية المحلية في تصميم الرسائل المبثوثة، ويطالب في الوقت نفسه إقرار ضوابط تنظيمية خاصة للإعلان الصحفي، وفصلها عن عموميات تعليمات المادة الصحفية التي يشوبها نوع من الغموض فيما يصح نشره وما يمنع – بدليل صورة المرأة – والالتزام بها في كل الحالات والأوقات. - يقترح الباحث إيجاد مرجعية عامة لمتابعة شؤون القطاع الإعلاني المحلي، ويرى أن الوقت قد حان لتكوين إدارة مركزية إعلانية في وزارة الإعلام السعودية لرعاية النشاط الإعلاني في الوسائل المختلفة، وتفعيل دور لجان الإعلان في الغرف التجارية والصناعية. - يوصي الباحث بتشجيع الصناعة الإعلانية المحلية، وذلك بإقرار مواد تنظيمية تشكل منطلقاً للبدء في توطين هذه الصناعة، وحمايتها من المنافسة الأجنبية، ومن ثم وضع الحوافز التشجيعية اللازمة لحث الهيئات والمؤسسات المهتمة على الإقدام والاستثمار في هذا المجال، والوصول في نهاية الأمر إلى صياغة إعلانية محلية، متميزة في سمات رسائلها واستخداماتها وأهدافها ... تتفق وخصوصية الإعلام السعودي ونهجه العام. ج) التوصيات العلمية: - تدفع مؤشرات الدراسة بوضوح بعض المعالم التغريبية في إعلانات العينة إلى جدوى تلمس انعكاس هذه المعالم على المتلقي، وفحص آثار تعرضه للمحتوى الإعلاني المحلي والدولي، وهذا يتطلب استقصاء درجة وضوح المعالم التغريبية في الرسائل الإعلانية, ومدلولاتها بين المشاهدين والقراء بإجراء دراسة ميدانية. - اعتماد نتائج معالم التغريب الثقافي في الدراسة على إعلانات وسائل محلية، وعربية دولية أو فضائية، ويمكن أن تكون هذه الدراسة منطلقاً لدراسات تحليلية أوسع مجتمعاً، بحيث تشمل –أيضاً- وسائل دولية غربية، ويوفر هذا التعدد النوعي فحص مكونات رسائل الوسائل المختلفة، وقياس الفروق الثقافية والتغريبية بينها على ضوء محددات نوع الوسيلة ومجالها وانتمائها. - أسهمت الدراسة بمجهود محدود في دراسة التنظيمات الإعلانية في الوسائل المحلية، كما أخضعت المضمون المحلي المبحوث لما تهيأ له من ضوابط موضوعة، ويعتقد الباحث أن الجانب التنظيمي للنشاط الإعلاني مجال بحثي يستحق الاهتمام، ويحتاج إلى مجهودات خاصة للتعرف على الطابع الثقافي والاجتماعي والأخلاقي لهذه التنظيمات في مواقع عدة من العالم، ومقارنة اهتماماتها المختلفة، ومدى علاقاتها بالواقع الإعلاني الممارس، وتطبيقاتها الفعلية. - يقر الباحث أن دراسة المعالم التغريبية في الإعلانات التجارية لا ينبغي أن تكتفي من المضمون الإعلاني بالجوانب الموضوعية فقط، وقد لاحظ الباحث أثناء إجراء دراسته أن هناك ارتباطاً بين موضوع الدراسة والأساليب الفنية والعمليات التقنية الداخلة في تصميم الرسائل الإعلانية وإخراجها، ويمكن أن يشكل ذلك مدار اهتمام موضوع بحث مستقل يرصد إسهام المؤثرات الفنية في إبراز معالم التغريب الثقافي وجعلها محل اهتمام المتلقي، ومدى وضوحها في ذهن المصمم والمنتج الإعلاني، وتبدو هذه التوصية أقرب إلى طبيعة الدراسات التلفازية. - بالنظر إلى حجم الرسائل الإعلانية العربية في القنوات التلفازية، وتبادلها المراتب الثلاث الأولى بينها, يرى الباحث أهمية الوقوف على طبيعة أداء الوكالات والمراكز الإنتاجية العربية، ومدى احتكامها إلى الاعتبارات الثقافية المحيطة بها، خاصة بعد أن أثبتت الدراسة أن هناك تشاكلاً بين الرسالتين العربية والدولية في عدد من الاستخدامات والمكونات والعناصر الإعلانية الألصق بمظاهر الثقافة الغربية ورموزها. - أثبتت الدراسة وجود مؤشرات فارقة بين مستوى وضوح المعالم التغربية من وسيلة إلى أخرى، ويعتقد الباحث أن التعمق في دراسة علاقة تلك المعالم بنوع الوسيلة، وتأثير الأخيرة على طبيعة التعبير عن المدلول التغريبي موضوع يستحق الدرس على ضوء اختلاف إمكانات الوسائل، وكيفيات تعاملاتها مع المكونات الثقافية في رسائلها الإعلانية. - دلت المقارنة بين الرسالتين المحلية والدولية على وجود درجة من التوافق في بعض مكوناتهما وأساليب تقديمهما، ويرى الباحث أن هذا المؤشر المبدئي دافع لتخصيص جهد علمي مستقل لدراسة ملامح التشابه بين الرسالتين، ومدى تأثير صناعة الإعلان الدولي على تشكيلات الرسائل المحلية، وسمات محتوياتها.
0 notes
corridors-of-books · 8 years
Text
شخصية اليوم: طاهر الجزائري
الشيخ طاهر الجزائري هو طاهر بن محمد صالح بن أحمد بن موهوب السمعوني، المشهور بالجزائري. هاجر والده من الجزائر إلى دمشق سنة ١٢٦٣هـ (١٨٤٧) ، وكان من بيت علم وشرف، تولى قضاء المالكية، حيث كان فقيهها في دمشق ومفتيها في الشام. ولد طاهر الجزائري في دمشق سنة ١٨٥٢، وتعلم في مدارسها، حيث دخل المدرسة الجقمقية الإعدادية وتتلمذ على الأستاذ عبد الرحمن البستاني، فأخذ عنه العربية والفارسية والتركية ومبادئ العلوم، كما قرا على أبيه أيضاً، ثم اتصل بعالم عصره الشيخ عبد الغني الغنيمي الميداني، ولازمه إلى أن وافاه الأجل، وكان شيخه الميداني فقيهاً عارفاً بزمانه واسع النظر، معروفاً بوقوفه على لباب الشريعة وأسرارها، وببعده عن البدع واتباع الأوهام والبعد عن حب الظهور والتفصح في المجالس، على قدم السلف الصالح بتقواه وزهده، وعلى نهجه سار تلميذه الجزائري فشب محباً للعلم على اختلاف فروعه خاصة علم الطبيعة، يفتش عن مصادره المطبوعة والمخطوطة ويقتنيها، ويتلقف بشوق ما يسمعه من أحاديث العلماء الذين تلقوا العلم في المدارس العالية أو الأجنبية، فإذا به يدخر حصيلة كبيرة قيمة من العلوم الطبيعية والفلكية والرياضية والتاريخية والأثرية إلى جانب ما وعاه من علوم العربية والفقه. أتقن الجزائري اللغة العربية وأتقن الفارسية والتركية، ونظم بالفارسية كما نظم بالعربية، وتعلم الفرنسية ��تكلم بها، وكذلك تعلم السريانية والعبرانية والحبشية، وكان يعرف القبائلية البربرية لغة موطنه، وتعلم كثيراً من الخطوط القديمة كالكوفي والمشجر والعبراني غيرها ليتسنى له دراسة الآثار. غرُم الجزائري بالكتب المطبوعة والمخطوطة، وعرف الجيد من أصنافها، كما عرف طبقات المؤلفين وتراجم الرجال، وأماكن المخطوطات والنسخ المتفرقة منها في الخزائن الشرقية والغربية، وساعده على إتقان ذلك قوة حافظته. تولى طاهر الجزائري التدريس في المدرسة الظاهرية بدمشق، والتقى بالوالي مدحت باشا الذي وجد عنده البغية التي يريدها من أجل إصلاح ولاية سورية ورآه ثقة. فهو يبحث عن أمثاله ليستعين بهم في نشر العلم وإصلاح التعليم، وخطط مع الشيخ طاهر لنهضة علمية واسعة، واتفقا على أن خير نهج يؤدي إلى النهضة يقوم على محو الأمية، وكون هذا بنشر التعليم الابتدائي من قبل هيئات أهلية لا تعتمد على الأساليب الحكومية، تجمع المال من الموسرين وتنفقها في الأغراض المقررة، فتثمر جهودها في أقصر وقت مادامت مؤيدة بعطف الوالي ونفوذه. كان الشيخ الجزائري عضواً في جمعية علمية اجتماعية أسسها بعض العلماء والوجهاء في دمشق، أطلقوا عليها اسم (الجمعية الخيرية) ، وقد اعتُمد على هذه الجمعية في تنفيذ خطة النهضة العلمية، فدأب أعضاؤها على توعية الناس وبث حب العلم والترغيب فيه بين الشباب، كما قامت الجمعية بترميم وتجهيز المدارس الموقوفة على طلب العلم، وكذلك ملحقات بعض الجوامع والتكايا، فتم في بضعة أشهر افتتاح نحو تسع مدارس في مدينة دمشق اثنتين منها للإناث. عُين الشيخ طاهر الجزائري بناء على جهوده مفتشاً للمعارف في ولاية سورية، فبذل جهوداً إضافية جبارة في سبيل إصلاح أساليب التعليم، وكان يتعهد المعلمين بالنصح والإرشاد والتوجيه، ويسمع بشغف آراءهم في ابتكار أنجح الوسائل لتعليم الطلاب والدعوة إلى طلب العلم. وكان يسهر الليالي الطويلة عاكفاً على تأليف الكتب في مختلف العلوم الدينية والعربية والرياضية، مبسطاً أساليبها مختاراً ما تدل التجارب على نجاحه وسهولة تلقينه، وكان يشرف بنفسه على طبع كتبه في مطبعة الجمعية الخيرية. عمل الشيخ طاهر الجزائري على تأسيس دور عامة للكتب في مختلف البلاد، فكان منها دار الكتب الوطنية الظاهرية ـ وهي اليوم ثروة كبرى من ثروات دمشق الوطنية ـ فجمع فيها البقية الباقية من الكتب والمخطوطات الموقوفة في مختلف الجوامع والمدارس، فهددته أكلة أوقاف المدارس بالقتل إن لم يكف عن جمع الكتب في مكان واحد، لأنه استولى بسيف الحكومة على جميع ما أبقته أيدي النهب من الكتب المخطوطة. كذلك أسس الشيخ الجزائري بمساعدة آل الخالدي في القدس مكتبة وطنية باسم (المكتبة الخالدية) ضمت كتب الشيخ راغب الخالدي وكتب أسرته، وجمع فيها مخطوطات وكتب أخرى قيمة. بعد أن سجن الوالي مدحت باشا، أُعفي الشيخ طاهر الجزائري من منصبه الحكومي، وعُرض عليه وظيفة أخرى لا يكون له فيها اتصال بالناس فأبى، ولزم بيته شاغلاً أوقاته بالمطالعة والتأليف، وعاش على بيع الكتب حتى آخر أيامه إلى من يرجو حفظها عندهم وعدم خروجها من الشام، كما واصل تتبع نوادر الكتب والمخطوطات، وكان يدون خلاصة ما يطلع عليه في مذكرات بلغت مجلدين ضخمين. وكان يسافر بين حين وآخر إلى مختلف البلاد العثمانية والبلاد الشرقية والأوروبية، يجتمع بعلمائها ومفكريها باحثاً في كنوز المكتبات عن مخطوطات التراث العربي. كثر تردد طلاب العلم على الشيخ طاهر الجزائري، مما زاد نشاطه الاجتماعي، ونشر الدعوة للعلم، كما تحلقت حوله طبقة من شيوخ دمشق والعلماء النابهين فيها، فكان يتحفهم بالدروس العلمية والفكرية، والسياسية، ومركزه الأساسي الذي يقيم به دروسه كان مدرسة عبد الله باشا في دمشق. قال الأمير الشهابي: (في تلك المدة التي قضاها الشيخ طاهر الجزائري بالشام، كان يتحلق حوله في دمشق صفوة من المتعلمين والنبهاء والمفكرين العرب، فتألفت من جمعهم أكبر حلقة أدبية وثقافية، كانت تدعو إلى تعليم العلوم العصرية، ومدارسة تاريخ العرب وتراثهم العلمي، وآداب اللغة العربية، والتمسك بمحاسن الأخلاق الدينية والأخذ بالصالح من المدنية الغربية) . فقد كان الشيخ الجزائري يدعو المسلمين إلى تعلم دينهم، والاحتفاظ بمقدساتهم وعاداتهم الحسنة والأخلاق القويمة، وأن يفتحوا قلوبهم لعلوم الأوائل والأواخر على اختلاف ضروبها، وكان يأخذ بأصح الأدلة من الكتاب والسنة ويجتهد بعدها، ولطالما أعطى الحق للمعتزلة والإباضية والشيعة في مسائل تفرد بها وضيقها أهل السنة، وكان يتفنن في بث الأفكار الصحيحة في العامة والناشئة. قضى حياته يكافح الأمية، ويحارب التعصب، ويحرص على تعليم أولاد الأغنياء خاصة، لأن عندهم المال والجاه وبالتالي تأثيرهم في مجتمعهم أكبر، وحث على أن يتعلم المتعلمون صناعة أخرى، وكثيراً ما يقول: (تعلموا العلم، وتعلموا معه صناعة تعيشون بها حتى لا تقفوا على أرباب السلطان، تستجدون الوظائف والجرايات، فإذا احتاجت الحكومات إليكم أخذتكم لخدمتها، واعملوا بالنزاهة والاستقامة، وأخلصوا لها وللأمة القصد) . كما كانت له آراء شتى هدفها نهضة الأمة، والأخذ بالعلم والأخلاق، وإحياء التراث، وعدم التزلف للحكام ومهاجمة العلماء الجامدين الذين يغلقون باب الاجتهاد، وكان يحذر من الوقوع في حبائل الاستعمار. كان الشيخ الجزائري يلقن مبادئه ويلقح العقول بأفكاره من حيث لا يشعر المتعلِّم، وكثيراً ما كان يغشى مجالس بعض العلماء الذين يتوسم فيهم صفاء السريرة، فيَظهر بمظهر المستفيد، وغايته إفادتهم خلال الدرس لتنشر أفكاره بطريق السراية من الأساتذة إلى التلاميذ. وكان نهجه في التعليم التيسير على المتعلم، وإعطاءه لباب العلم دون التعمق بما لا يفيد، والأخذ بالتدريج من البسائط إلى المركبات، وكان يحب اختصار المطولات من كتب الفنون ليسهلها على المبتدئين، ولئن كان في مذهبه الديني مجتهداً فقد كان في تأليفه مقلداً يمشي على آثار القدماء، ولا يحب التوسع والتعليق على آراء المؤلفين المجددين. كما كان الشيخ الجزائري يشجع على إنشاء الصحف السياسية والاجتماعية، والمجلات العلمية والأدبية، وكان يدعو إلى تناول الصحف النافعة ويبتهج بها، وله شغف بالاطلاع عليها وتتبعها، خصوصاً التي تكثر من الترجمة عند الغرب واقتطاف ثمرات علومه. قال فيه تلميذه الشيخ سعيد الباني: (جمع بين المعقول والمنقول، ومزج القديم بالحديث، أخذ من كل علم لبابه، ونبذ لفاظته، فكنت تجد منه العالم الديني والمدني والرياضي والطبيعي والسياسي والأديب والمؤرخ والأثري والاجتماعي والأخلاقي والكاتب والشاعر، فكان عنده من كل علم خبر ... فهو دائرة المعارف، ومفتاح العلوم، وكشاف مصطلحات الفنون، وقاموس الأعلام) . في سنة ١٨٩٨ عُين الشيخ الجزائري مفتشاً لدور الكتب العامة في دمشق، فعاود سيرته الأولى مبشراً بمبادئه، فبث أفكاره بين معارفه ومؤيديه لمدة أربع سنوات، ثم لما كان اسم الشيخ لدى رجال الحكم في رأس الداعين إلى التحرر في وقت ازدادت في السياسة اضطراباً، رحل الشيخ الجزائري خفية إلى مصر التي كانت يومئذ تنعم بالاستقرار وبشيء من الحرية والأمن، حاملاً معه ما استطاع من كتب قيمة ومخطوطات نادرة. اتصل الشيخ الجزائري في مصر بالعلماء الذين عرفوا فضله بغية الإفادة من خبرته، كما كانت بين الشيخ والمستشرقين صداقات يراسلهم ويراسلونه على اختلاف قومياتهم، وزاره كثير منهم في رحلاتهم إلى الشرق، يقتبس منهم ما ينفع المسلمين، ويُقبسهم ما يثبت سماحة الإسلام ومدنيته ومجد المسلمين وتمدنهم، وهذا ما جعله في عداد حلقات السلسلة التي تصل الشرق بالغرب، كما شهد له الكثيرون. كما شارك الجزائري في تحرير بعض الصحف المصرية، وكان يعكف في لياليه وأوقات فراغه على التأليف، فكان من أهم آثاره في تلك الفترة كتاب في الحديث (توجيه النظر إلى أصول الأثر) ، جمع فيه زبدة ما جاء في كتب أصول الفقه ومصطلح الحديث من القواعد والفوائد بشكل يدل على سعة إطلاع وفهم عميق لأسرار الشريعة. عاد إلى دمشق سنة ١٩١٩ بعد قيام الدولة العربية، فعينته الحكومة العربية مديراً عاماً لدار الكتب الوطنية الظاهرية، وانتخب عضواً في المجمع العلمي العربي، إلا أن أقامته لم تدم أكثر من أربعة أشهر، فقد اشتد به مرض الربو، فتوفي يوم الاثنين الموافق ٥ كانون الثاني سنة ١٩٢٠، ودفن في سفح قاسيون تنفيذاً لوصيته. ترك الشيخ الجزائري الكثير من المؤلفات التي تدل على علمه الغزير وثقافته الواسعة، وطُبعت أكثرها في حياته وبإشرافه. المراجع: ـ (تاريخ علماء دمشق) د. شكري فيصل، دار الفكر، دمشق، الطبعة الأولى ١٩٨٦، الجزء الأول، ص (٣٦٦ـ ٣٨٠) . ـ (المعاصرون) محمد كرد علي، دار صادر، بيروت ١٩٩١، ص (٢٦٨ـ ٢٧٨) . ـ (الأعلام) خير الدين الزركلي، دار العلم لملايين، بيروت، الطبعة العاشرة ١٩٩٢، المجلد الثالث، ص (٢٢١، ٢٢٢) .
0 notes
corridors-of-books · 8 years
Text
شخصية اليوم : الطاهر بن عاشور
الطاهر بن عاشور (في ذكرى وفاته: ١٣ رجب ١٣٩٣ هـ) مصطفى عاشور كان جامع الزيتونة مصنعا لرجال أفذاذ قادوا حياة شعوبهم قبل أن يقودوا حياتهم، في وقت اضطربت فيه معالم الحياة، فكانوا منارات للهدى وعلامات لطريق السداد. و"محمد الطاهر بن عاشور" هو أحد أعلام هذا الجامع، ومن عظمائهم المجددين. حياته المديدة التي زادت على ٩٠ عامًا كانت جهادًا في طلب العلم، وجهادا في كسر وتحطيم أطواق الجمود والتقليد التي قيدت العقل المسلم عن التفاعل مع القرآن الكريم والحياة المعاصرة. أحدثت آراؤه نهضة في علوم الشريعة والتفسير والتربية والتعليم والإصلاح، وكان لها أثرها البالغ في استمرار "الزيتونة" في العطاء والريادة. وإذا كان من عادة الشرق عدم احتفاظه بكنوزه، فهو غالبا ما ينسى عمالقته ورواده الذين كانوا ملء السمع والبصر، ويتطلع إلى أفكار مستوردة وتجارب سابقة التجهيز، وينسى مصلحيه ومجدديه، ونبت بيئته وغرس مبادئه!! لم يلق الطاهر تمام حقه من الاهتمام به وباجتهاداته وأفكاره الإصلاحية؛ وربما رجع ذلك لأن اجتهاداته تحارب الجمود العقلي والتقليد من ناحية، وتصطدم بالاستبداد من ناحية أخرى، كما أن أفكاره تسعى للنهوض والتقدم وفق منهج عقلي إسلامي، ولعل هذا يبين لنا سبب نسيان الشرق في هذه الفترة لرواده وعمالقته!! من هو؟: ولد محمد الطاهر بن محمد بن محمد الطاهر بن عاشور، الشهير بالطاهر بن عاشور، بتونس في (١٢٩٦هـ = ١٨٧٩م) في أسرة علمية عريقة تمتد أصولها إلى بلاد الأندلس. وقد استقرت هذه الأسرة في تونس بعد حملات التنصير ومحاكم التفتيش التي تعرض لها مسلمو الأندلس. وقد نبغ من هذه الأسرة عدد من العلماء الذين تعلموا بجامع الزيتونة، تلك المؤسسة العلمية الدينية العريقة التي كانت منارة للعلم والهداية في الشمال الأفريقي، كان منهم محمد الطاهر بن عاشور، وابنه الذي مات في حياته: الفاضل بن عاشور. وجاء مولد الطاهر في عصر يموج بالدعوات الإصلاحية التجديدية التي تريد الخروج بالدين وعلومه من حيز الجمود والتقليد إلى التجديد والإصلاح، والخروج بالوطن من مستنقع التخلف والاستعمار إلى ساحة التقدم والحرية والاستقلال، فكانت لأفكار جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده ومحمد رشيد رضا صداها المدوي في تونس وفي جامعها العريق، حتى إن رجال الزيتونة بدءوا بإصلاح جامعهم من الناحية التعليمية قبل الجامع الأزهر، مما أثار إعجاب الإمام محمد عبده الذي قال: "إن مسلمي الزيتونة سبقونا إلى إصلاح التعليم، حتى كان ما يجرون عليه في جامع الزيتونة خيرًا مما عليه أهل الأزهر". وأثمرت جهود التجديد والإصلاح في تونس التي قامت في الأساس على الاهتمام بالتعليم وتطويره عن إنشاء مدرستين كان لهما أكبر الأثر في النهضة الفكرية في تونس، وهما: المدرسة الصادقية التي أنشأها الوزير النابهة خير الدين التونسي سنة (١٢٩١هـ = ١٨٧٤م) والتي احتوت على منهج متطور امتزجت فيه العلوم العربية باللغات الأجنبية، إضافة إلى تعليم الرياضيات والطبيعة والعلوم الاجتماعية. وقد أقيمت هذه المدرسة على أن تكون تعضيدًا وتكميلاً للزيتونة. أما المدرسة الأخرى فهي المدرسة الخلدونية التي تأسست سنة (١٣١٤هـ = ١٨٩٦م) والتي كانت مدرسة علمية تهتم بتكميل ما يحتاج إليه دارسو العلوم الإسلامية من علوم لم تدرج في برامجهم التعليمية، أو أدرجت ولكن لم يهتم بها وبمزاولتها فآلت إلى الإهمال. وتواكبت هذه النهضة الإصلاحية التعليمية مع دعوات مقاومة الاستعمار الفرنسي، فكانت أطروحات تلك الحقبة من التاريخ ذات صبغة إصلاحية تجديدة شاملة تنطلق من الدين نحو إصلاح الوطن والمجتمع، وهو ما انعكس على تفكير ومنهج رواد الإصلاح في تلك الفترة التي تدعمت بتأسيس الصحافة، وصدور المجلات والصحف التي خلقت مناخًا ثقافيًا وفكريًا كبيرًا ينبض بالحياة والوعي والرغبة في التحرر والتقدم. حفظ الطاهر القرآن الكريم، وتعلم اللغة الفرنسية، والتحق بجامع الزيتونة سنة (١٣١٠هـ = ١٨٩٢م) وهو في الـ١٤ من عمره، فدرس علوم الزيتونة ونبغ فيها، وأظهر همة عالية في التحصيل، وساعده على ذلك ذكاؤه النادر والبيئة العلمية الدينية التي نشأ فيها، وشيوخه العظام في الزيتونة الذين كان لهم باع كبير في النهضة العلمية والفكرية في تونس، وملك هاجس الإصلاح نفوسهم وعقولهم فبثوا هذه الروح الخلاقة التجديدية في نفس الطاهر، وكان منهجهم أن الإسلام دين فكر وحضارة وعلم ومدنية. سفير الدعوة: تخرج الطاهر في الزيتونة عام (١٣١٧هـ = ١٨٩٦م) ، والتحق بسلك التدريس في هذا الجامع العريق، ولم تمض إلا سنوات قليلة حتى عين مدرسًا من الطبقة الأولى بعد اجتياز اختبارها سنة (١٣٢٤هـ = ١٩٠٣م) . وكان الطاهر قد اختير للتدريس في المدرسة الصادقية سنة (١٣٢١هـ = ١٩٠٠م) ، وكان لهذه التجربة المبكرة في التدريس بين الزيتونة -ذات المنهج التقليدي- والصادقية -ذات التعليم العصري المتطور- أثرها في حياته، إذ فتحت وعيه على ضرورة ردم الهوة بين تيارين فكريين ما زالا في طور التكوين، ويقبلان أن يكونا خطوط انقسام ثقافي وفكري في المجتمع التونسي، وهما: تيار الأصالة الممثل في الزيتونة، وتيار المعاصرة الممثل في الصادقية، ودون آراءه هذه في كتابه النفيس "أليس الصبح بقريب؟ " من خلال الرؤية الحضارية التاريخية الشاملة التي تدرك التحولات العميقة التي يمر بها المجتمع الإسلامي والعالمي. وفي سنة (١٣٢١ هـ = ١٩٠٣ م) قام الإمام محمد عبده مفتي الديار المصرية بزيارته الثانية لتونس التي كانت حدثا ثقافيا دينيا كبيرا في الأوساط التونسية، والتقاه في تلك الزيارة الطاهر بن عاشور فتوطدت العلاقة بينهما، وسماه محمد عبده بـ "سفير الدعوة" في جامع الزيتونة؛ إذ وجدت بين الشيخين صفات مشتركة، أبرزها ميلهما إلى الإصلاح التربوي والاجتماعي الذي صاغ ابن عاشور أهم ملامحه بعد ذلك في كتابه "أصول النظام الاجتماعي في الإسلام". وقد توطدت العلاقة بينه وبين رشيد رضا، وكتب ابن عاشور في مجلة المنار. آراء.. ومناصب: عين الطاهر بن عاشور نائبا أول لدى النظارة العلمية بجامع الزيتونة سنة (١٣٢٥ هـ = ١٩٠٧م) ؛ فبدأ في تطبيق رؤيته الإصلاحية العلمية والتربوية، وأدخل بعض الإصلاحات على الناحية التعليمية، وحرر لائحة في إصلاح التعليم وعرضها على الحكومة فنفذت بعض ما فيها، وسعى إلى إحياء بعض العلوم العربية؛ فأكثر من دروس الصرف في مراحل التعليم وكذلك دروس أدب اللغة، ودرس بنفسه شرح ديوان الحماسة لأبي تمام. وأدرك صاحبنا أن الإصلاح التعليمي يجب أن ينصرف بطاقته القصوى نحو إصلاح العلوم ذاتها؛ على اعتبار أن المعلم مهما بلغ به الجمود فلا يمكنه أن يحول بين الأفهام وما في التآليف؛ فإن الحق سلطان!! ورأى أن تغيير نظام الحياة في أي من أنحاء العالم يتطلب تبدل الأفكار والقيم العقلية، ويستدعي تغيير أساليب التعليم. وقد سعى الطاهر إلى إيجاد تعليم ابتدائي إسلامي في المدن الكبيرة في تونس على غرار ما يفعل الأزهر في مصر، ولكنه قوبل بعراقيل كبيرة. أما سبب الخلل والفساد اللذين أصابا التعليم الإسلامي فترجع في نظره إلى فساد المعلم، وفساد التآليف، وفساد النظام العام؛ وأعطى أولوية لإصلاح العلوم والتآليف. اختير ابن عاشور في لجنة إصلاح التعليم الأولى بالزيتونة في (صفر ١٣٢٨ هـ = ١٩١٠م) ، وكذلك في لجنة الإصلاح الثانية (١٣٤٢ هـ = ١٩٢٤م) ، ثم اختير شيخا لجامع الزيتونة في (١٣٥١ هـ = ١٩٣٢م) ، كما كان شيخ الإسلام المالكي؛ فكان أول شيوخ الزيتونة الذين جمعوا بين هذين المنصبين، ولكنه لم يلبث أن استقال من المشيخة بعد سنة ونصف بسبب العراقيل التي وضعت أمام خططه لإصلاح الزيتونة، وبسبب اصطدامه ببعض الشيوخ عندما عزم على إصلاح التعليم في الزيتونة. أعيد تعينه شيخا لجامع الزيتونة سنة (١٣٦٤ هـ = ١٩٤٥م) ، وفي هذه المرة أدخل إصلاحات كبيرة في نظام التعليم الزيتوني؛ فارتفع عدد الطلاب الزيتونيين، وزادت عدد المعاهد التعليمية. وشملت عناية الطاهر بن عاشور إصلاح الكتب الدراسية وأساليب التدريس ومعاهد التعليم؛ فاستبدل كثيرا من الكتب القديمة التي كانت تدرس وصبغ عليها الزمان صبغة القداسة بدون مبرر، واهتم بعلوم الطبيعة والرياضيات، كما راعى في المرحلة التعليمية العالية التبحر في أقسام التخصص، وبدأ التفكير في إدخال الوسائل التعليمية المتنوعة. وحرص على أن يصطبغ التعليم الزيتوني بالصبغة الشرعية والعربية، حيث يدرس الطالب الزيتوني الكتب التي تنمي الملكات العلمية وتمكنه من الغوص في المعاني؛ لذلك دعا إلى التقليل من الإلقاء والتلقين، وإلى الإكثار من التطبيق؛ لتنمية ملكة الفهم التي يستطيع من خلالها الطالب أن يعتمد على نفسه في تحصيل العلم. ولدى استقلال تونس أسندت إليه رئاسة الجامعة الزيتونية سنة (١٣٧٤ هـ = ١٩٥٦م) . التحرير والتنوير: كان الطاهر بن عاشور عالما مصلحا مجددا، لا يستطيع الباحث في شخصيته وعلمه أن يقف على جانب واحد فقط، إلا أن القضية الجامعة في حياته وعلمه ومؤلفاته هي التجديد والإصلاح من خلال الإسلام وليس بعيدا عنه، ومن ثم جاءت آراؤه وكتاباته ثورة على التقليد والجمود وثورة على التسيب والضياع الفكري والحضاري. يعد الطاهر بن عاشور من كبار مفسري القرآن الكريم في العصر الحديث، ولقد احتوى تفسيره "التحرير والتنوير" على خلاصة آرائه الاجتهادية والتجديدية؛ إذ ��ستمر في هذا التفسير ما يقرب من ٥٠ عاما، وأشار في بدايته إلى أن منهجه هو أن يقف موقف الحكم بين طوائف المفسرين، تارة لها وأخرى عليها؛ "فالاقتصار على الحديث المعاد في التفسير هو تعطيل لفيض القرآن الكريم الذي ما له من نفاد"، ووصف تفسيره بأنه "احتوى أحسن ما في التفاسير، وأن فيه أحسن مما في التفاسير". وتفسير التحرير والتنوير في حقيقته تفسير بلاغي، اهتم فيه بدقائق البلاغة في كل آية من آياته، وأورد فيه بعض الحقائق العلمية ولكن باعتدال ودون توسع أو إغراق في تفريعاتها ومسائلها. وقد نقد ابن عاشور كثيرا من التفاسير والمفسرين، ونقد فهم الناس للتفسير، ورأى أن أحد أسباب تأخر علم التفسير هو الولع بالتوقف عند النقل حتى وإن كان ضعيفا أو فيه كذب، وكذلك اتقاء الرأي ولو كان صوابا حقيقيا، وقال: "لأنهم توهموا أن ما خالف النقل عن السابقين إخراج للقرآن عما أراد الله به"؛ فأصبحت كتب التفسير عالة على كلام الأقدمين، ولا همّ للمفسر إلا جمع الأقوال، وبهذه النظرة أصبح التفسير "تسجيلا يقيَّد به فهم القرآن ويضيَّق به معناه". ولعل نظرة التجديد الإصلاحية في التفسير تتفق مع المدرسة الإصلاحية التي كان من روادها الإمام محمد عبده الذي رأى أن أفضل مفسر للقرآن الكريم هو الزمن، وهو ما يشير إلى معان تجديدية، ويتيح للأفهام والعقول المتعاقبة الغوص في معاني القرآن. وكان لتفاعل الطاهر بن عاشور الإيجابي مع القرآن الكريم أثره البالغ في عقل الشيخ الذي اتسعت آفاقه فأدرك مقاصد الكتاب الحكيم وألم بأهدافه وأغراضه، مما كان سببا في فهمه لمقاصد الشريعة الإسلامية التي وضع فيها أهم كتبه بعد التحرير والتنوير وهو كتاب "مقاصد الشريعة". مقاصد الشريعة: كان الطاهر بن عاشور فقيها مجددا، يرفض ما يردده بعض أدعياء الفقه من أن باب الاجتهاد قد أغلق في أعقاب القرن الخامس الهجري، ولا سبيل لفتحه مرة ثانية، وكان يرى أن ارتهان المسلمين لهذه النظرة الجامدة المقلدة سيصيبهم بالتكاسل وسيعطل إعمال العقل لإيجاد الحلول لقضاياهم التي تجد في حياتهم. وإذا كان علم أصول الفقه هو المنهج الضابط لعملية الاجتهاد في فهم نصوص القرآن الكريم واستنباط الأحكام منه فإن الاختلال في هذا العلم هو السبب في تخلي العلماء عن الاجتهاد. ورأى أن هذا الاختلال يرجع إلى توسيع العلم بإدخال ما لا يحتاج إليه المجتهد، وأن قواعد الأصول دونت بعد أن دون الفقه، لذلك كان هناك بعض التعارض بين القواعد والفروع في الفقه، كذلك الغفلة عن مقاصد الشريعة؛ إذ لم يدون منها إلا القليل، وكان الأولى أن تكون الأصل الأول للأصول لأن بها يرتفع خلاف كبير. ويعتبر كتاب "مقاصد الشريعة" من أفضل ما كتب في هذا الفن وضوحا في الفكر ودقة في التعبير وسلامة في المنهج واستقصاء للموضوع. محنة التجنيس: لم يكن الطاهر بن عاشور بعيدا عن سهام الاستعمار والحاقدين عليه والمخالفين لمنهجه الإصلاحي التجديدي، فتعرض الشيخ لمحنة قاسية استمرت ٣ عقود عرفت بمحنة التجنيس، وملخصها أن الاستعمار الفرنسي أصدر قانونا في (شوال ١٣٢٨ هـ = ١٩١٠م) عرف بقانون التجنيس، يتيح لمن يرغب من التونسيين التجنس بالجنسية الفرنسية؛ فتصدى الوطنيون التونسيون لهذا القانون ومنعوا المتجنسين من الدفن في المقابر الإسلامية؛ مما أربك الفرنسيين فلجأت السلطات الفرنسية إلى الحيلة لاستصدار فتوى تضمن للمتجنسين التوبة من خلال صيغة سؤال عامة لا تتعلق بالحالة التونسية توجه إلى المجلس الشرعي. وكان الطاهر يتولى في ذلك الوقت سنة (١٣٥٢ هـ = ١٩٣٣م) رئاسة المجلس الشرعي لعلماء المالكية فأفتى المجلس صراحة بأنه يتعين على المتجنس عند حضوره لدى القاضي أن ينطق بالشهادتين ويتخلى في نفس الوقت عن جنسيته التي اعتنقها، لكن الاستعمار حجب هذه الفتوى، وبدأت حملة لتلويث سمعة هذا العالم الجليل، وتكررت هذه الحملة الآثمة عدة مرات على الشيخ، وهو صابر محتسب. صدق الله وكذب بورقيبة: ومن المواقف المشهورة للطاهر بن عاشور رفضه القاطع استصدار فتوى تبيح الفطر في رمضان، وكان ذلك عام (١٣٨١ هـ = ١٩٦١م) عندما دعا الحبيب بورقيبة الرئيس التونسي العمالَ إلى الفطر في رمضان بدعوى زيادة الإنتاج، وطلب من الشيخ أن يفتي في الإذاعة بما يوافق هذا، لكن الشيخ صرح في الإذاعة بما يريده الله تعالى، بعد أن قرأ آية الصيام، وقال بعدها: "صدق الله وكذب بورقيبة"، فخمد هذا التطاول المقيت وهذه الدعوة الباطلة بفضل مقولة ابن عاشور. وفاة.. وقد توفي الطاهر بن عاشور في (١٣ رجب ١٣٩٣ هـ = ١٢ أغسطس ١٩٧٣م) بعد حياة حافلة بالعلم والإصلاح والتجديد على مستوى تونس والعالم الإسلامي. من مصادر الدراسة: محمد الطاهر بن عاشور - تفسير التحرير والتنوير - الشركة التونسية للتوزيع - تونس ١٩٧٤. محمد الطاهر بن عاشور - مقاصد الشريعة الإسلامية - تحقيق ودراسة محمد الطاهر الميساوي - دار النفائس بيروت الطبعة الأولى ١٩٩٩. بلقاسم الغالي - محمد الطاهر بن عاشور.. حياته وآثاره - دار ابن حزم - بيروت الطبعة الأولى ١٩٩٦. محمد محفوظ - تراجم المؤلفين التونسيين - دار الغرب الإسلامي - ١٩٨٥. المصدر: موقع إسلام أون لاين: www.islam-online.net
0 notes
corridors-of-books · 9 years
Text
شكيب أرسلان ؛ أمير البيان
شكيب أرسلان.. أمير البيان (في ذكرى مولده: غرة رمضان ١٢٨٦هـ) سمير حلبي شكيب أرسلان كان "شكيب أرسلان" من أكثر الدعاة إلى الوحدة العربية حماسًا، ومن أشدهم إيمانًا بأهميتها وضرورتها لمواجهة الهجمة الاستعمارية الشرسة على العالم العربي والإسلامي، وللخروج بالأمة العربية من حالة التفكك والتشرذم والضياع التي أرادها لها المستعمر الدخيل؛ حتى يسهل له السيطرة على أهلها والاستيلاء على خيراتها ومقدراتها. الميلاد والنشأة ولد شكيب بن حمود بن حسن بن يونس بن فخر الدين بن حيدر بن سليمان بقرية الشويفات قرب بيروت ليلة الإثنين (غرة رمضان ١٢٨٦هـ = ٢٥ من ديسمبر ١٨٦٩م) . وتضرب أسرته بجذورها في التاريخ، وتحظى من الشرف والمجد بنصيب وافر؛ فقد كان جده الأكبر الأمير "عون" ممن اشترك مع "خالد بن الوليد" في فتوح "الشام". أما أمه فقد كانت سيدة شركسية فاضلة، وقد عمّرت طويلاً، وكان شكيب يحبها ويجلها، وكان متعلقًا بها بدرجة كبيرة. كان "شكيب أرسلان" متدينًا محافظًا على الصلاة، وكان محبًا للعلم حريصًا على القراءة والاطلاع، وكانت حياته كلها كتابة أو قراءة أو حديث أو رحلة. وقد تأثر بعدد كبير من أعلام عصره ممن تتلمذ على أيديهم أو اتصل بهم في مراحل متعددة من عمره، وأول أساتذته كان الشيخ "عبد الله البستاني" الذي علمه في "مدرسة الحكمة". كما اتصل بالإمام "محمد عبده" و"محمود سامي الباردوي" و"عبد الله فكري" والشيخ "إبراهيم اليازجي"، وتعرف إلى "أحمد شوقي" و"إسماعيل صبري" وغيرهم من أعلام الفكر والأدب والشعر في عصره. كما تأثر بالسيد "جمال الدين الأفغاني" تأثرًا كبيرًا، واقتدى به في منهجه الفكري وحياته السياسية، وكذلك تأثر بعدد من المفكرين والعلماء مثل "أحمد فارس الشدياق" الذي كان شديد الحماس والتأييد للخلافة الإسلامية والدولة العثمانية، وتأثر أيضًا بالعالم الأمريكي د. "كرينليوس فانديك" الذي كان يدرّس بالجامعة الأمريكية ببيروت، وكان دائم الإشادة به. - محاولات المستعمرين للنيل منه شبّ "شكيب أرسلان" ليجد الوطن العربي والإسلامي فريسة للمستعمرين والغزاة المحتلين، ومن ثم فقد نما لديه - منذ وقت مبكر- وعي قوي بضرورة الوحدة العربية وأهميتها في مواجهة أطماع المستعمرين ومؤامرات الغزاة لإضعاف الأمة العربية وتفتيتها ليسهل لهم السيطرة عليها. وقد عني "شكيب أرسلان" بقضية الوحدة العربية عناية شديدة، وأولاها كل اهتمامه، وأوقف عليها حياته كلها، وكانت مقالاته دعوة متجددة إلى قيام تلك الوحدة الكبرى، التي كان يرى فيها الخلاص من حالة الضعف والاستكانة التي سادت الأقطار العربية، وجعلتهم فريسة للمستعمر الأجنبي. وتعرض "شكيب أرسلان" - بسبب مواقفه الوطنية - للكثير من الاضطهاد من المستعمرين، وحيكت ضده المؤامرات العديدة من الاستعمار ومن أذنابه ممن ينتسبون إلى العروبة وهي منهم براء، كما تعرض لحملات شرسة من التشويه والافتراءات والأكاذيب. وسعى المحتلون إلى تشويه صورته أمام الجماهير، فاتهمه المفوض الفرنسي السامي المسيو "جوفنيل" بأنه من أعوان "جمال باشا السفاح"، وأنه كان قائدًا لفرقة المتطوعين تحت إمرته، وكان "شكيب" قد تولى قيادة تلك الفرقة من المتطوعين اللبنانيين لمقاومة الدول التي احتلت "لبنان"، وكان من الطبيعي أن يكون تحت إمرة "جمال باشا" باعتباره قائد الفيلق الرابع الذي تنتمي إليه فرقة "شكيب"، واستطاع "شكيب" أن يفند أكاذيبهم، ويفضح زيفهم وخداعهم. - موقفه من الحلفاء والأتراك نسب نسيب بخط يد شكيب كان "شكيب" لا يثق بوعود الحلفاء للعرب، وكان يعتقد أن الحلفاء لا يريدون الخير للعرب، وإنما يريدون القضاء على الدولة العثمانية أولاً، ثم يقسمون البلاد العربية بعد ذلك. وقد حذر "شكيب أرسلان" قومه من استغلال الأجانب الدخلاء للشقاق بين العرب والترك. ولكنه حينما رأى الأتراك يتنكرون للخلافة الإسلامية ويلغونها، ويتجهون إلى العلمانية، ويقطعون ما بينهم وبين العروبة والإسلام من وشائج وصلات؛ اتخذ "شكيب" موقفًا آخر من تركيا وحكامها، وبدأ يدعو إلى الوحدة العربية؛ لأنه وجد فيها السبيل إلى قوة العرب وتماسكهم. وعندما انتهت الحرب العالمية الأولى حدث ما حذر منه "شكيب أرسلان" فقد برح الخفاء، وتجلت حقيقة خداع الحلفاء للعرب، وظهرت حقيقة نواياهم وأطماعهم ضد العرب والمسلمين، خاصة بعدما تنكر الأتراك للخلافة الإسلامية، واتجهوا اتجاهًا علمانيًا. - مع قضايا التحرر العربي وظل "شكيب أرسلان" مطاردًا من أكثر من دولة؛ فتركيا تطارده لاهتمامه بقضايا العرب، وحملته على تنكر حكامها للخلافة والإسلام، وإنجلترا وفرنسا تطاردانه لدفاعه عن شعوب الأمة العربية ودعوته إلى التحرر، وتزعمه حملة الجهاد ضد المستعمرين، كما ظل مبعدًا لفترة طويلة من حياته عن كثير من أقطار الوطن العربي، لا يُسمح له بدخولها، خاصة مصر وسوريا اللتين كانتا تشكلان قلب الأمة العربية. ولم يقتصر دور "شكيب أرسلان" على الاهتمام بقضايا الأمة العربية وإيقاظ الهمم وبعث الوعي الوطني في داخل الوطن العربي فحسب، وإنما انطلق يشرح قضية العرب ويفضح فظائع المستعمرين ويكشف زيفهم وخداعهم في كثير من بلدان العالم؛ فسافر إلى روما وأمريكا الشمالية وروسيا وإسبانيا، وقد استقبل في كل بلد زاره بكل حفاوة وتقدير، ونشر العديد من المقالات التي تفضح جرائم المستعمرين في حق الشعوب العربية والإسلامية، وتصور الحالة الأليمة التي صارت إليها الأمور في كثير من البلدان التي ترزح تحت نير الاستعمار. - جهود لتوحيد المسلمين كذلك اهتم "شكيب أرسلان" بأحوال المسلمين في أنحاء العالم المختلفة، ففي عام (١٣٤٤هـ = ١٩٢٤م) أسس جمعية "هيئة الشعائر الإسلامية" في "برلين"، وكانت تهدف إلى الاهتمام بأمور المسلمين في "ألمانيا"، وقد تشكلت هذه الجمعية من أعضاء يمثلون معظم الشعوب الإسلامية، وأهم ما يميزها أنها نحت منحى دينيًا بعيدًا عن الشؤون السياسية، وذلك لتلافي أسباب الخلاف والشقاق التي قد تنجم عن اختلاف الأيدلوجيات السياسية بين الشعوب والدول المختلفة. العامل الديني والصراع بين الشرق والغرب وقد أدرك "شكيب أرسلان" منذ وقت مبكر أثر العامل الديني في الصراع بين الشرق والغرب، وأكد عليه في كثير من كتبه ومقالاته، وأوضح أثر ذلك العامل في إثارة دول الغرب ودعمها لاستعمار الشرق واحتلال العالم الإسلامي، وربط بين الحملات الصليبية القديمة نحو الشرق وأخواتها المعاصرة على أيدي الفرنسيين والإنجليز والألمان، ولكنه كان أشد نقدًا للفرنسيين، فقد كانت فرنسا في طليعة الدول التي حاربت الإسلام والمسلمين، وقد خرجت منها وحدها إحدى عشرة حملة صليبية في مقابل حملة إنجليزية وأخرى ألمانية. وتناول "شكيب أرسلان" فظائع فرنسا ضد المسلمين في شمال أفريقيا، مؤكدًا أنها حملة عنصرية ضد العروبة والإسلام. وهو لا يغفل في حديثة الإشادة بسماحة الإسلام والحديث عن جو التسامح والإخاء الذي يعيشه أبناء الوطن العربي من مسلمين ونصارى، موضحًا ما يسود بينهم من السلام والوئام، حيث ينعم الجميع بكل الحقوق والواجبات دون تمييز أو تهميش. - الثورة العربية لم يشترك "شكيب أرسلان" ولم يشارك في أحداث الثورة العربية التي قامت ضد تركيا سنة (١٣٣٦هـ = ١٩١٦م) ، وإنما كان له موقف منها؛ فقد انتقدها وحذر من عواقبها، وقد أدى موقفه هذا إلى أن الكثيرين أساءوا الظن به، ولم يكن "شكيب أرسلان" بدعا في ذلك؛ فقد اتخذ هذا الموقف نفسه عدد كبير من الزعماء والمفكرين كالشيخ "عبد العزيز جاويش" والزعيم "محمد فريد" و"عبد الحميد سعيد" وغيرهم. ويفسر "شكيب أرسلان" موقفه هذا بأنه اعتقد أن البلاد العربية ستصبح نهبًا للاستعمار، وأنها ستقسم بين إنجلترا وفرنسا. - مؤامرة تقسيم فلسطين وسعى "شكيب أرسلان" إلى إيقاظ الشعور الوطني لدى أبناء الأمة العربية وتنبيههم إلى الأخطار المحدقة بهم. وكان من أوائل الذين تنبهوا إلى خطورة سياسة المستعمرين في فلسطين، وسعيهم إلى تقسيمها وإنشاء وطن قومي لليهود فيها، ويؤكد أنه يفضّل الدولة العثمانية الشرقية الإسلامية على احتلال الفرنج الأعداء الغرباء، ولكنه - في الوقت نفسه - يذكر أنه لو علم أن ��لثورة ضد تركيا ستؤدي إلى استقلال العرب لما سبقه إليها أحد. ويذكر أن موقفه هذا لم يكن وليد حدس أو تخمين، فقد تجمعت لديه الأدلة والقرائن أن فرنسا وإنجلترا يسعيان لتقسيم سوريا وفلسطين. وما كادت الحرب العالمية الأولى تضع أوزارها حتى تبين للجميع صحة ما ذهب إليه "شكيب أرسلان" وبعد نظره. وكان "شكيب" من أوائل الذين تصدوا لخطر الوجود اليهودي في فلسطين، وسعى مخلصًا إلى دعوة العرب إلى جمع الشمل والتصدي لتلك المؤامرة، وحذر أبناء فلسطين من الخلاف والشقاق، لأن ذلك مما يقوي آمال الإنجليز واليهود ويعظم أطماعهم في فلسطين. - مع الجامعة العربية لعل "شكيب أرسلان" كان من أوائل الدعاة إلى إنشاء الجامعة العربية إن لم يكن أولهم على الإطلاق، ففي أعقاب الحرب العالمي الأولى مباشرة دعا "شكيب أرسلان" إلى إنشاء جامعة عربية، ولما تألفت الجامعة العربية كان سرور "شكيب أرسلان" لها عظيمًا، وكان يرى فيها الملاذ للأمة العربية من التشرذم والانقسامات، والسبيل إلى نهضة عربية شاملة في جميع المجالات العلمية والفكرية والاقتصادية. وكان "شكيب" من أشد دعاة الوحدة العربية ومن أكثر المتحمسين لأصالة الثقافة العربية، وكان مولعًا بتمجيد العرب والعروبة، كما كان يضيق بالشعوبية وأهلها، ويراها حركة تخريب لمدنية العرب، وإضعافا لعزائهم، وجمودا لأفضالهم. وكان يقول: إن لكل عصر شعوبية، وشعوبية هذا العصر هم أولئك الأدباء والكتاب الذين يهاجمون العرب والعروبة. وبلغ من حرصه على هويته وقوميته العربية أنه كان يخطب دائمًا بالعربية في رحلاته إلى أمريكا وأوربا مع تمكنه وإجادته للإنجليزية والفرنسة والتركية وإلمامه بالألمانية. - المفكر والأديب عاش شكيب أرسلان نحو ثمانين عامًا، قضى منها نحو ستين عامًا في القراءة والكتابة والخطابة والتأليف والنظم، وكتب في عشرات الدوريات من المجلات والصحف في مختلف أنحاء الوطن العربي والإسلامي. وبلغت بحوثه ومقالاته المئات، فضلاً عن آلاف الرسائل ومئات الخطب، كما نظم عشرات القصائد في مختلف المناسبات. وقد اتسم أسلوبه بالفصاحة وقوة البيان والتمكن من الأداة اللغوية مع دقة التعبير والبراعة في التصوير حتى أطلق عليه "أمير البيان". وقد أصدر عددًا كبيرًات من الكتب ما بين تأليف وشرح وتحقيق، ومن أهم تلك الكتب: - تاريخ غزوات العرب في فرنسا وسويسرا وإيطاليا وجزائر البحر المتوسط- مطبعة عيسى البابي الحلبي وشركاه بمصر - الطبعة الأولى- سنة (١٣٥٢هـ = ١٩٣٣م) . - الحلل السندسية في الأخبار والآثار الأندلسية- مطبعة عيسى البابي الحلبي وشركاه بمصر- الطبعة الأولى- سنة (١٣٥٨هـ = ١٩٣٩م) . - رواية آخر بني سراج: تأليف: الكونت دي شاتوبريان - ترجمة: شكيب أرسلان - مطبعة المنار بالقاهرة- سنة (١٣٤٣هـ = ١٩٢٥م) - السيد رشيد رضا، أو إخاء أربعين سنة - مطبعة ابن زيدون بدمشق - الطبعة الأولى - سنة (١٣٥٦هـ = ١٩٣٧م) . - شوقي، أو صداقة أربعين سنة- مطبعة عيسى البابي الحلبي وشركاه بمصر - الطبعة الأولى - سنة (١٣٥٥هـ = ١٩٣٦م) . - لماذا تأخر المسلمون؟ ولماذا تقدم غيرهم؟ - مطبعة عيسى البابي الحلبي وشركاه بمصر - الطبعة الأولى - سنة (١٣٥٨هـ = ١٩٣٩م) . وبعد أن انتهت الحرب العالمية الثانية سنة (١٣٦٥هـ = ١٩٤٥م) وتحررت سوريا ولبنان، عاد "شكيب أرسلان" إلى وطنه في أواخر سنة (١٣٦٦هـ = ١٩٤٦م) . فاستُقبل استقبالاً حافلاً. ولكن حالته الصحية كانت قد ضعفت بعد تلك السنوات الطوال من الكفاح الشاق، والاغتراب المضني، وكثرة الأمراض، فما لبث أن توفي في (١٥ من المحرم ١٣٦٦هـ = ٩ من ديسمبر ١٩٤٦م) بعد حياة حافلة بالعناء والكفاح. - أهم مصادر الدراسة: الأمير شكيب أرسلان: حياته وآثاره - سامي الدهان - دار المعارف بمصر - القاهرة- (١٣٨٠هـ = ١٩٦٠م) . شكيب أرسلان.. داعية العروبة والإسلام (أعلام الغرب: ٢١) أحمد الشرباصي-المؤسسة المصرية العامة للتأليف والترجمة - القاهرة (١٣٨٣ هـ = ١٩٦٣م) . شكيب أرسلان.. من رواد الوحدة العربية.. (مذاهب وشخصيات: ٥٤) - أحمد الشرباصي- الدار القومية للطباعة والنشر - القاهرة- (١٣٨٣هـ = ١٩٦٣م) . #أروقة_الكتب #كتب #شخصيات
0 notes
corridors-of-books · 9 years
Text
تحقيق العنوان - من #كتاب تحقيق النصوص ونشرها
تحقيق العنوان: وليس هذا بالأمر الهين، فبعض المخطوطات يكون خاليًا من العنوان: ١- إما لفقد الورقة الأولى منها. ٢- أو انطماس العنوان. ٣- وأحيانًا يثبت على النسخة عنوان واضح جلي ولكنه يخالف الواقع: أ- إما بداع من دواعي التزييف. ب- وإما الجهل قارئ ما وقعت إليه نسخة مجرة من عنوانها فأثبت ما خاله عنوانها. ١- فيحتاج المحقق في الحالة الأولى إلى إعمال فكرة في ذلك بطائفة من المحاولات التحقيقية، كأن يرجع إلى كتب المؤلفات كابن النديم، أو كتب التراجم، أو أن يتاح له الظفر بطائفة منسوبة من نصوص الكتاب مضمنة في كتاب آخر، أو أن يكون له إلف خاص أو خيرة خاصة بأسلوب مؤلف نم المؤلفين وأسماء ما ألف من الكتب، فتضع تلك الخبرة في يده الخيط الأول للوصول إلى حقيقة عنوان الكتاب. ٢- والانطماس الجزئي لع��وان الكتاب مما يساعد كثيرا على التحقيق من العنوان الكامل متى وضح معه في النسخة اسم المؤلف، فإن تحقيقه موكول إلى معرفة ثبت مصنفات المؤلف وموضوع كل منها متى تيسر ذلك. ٣- وأما التزييف المعتمد فيكون بمحو العنوان الأصيل للكتاب وإثبات عنوان لكتاب آخر أجل قدرا منه ليلقي بذلك رواجا، أو يكون ذلك مطاوعة لرغبة أحد جماع الكتب. وقد ينجح المزيف نجاحا نسبيا بأن يقارب ما بين خطه ومداده وخط الأصل ومداده فيجوز هذا على من لا يصطنع الحذر والريبة في ذلك. وأما التزييف الساذج فمنشؤه الجهل، فيضع أحد الكتاب في صدر الكتب الأغفال عنوانا يخيل إليه أنه هو العنوان الأصيل. من كتاب : تحقيق النصوص ونشرها لـ عبد السلام هارون #أروقة_الكتب #كتب #كتاب
0 notes
corridors-of-books · 9 years
Text
من المغتالين: جذيمة الأبرش
جذيمة الأبرش بن مالك بن فهم بن غنم بن دوس بن عدثان الأزدي. وكان أفضل ملوك العرب رأياً، وأبعدهم مغاراً، وأشدهم نكاية. وهو أول من استجمع له الملك بأرض العراق. وكانت منازله ما بين الأنبار وبقة وهيت وعين التمر وأطراف البر والقطقطانة وخفية والحيرة. وكان يغير على الأمم الخالية من العرب العاربة الأول. وكان ملك العرب بأرض الجزيرة ومشارف الشام عمرو بن الظرب بن حسان بن أذينة بن السميدع بن هوبر العاملي، من عاملة العماليق. فجمع جذيمة جموعه من العرب وسار إليه، فالتقى هو وعمرو بن الظرب فقتل جذيمة عمراً وفض جموعه. فملك من بعد عمرو ابنته الزباء، وكانت تخاف أن يغزوها ملوك العرب فبنت لنفسها حصاناً على شاطئ الفرات، وسكرت الفرات على قلة الماء، وبنت في بطنه أزجاً من الآجر، وأجرت عليه الماء، فكانت إذا خافت عدواً دخلت الن��ق، فخرجت إلى مدينة أختها الزبيبة. فلما اجتمع لها أمرها، واستحكم ملكها، جمعت لتغزو جذيمة ثائرة بأبيها، فقالت لها أختها زبيبة، وكانت ذات رأي وحز: إنك إذا غزوت جذيمة فإنما هو يوم ما بعده، وإن ظفرت أصبت ثأرك، وإن قتلت هلك ملكك، والحرب سجال، وعثرتها لا تستقال، ولم يزل كعبك سامياً على من ناواك، ولا تدرين لمن تكون العاقبة، وعلى من تكون الدائرة. والرأي أمن تحتالي له وتخدعيه وتمكري به!. فكتبت الزباء إلى جذيمة تدعوه إلى نفسها وملكها، وأن تصل بلاده ببلادها، وأنها لم تجد ملك النساء إلا إلى قبح في السماع، وضعف في السلطان، وقلة في بسط المملكة، وأنها لم تجد لها كفواً غيرك، فأقبل إلي واجمع ملكي بملكك، وصل بلادي ببلادك، وتقلد أمري مع أمرك. فلما قدم عليه رسلها وكتابها استخفه ذلك، ورغب فيما أطعمته فيه، فجمع أهل الحجا من ثقات أصحابه وهو بالبقة، فاستشارهم، فأجمعوا على أن يسير إليها ويستولي على ملكها، وخالفهم قصير بن سعد بن عمرو بن جذيمة بن قيس ابن هليل بن دمي بن نمارة لابن لخم، فقال: هذا رأي فاتر، هذا رأي فاتر، وغدر حاضر. فإن كانت صادقة فلتقبل إليك، وإلا فلا تمكنها من نفسك فتقع في حبالها، وقد وترتها وقتلت أباها! فلم يوافق جذيمة ما أشار به قصير وقال: أنت امرؤ رأيك في الكن لا في الضح. ومضى جذيمة في وجوه أصحابه فأخذ على شاطئ الفرات الغربي، فلما نزل الفرضة دعا قصيراً فقال: ما الرأي؟ فقال: "ببقة تركت الرأي". قال: فما ظنك بالزباء؟ قال: "القول رادف، والحزم عثراته لا تخاف". واستقبله رسلها بالهدايا والألطاف فقال: يا قصير، كيف ترى؟ قال: "خطر يسر في خطب كبير"، وستلقاك الخيول، فإن سارت أمامك فالمرأة صادقة، وإن أخذت [جنبيك وأحاطت بك] فالقوم غادرون بك. فلقيته الخيول فأحاطت به حتى دخل على الزباء، فلما رأته كشفت عن فرجها فإذا هي مضفورة الإسب، فقالت، يا جذيمة، أذات عروس ترى؟ قال: بلغ المدى، وجف الثرى، وأمر غدر أرى! فقالت: والله ما بنا من عدم مواس، ولا قلة أواس، ولكنها شيمة ما أناس. ثم أجلسته على نطع، وسقته الخمر، ثم أمرت بقطع رواهشه، فجعل دمه يسيل في طست من ذهب، فلما رأى دمه قال: "لا يحزنك دمٌ أهراقه أهله! ". من #كتاب : نوادر المخطوطات لـ عبد السلام هارون #أروقة_الكتب
0 notes
corridors-of-books · 9 years
Text
شيئا من سيرة : ناصر الدين الأسد " رحمه الله"
ناصر الدين الأسد الدكتور ناصر الدين الأسد ولد بمدينة العقبة في الأردن 1922م، وتلقى تعليمه الجامعي وحصل على درجة الدكتوراه بتقدير ممتاز من جامعة القاهرة عام 1955، وحاضر في عدد من الجامعات ومعاهد البحوث في الأردن وليبيا ومصر، وأسس الجامعة الأردنية ثم عُيِّن رئيساً لها خلال الفترة من عام1962 - 1968. عمل سفيراً للمملكة الأردنية الهاشمية لدى المملكة العربية السعودية من عام 1977 - 1978، ورأس العديد من المجامع والمجالس مثل المجمع الملكي لبحوث الحضارة الإسلامية «مؤسسة آل البيت» ومجلس الأمناء في جامعة الإسراء بعمّان، ومجلس أمناء جائزة عبد المجيد شومان الدولية للقدس. يشغل الآن رتبة أستاذ الشرف في اللغة العربية العروبة والإسلام أمران متلاحمان، حتى إنهما يكادان يكونان أمرا واحدا، ولا يجوز اصطناع هذه الخصومات المفتعلة بين الإسلام والعروبة، وأنا أعتقد أن كل مسلم هو عربي، على الأقل من ناحية الثقافة واللغة، وأي مسلم يستهين بالعروبة يجرح إسلامه في جانب من الجوانب. هكذا يرى ناصر الدين الأسد. النشأة والتكوين ولد ناصر الدين الأسد في العقبة جنوب الأردن في 1341هـ/ 1922م، لأب أردني وأم لبنانية، وأمضى عشر سنوات متنقلا مع والده في المدن الجنوبية لشرق الأردن: العقبة، والشوبك، ووادي موسى، ومعان، ودرس فيها. نشأ ناصر الدين في بيئة البادية ولم يعرف المدينة إلا حينما أوفد إلى القدس، وكانت أول مدينة يراها، وكان يحسن بأن بيئة البادية تصور بيئته ونشأته، وتصور ما في نفسه، فارتبط بالشعر الجاهلي. بدأ علاقته بالكتاب بفضل ما كان والده يبديه من حرص على توطيد صلته بالمطالعة، وكان يحضر إليه من رحلاته عددا من الكتب، ولا سيما كتب كامل الكيلاني، واستطاعت هذه الكتب أن تزوده بمفردات اللغة، فامتلك بفضل هذه المطالعات قدرة مبكرة على التعبير بلغة عربية سليمة، واكتسب معرفة بتاريخ العرب والمسلمين، ونشأ محبا للشعر والأدب العربي. وكانت دراسته في عمان مقدمة لحياته، فقد تداخل تعليمه في هذه المرحلة بالثقافة والسياسة، واستيقظت في نفسه القدرة على كتابة الشعر، بحكم اتصاله المباشر مع معلمين كانوا هم شعراء وكتابا مبدعين، من أمثال كاظم الخالدي، وعبد المنعم الرفاعي، وسعيد الدرة الذين كانوا يستهوون الطلاب بأسلوبهم التعليمي الجذاب، وحيوية أدائهم، ورفد معرفتهم بشواهد شعرية كانت تضفي على الجو الدراسي متعة التلقي، وتربية أذواق الطلبة، كما كانت تشحن النفوس بالإحساس الوطني. توفيت والدته عام 1354هـ/ 1936م، ثم والده عام 1357هـ/ 1939م وهو في السنة الأخيرة من المرحلة الثانوية المتوسطة في عمان، فوجد نفسه أمام مسئوليات جديدة، فاضطر إلى العمل بعض الوقت، فعمل كاتبا في ديوان قاضي القضاة، وفي المحكمة الشرعية. ثم التحق بالبعثة الدراسية في الكلية العربية بالقدس لاستكمال المرحلة الثانوية 1358-1362هـ/ 1939- 1943م، وهي أعلى معهد تعليمي في فلسطين والأردن، واستطاع من خلال الدراسة في رحاب هذه الكلية العريقة أن تكون له معرفة عميقة بالتراث الفكري والأدبي، وبتراث الأمم والحضارات. وفيها تعلم المنهج العلمي، والأسلوب الموضوعي في البحث، وكان معظم الدراسة فيها باللغة الإنجليزية، عدا دروس اللغة العربية، وكان ترتيب ناصر الدين الأسد الأول طوال السنوات الأربع، وممن درس في هذه المدرسة حينئذ: إسحاق موسى الحسيني، وأحمد سامح الخالدي، ونيقولا زيادة. في القاهرة وجامعتها بعد تخرجه في الكلية العربية عام 1362هـ/ 1943م، عاد إلى عمان، وامتهن التدريس في مدارسها، وغادرها إلى القاهرة في العام التالي ملتحقا بجامعة فؤاد الأول (جامعة القاهرة الآن)، ولأنه كان من خريجي الكلية العربية التي كانت السنتان الأخيرتان فيها تعدان دراسة جامعة أولية، فقد أعفي من السنة الجامعية الأولى، والتحق بالسنة الثانية بقسم اللغة العربية، وكانت القاهرة حينذاك مركز الإشعاع العلمي الأول في الدول العربية، وملتقى المثقفين والأدباء، وكانت الحياة الأدبية تضج بمعاركها ومنتدياتها ومجلاتها الراقية، فتهيأت له فرصة التعرف إلى الحياة الثقافية ومواكبتها بكل أبعادها الأدبية والفكرية، كما شهد التغيرات الحادة التي ألمت بالحياة السياسية والاجتماعية. وتهيأ لناصر الدين في هذه المرحلة التعرف على أمثال العقاد وطه حسين وأمين الخولي وشوقي ضيف، وبعض هؤلاء تتلمذ على أيديهم، وحظي بعنايتهم وصداقتهم، واكتسب من روحهم ما ساعد على إنضاج تجربته، وصقل قدراته، وإغناء معرفته، كما كان له شرف صداقة العلامة محمود محمد شاكر. الدكتوراة في الشعر الجاهلي تخرج في قسم اللغة العربية عام 1366هـ/ 1947م، ولأنه كان الأول فقد منح جائزة الدكتور طه حسين لأول الخريجين بقسم اللغة العربية من جامعة القاهرة. وقد عانى ناصر الدين خلال سنوات دراسته عسر الحال وضنك العيش، واضطر أن يعمل طول دراسته الجامعية، فعمل حينا مترجما لهندي جاء يعد الدكتوراة في القاهرة، ومعه كتاب ديني طلب منه أن يترجمه له إلى العربية، ويقوم بالتعليق عليه ليكون رسالته الجامعية، وعمل حينا مراسلا لجريدة (الوحدة) التي كانت تصدر في القدس، وكانت تضم له في العدد الواحد أحيانا ثلاث مقالات ينشرها بأسماء مستعارة. عمل الأسد بعد تخرجه مدرسا في المدرسة الإبراهيمية بالقدس، وقدم برنامجا إذاعيا من الإذاعة العربية لمحطة الشرق الأدنى بعنوان "حديث الصباح"، لكنه ما كاد يستقر حتى أعلن قرار تقسيم فلسطين، فاضطربت أحوال البلاد، وعجت فلسطين بحركات المقاومة وقامت الحرب بين العرب واليهود عام 1367هـ/ 1948م، فعانى من محنة الانقطاع عن العمل شهورا، وهو رب أسرة تتكون من زوجته وطفله البكر، ثم سنحت له فرصة عمل في ليبيا، فقصدها مع اثنين من المعلمين المصريين وأسس معهما ومع بعض المعلمين الليبيين أول مدرسة ثانوية متوسطة في طرابلس. ثم خف إلى القاهرة عام 1368هـ/ 1949م لدراسة الماجستير، والتدريس في المدرسة الإنجليزية بمصر الجديدة، وحاز الماجستير من كلية آداب جامعة فؤاد الأول عام 1370هـ/ 1951م على أطروحته (القيان والغناء في العصر الجاهلي)، وظل يدرس في المدرسة الإنجليزية حتى عام 1373هـ/ 1954م، ثم فاز بالدكتوراة بتقدير ممتاز من جامعة القاهرة عام 1374هـ/ 1955م على أطروحته (مصادر الشعر الجاهلي وقيمتها التاريخية) وهو أول أردني نال الدكتوراة من جامعة القاهرة. منهجه العلمي يعد ناصر الدين الأسد من أبرز الدارسين العرب المحدثين الذين أخذوا أنفسهم بالمنهج العلمي في التزام عجيب، وإصرار صارم، ولعل ذلك يفسر قلة إنتاجه - نسبيا - إذا ما قورن ببعض لداته من الدارسين الذين لم يكن لديهم هذا الالتزام. ومن أبرز ملامح منهجه العلمي الموضوعية، فهو لا يبدأ بمسلمات ولا يحتكم إلى فروض مسبقة فيما يكتب، فهو يبحث الموضوع من جديد وكأنه الباحث الوحيد في هذا المجال، لا يشغل ذهنه بما قيل حوله من آراء، بل يبدأ بالحفر والتنقيب عن الأساس، ينقر عن موضوعه في المصادر الأصلية والثانوية، ويجمع مادته بعناية تامة، ثم إذا استوت لديه المادة المطلوبة، وأحاط بموضوعه من جميع جهاته، أخذ يوازن بين الآراء المطلوبة، ويرسم خطه الفكري الذي يمكن أن يقود إلى الرأي الراجح في نظره. وكذلك استقصاء المادة والتحقيق الدقيق للنصوص ودراستها والحذر، وكراهية التسرع والتعميم، وأمانته العلمية والتواضع في نتائج البحث، وقبوله النقد وترحيبه به، والحيدة والموضوعية في جهوده المتميزة في تراجم الأعلام. وجماع منهجه العلمي: استقصاؤه وإنصافه واعتداله، ودقته في البحث، ومقدرته على الاستدلال، ومناقشة الآراء ومحاكمة الأخبار، وهو في محاكمة الأخبار يقف موقف القاضي المنصف لا المحامي المتحيز، وإصداره التقاويم والنقد بأسلوب فريد، وعبارة مستقيمة، خارجة عن الفحش، بعيدة عن بذيء الكلام، وقد التزم هذا المنهج في كتبه كلها. حرب المصطلحات المصطلح في رأس ناصر الدين الأسد هو من أهم أدوات الغزو الفكري، وكثيرا ما يستعمل لتغريب الفكر، والمصطلح ليس مجرد تركيب حروف إنما هو مفهوم ومضمون ومصطلح، فإذا كانت اللغة أداة التفكير، فإن المفاهيم والمعلومات هي مادته. يقول في كتابه (نحن والعصر): "ويحسن بالكاتب أن يبدأ بفحص ألفاظه ومصطلحاته، وتحديد معانيها وتوضيحها، والتأكد من تأديتها المعنى الذي يريده وقدرتها على الوصول إلى السامع أو القارئ، ومخاطبة مراكز الفهم لديه. وشأن الكاتب في ذلك شأن صاحب الحرفة أو المهنة الذي يبدأ بتحديد أدواته وآلاته، وفحصها والتثبت من قدرتها على تأدية العمل المطلوب منها، فإذا لم يفعل الكاتب مثل ذلك تداخلت معاني الألفاظ، وغامت دلالاتها، وعجز المتلقي عن تحديد المقصود، ويصبح من الممكن استعمال اللفظ الواحد للدلالة على معان متعددة قد تختلف، بل قد تتناقض، وكذلك يصبح من الممكن استخدام النص في الفهم ثم التطبيق استخداما يختلف باختلاف أصحاب المصلحة فيها". ويرى أن للفظ دلالتين: دلالة لغوية ودلالة اصطلاحية، تتفقان حينا وتفترقان حينا أو تتباعدان، ولكن تبقى ظلال من الدلالة اللغوية في المصطلح، مهما تفترق الدلالتان. ويوضح أنه حتى يصبح الحق المتوهم حقا متمكنا، لا بد من تحسينه وتزيينه وحشد الحجج له، وإقامة البراهين عليه، ووضع الخطط والبرامج لإقناع النفس به، ثم إقناع الناس، وهو ما تفعله عادة وسائل الإعلام المتعددة، وأساليب التعبئة الفكرية والنفسية. ويؤكد أن حرب المصطلحات والألفاظ حرب حقيقية يخطط لها خبراء دعاة، وتسعر أوراها وكالات الأنباء من خلال وسائل الإعلام في الخبر والتحليل والتعليق وغيرها، ولا تلبث تكرر المصطلح حتى تشيعه بين الآخرين، ويستقر في عقولهم ونفوسهم، فتستكين له تلك العقول والنفوس وتخضع، ومن كثرة تكراراه تألفه وتأخذ هي في ترداده، مع أنه وضع أصلا وسيلة لغزو أولئك الآخرين، وغزو عقولهم ونفوسهم وإضعافها. ويرى أن المصطلح من أهم وسائل تغريبنا فكريا، ويضرب أمثلة على ذلك بمصطلح (الشرعية) الذي أصل معناه اللغوي: الوضوح والظهور والقرب. ثم أصبح (الشرع) مصطلحا بديلا عن القانون والأنظمة والمبادئ التي يشرعها من يملك التشريع، وأصبح المصطلح في الإسلام يرتبط بالله عز وجل، فالشرع والشريعة هي طريق الله ومنهاجه، وما سنه لعباده، وليس من حرج ديني في استعمال مصطلح التشريع؛ لما يسنه البشر من قوانين ومبادئ. ولكن ما أبعد هذا المصطلح أحيانا عن أصل معناه اللغوي، أو دلالته الدينية، فكثيرا ما يكون مناقضا للوضوح والظهور والقرب، حين يصبح أداة في يد أصحاب السلطة، يستخدمونه لتنظيم أساليب القهر لشعوبهم، تحت ستار من "سيادة القانون"، سواء أكانوا منفردين أم متعاونين مع مجالس نيابية غير سليمة الانتخاب، وغير سليمة التمثيل. هذا في الدول فرادى، أما المعاهدات والاتفاقات الدولية، فغالبا ما تكون بين فريقين غير متكافئين، ولا سيما في أعقاب الحروب حين ينشأ عنها غالب ومغلوب، فيملي الغالب شروطه في صورة معاهدة أو اتفاقية تسيطر على نصوصها روح الغلبة والزهو وإذلال المغلوب، فهل تصبح مع ذلك "شرعية"؟ وهل مقاومة معاهدة سايكس بيكو، ورفض ما نصت عليه من تجزئة الوطن الواحد إلى دويلات وكيانات هزيلة، يعد خروجا على "الشرعية" الدولية؟ و"الشرعية" هنا تسير في ركاب القوة والمصلحة ولا علاقة لها بالحق والعدل ولا بالشرع من حيث هو وضوح وظهور وقرب. بل إن الشرعية قد تتقمص الحق والعدل وترتدي مسوح الوضوح والظهور لتتنكر فيها وتخفي صورتها الحقيقية القائمة على القوة ولو كانت غاشمة، وعلى المصلحة ولو كان فيها إهدار لمصالح الآخرين. ولذلك فهي تلجأ إلى المصطلح الذي تجد فيه لفظا يزين المعنى القبيح الحقيقي، ويحسن صورته، أو يخفف من قبحه ونفور الأسماع والنفوس منه، ويكون ذلك بأن يقوم "مصممو أزياء لفظية وفكرية" مهرة بتفصيل أردية تغطي عيوب المعنى، وتبرز له محاسن مصطنعة، فوضعوا مثلا مصطلح "حقوق الإنسان" وهو مصطلح لا يملك أحد إلا أن يقبله ويدافع عنه، ولكن بعض الدول القوية تتخذه أحيانا ذريعة وستارا للتدخل في شئون الدول الأضعف وتغيير رؤسائها أو أنظمتها، وتأليب مواطنيها، وقد استعمل هذا المصطلح للتأثير في الاتحاد السوفييتي بهجرة اليهود منه. العروبة والإسلام سئل ناصر الدين الأسد عن القومية العربية فأجاب: "هذا موضوع خلافي، وأنا لا أريد أن أصطنع خصومة بين الإسلام والعروبة، أنا لا أقول قومية؛ لأن القومية إذا كنا فهمناها كما استوردها بعض رواد هذه القومية من أوروبا على النمط الأوروبي، فهذا لا شأن لي به، ولكن العروبة والإسلام أمران متلاحمان، حتى إنهما يكادان يكونان أمرا واحدا، ولا يجوز اصطناع هذه الخصومات المفتعلة بين الإسلام والعروبة، وأنا أعتقد أن كل مسلم هو عربي، على الأقل من ناحية الثقافة واللغة، لقد جاء في كتاب الله عز وجل {بلسان عربي مبين} (الشعراء: 195)، وأي مسلم يستهين بالعروبة يجرح إسلامه في جانب من الجوانب؛ لأنه يعتر�� على ما ورد في كتاب الله عز وجل. العروبة عندنا ليست عرقية بالمعنى الأوروبي الذي ظهر في الوحدة الإيطالية والألمانية.. الخ، ومن أجل ذلك يجب أن نتفاهم؛ لأن القضية خطيرة، فحينما لم تبرز مثل هذه المتناقضات بين الثنائيات، كان المغرب العربي كله لا يفرق بين مسلم وعربي، ولكن حين برزت فكرة القومية العربية العنصرية، برزت معها أيضا قوميات عنصرية أخرى في المغرب العربي، وقبل بروز العنصرية القومية عند بعض العرب لم يكن هناك شعور إلا شعور الإسلام والوحدة الإسلامية. لذلك يجب أن نتنبه لهذه المخاطر. العروبة ليست عنصرية، وليست قومية مستوردة من أمريكا، وإنما كما قيل: "العروبة عربية اللسان" فكل مسلم هو عربي، وكل عربي حتى لو كان نصرانيا هو مسلم ثقافة وحضارة، فإذا نجحنا في بلورة هذه المعاني وتوضيحها نصل إلى شيء كثير من التلاحم في المجتمعات العربية والإسلامية". ناصر الشاعر الشاعر - في نظره - هو قلب الأمة النابض. وما دامت الحياة مكتنفة جناحي الأمة يظل يخفق هذا القلب رامزا للحياة ومشيرا لبقاء الروح، ويقول ناصر الدين: "الشاعر مخلوق خصه الله تعالى بما لم يخص به سواه، وحباه بنعمتي الشعور الفياض والإحساس المرهف، وهما النعمة الكبرى.. فالشاعر إذا ما نظم كان مسوقا بعاطفته، مندفعا بشعوره، حر الرأي، صريح العقيدة، مرهف الإحساس، جيد التركيب، جزل الألفاظ، لا يهمه رضاء الناس، فحسبه أن يرضي نفسه، ويريح ضميره". ويرى أن الشعر فن، بل هو ذروة الفنون جميعها، وهو كما قال الراجز: الشعر صعب وطويل سلمه، وأن الشاعر لا يكون شاعرا إلا إذا تفرغ للشعر، شأنه في ذلك شأن الفنان، كذلك كان الشعراء العظماء في الجاهلية وفي جميع العصور الإسلامية حتى العصر الحديث، ومع ذلك وجد من بين العلماء من يقول الشعر. ولم ينقطع ناصر الدين عن قول الشعر، ولا تكاد تمر به أشهر قليلة دون أن يقول قصيدة في شجون النفس وشئون الحياة. ولما سئل عن تفكيره بجمع قصائده أجاب بأنه أمر يتوقف على رأي النقاد الذين يعرفهم ويثق بحكمهم. ويصرح في مقابلة صحفية أنه يعيش شخصين متناقضين في حياته الأدبية، أحدهما: عقلية صارمة حين يتعلق الأمر بالجهد الأكاديمي العلمي، والآخر: وجدانية صوفية شعرية، حين يتعلق الأمر بغير ذلك، ومنه الشعر بطبيعة الحال. ويقول في موضع آخر من الحديث: "في هذه البيئة - البادية العربية - كانت بذور الحياة الشعرية والعاطفية، وهي التي تكاملت بعد ذلك، فكلما اتصل الشاب بالشعر الجاهلي والشعر الأموي يحيط بهما ويعايشهما، فإن هذه القيم والمثل والمعاني التي يعبر عنها ذلك الشعر إنما هي من واقع الحياة التي نشأ فيها". كتبه: السيد الشامي موقع المكتبة الشاملة
0 notes
corridors-of-books · 9 years
Text
التحقيق : من كتاب تحقيق النصوص ونشرها
التحقيق: هذا هو الاصطلاح المعاصر١ الذي يقصد به بذل عناية خاصة بالمخطوطات حتى يمكن التثبت من استيفائها لشرائط معينة. فالكتاب المحقق هو الذي صح عنوانه، واسم مؤلفه، ونسبة الكتاب إليه، وكان متنه أقرب ما يكون إلى الصورة التي تركها مؤلفه. وعلى ذلك فإن الجهود التي تبذل في كل مخطوط يجب أن تتناول البحث في الزوايا التالية: ١- تحقيق عنوان الكتاب. ٢- تحقيق اسم المؤلف. ٣- تحقيق نسبة الكتاب إلى مؤلفه. ٤- تحقيق متن الكتاب حتى يظهر بقدر الإمكان مقاربا لنص مؤلفه. وبديهي أن وجود نسخة المؤلف -وهو أمر نادر ولا سيما في كتب القرون الأربعة الأولى- لا يحوجنا إلى مجهود إلا بالقدر الذي نتمكن به من حسن قراءة النص. نظرًا إلى ما قد يوجد في الخط القديم من إهمال النقط والإعجام، ومن إشارات كتابية لا يستطاع فهمها إلا بطول الممارسة والإلف. وهذا الأمر يتطلب عالما في الفن الذي وضع فيه الكتاب، متمرسا بخطوط القدماء. وبهذه المناسبة أذكر أن إهمال النقط والإعجام قد امتد شيء منه إلى قرون متأخرة، فالناظر في خط ابن حجر -وهو من علماء القرن التاسع- يرى هذا الإهمال بوضوح تام. ---- ١- أصل التحقيق من قولهم: حقق الرجل القوم: صدقه، أو قال هو الحق. والجاحظ يسمى العالم المحقق "محقا"، جاء في رسالة فصل ما بين العداوة والحسد. من رسائل الجاحظ بتحقيق عبد السلام هارون: "إنه لم يخل زمن من الأزمان فيما مضى من القرون الذاهبة إلا وفيه علماء محقون قرءوا كتب من تقدمهم ودارسوا أهلها" ثم قال: "واتخذهم المعادون للعلماء المحقين عدة". والاحقاق: الإثبات، يقال أحققت الأمر إحقاقا، إذا أحكمته وصححته".
0 notes
corridors-of-books · 11 years
Text
شخصية اليوم: خير الدين الزركلي
هو خير الدين بن محمود بن محمد بن علي بن فارس الزركلي الدمشقي، ولد في بيروت في ٢٥ حزيران ١٨٩٣م حيث كان والده تاجراً هناك، والده وأمه دمشقيان. نشأ الزركلي في دمشق، وتعلم في مدارسها الأهلية، وأخذ عن معلميها الكثير من العلوم خاصة الأدبية منها، كان مولعا في صغره بكتب الأدب، وقال الشعر في صباه. أتم دراسته (القسم العلمي) في المدرسة الهاشمية بدمشق، ثم عمل فيها مدرساً بعد التخرج، كما أصدر مجلة (الأصمعي) الأسبوعية فصادرتها الحكومة العثمانية. انتقل إلى بيروت لدراسة الآداب الفرنسية في الكلية العلمانية (اللاييك) ، بعد التخرج عين في نفس الكلية أستاذاً للتاريخ والأدب العربي. بعد الحرب العالمية الأولى، أصدر في دمشق جريدة يومية أسماها (لسان العرب) إلاّ أنها أُقفلت، ثم شارك في إصدار جريدة المفيد اليومية وكتب فيها الكثير من المقالات الأدبية والاجتماعية. على أثر معركة ميسلون ودخول الفرنسيين إلى دمشق حُكم عليه من قبل السلطة الفرنسية بالإعدام غيابياً وحجز أملاكه إلاّ إنه كان مغادراً دمشق إلى فلسطين، فمصر فالحجاز. سنة ١٩٢١م تجنس الزركلي بالجنسية العربية في الحجاز، وانتدبه الملك حسين بن علي لمساعدة ابنه (الأمير ��بد الله) بانشاء الحكومة الأولى في عمّان، حيث كلّف مفتشاً عاماً لوزارة المعارف ثم رئيساً لديوان الحكومة (١٩٢١ـ ١٩٢٣) . ألغت الحكومة الفرنسية قرار الإعدام على الزركلي فرجع إلى سورية، ومن ثم غادرها إلى مصر، وهناك أنشأ (المطبعة العربية) حيث طبع فيها بعض كتبه وكتباً أخرى. أصدر في القدس مع رفيقين له جريدة (الحياة) اليومية، إلاّ أن الحكومة الإنجليزية عطّلتها فأنشأ جريدة يومية أخرى في (يافا) ، واختير عضواً في المجمع العلمي العربي بدمشق سنة ١٩٣٠. عينه الأمير فيصل بن عبد العزيز آل سعود سنة ١٩٣٤ مستشاراً للوكالة ثم (المفوضية) العربية السعودية بمصر، كما عُيّن مندوباً عن السعودية في مداولات إنشاء (جامعة الدول العربية) ، ثم كان من الموقعين على ميثاقها. مثّل الأمير فيصل آل سعود في عدة مؤتمرات دولية، وشارك في الكثير من المؤتمرات الأدبية والاجتماعية، وفي عام ١٩٤٦م عين وزيراً للخارجية في الحكومة السعودية متناوباً مع الشيخ يوسف ياسين، وكذلك متناوباً معه العمل في جامعة الدول العربية، واختير في نفس العام عضواً في مجمع اللغة العربية بمصر. عام ١٩٥١م عين وزيراً مفوضاً ومندوباً دائماً لدى جامعة الدول العربية، فاستقر في مصر، وهناك باشر بطبع مؤلفه (الأعلام) . من عام ١٩٥٧م وحتى عام ١٩٦٣، عين سفيراً ومندوباً ممتازاً (حسب التعبير الرسمي) للحكومة السعودية في المغرب كما انتخب في المجمع العلمي العراقي سنة ١٩٦٠. منحته الحكومة السعودية بسبب مرض ألمّ به إجازة للراحة والتداوي غير محدودة، فأقام في بيروت وعكف على إنجاز كتاب في سيرة عاهل الجزيرة الأول (الملك عبد العزيز آل سعود) وأخذ يقوم من حين لآخر برحلات إلى موطنه الثاني السعودية ودمشق والقاهرة وتركيا وإيطاليا وسويسرا. قام برحلات إلى الخارج يذكر أنها أفادته كثيراً. ـ إلى إنجلترا سنة (١٩٤٦) ومنها إلى فرنسا، ممثّلا للحكومة السعودية في اجتماعات المؤتمر الطبي الأول في باريس. ـ إلى الولايات المتحدة الأمريكية سنة (١٩٤٧) بمهمة رسمية غير سياسية، حضر خلالها بعض اجتماعات هيئة الأمم المتحدة. ـ إلى أثينا العاصمة اليونانية سنة (١٩٥٤) بصفة (وزير مفوض ومندوب فوق العادة) وجعل طريق عودته منها إلى استنابول لزيارة بعض مكتباتها. ـ إلى تونس سنة (١٩٥٥) مندوباً لحضور مؤتمر أقامه الحزب الدستوري فيها، ومنها إلى إيطاليا لزيارة أهم مكتباتها. كان شاعراً مجيداً، ومؤرخاً ثقة، ويكفيه أنه صاحب الأعلام. قام خير الدين الزركلي في مصر بدور مميز في تنفيذ المهمات القومية السياسية والإعلامية، وذلك من خلال اللقاءات والاجتماعات وكتابة المقالات ونشر الأشعار القومية والوطنية. وتناول الزركلي المستعمرين وأذنابهم بنبرة حادة خشيها الفرنسيون في سوريا كثيراً، فحكموا عليه غيابياً بالإعدام وبحجز أملاكه، وقد تلقى الزركلي النبأ برباطة جأش وقال: نذروا دمي حنقاً علي وفاتهم أن الشقي بما لقيت سعيد الله شاء لي الحياة وحاولوا ما لم يشأ ولحكمه التأييد وعندا انطلقت الثورة السورية عام ١٩٢٥م، انطلقت ثورة الزركلي الشعرية بكل لهيبها وروحيتها العربية، فأخذ ينظم القصائد ويرسلها إلى دمشق إماّ منشورة على صفحات الجرائد المصرية، وإماّ بوسائل النقل الأخرى، فأصبحت أبيات قصائده الوطنية على ألسنة الناس يتغنون بها في شوارع المدن السورية. وكانت ردود الفعل الفرنسية أقوى من ردود فعلها عام ١٩٢٠م فأذاعت حكماً عليه ثانياً غيابياً بالإعدام، وطالبت الحكومة المصرية بإسكاته أو طرده من مصر غير أن الزركلي لم يكترث وظل يرسل قصائده الوطنية من القاهرة سراً، شاحذاً همم العرب حتى لا يسكتوا على الاستعمار ولا يتوانى أحدهم عن النضال. يقول: تأهبوا لقراع الطامعين بكم ولا تغركم الآلاء والنعم كان الزركلي يراقب ويتابع أحداث وطنه من بعيد، لذلك نراه يشارك إخوانه آلامهم حين ضربت دمشق بالقنابل عام ١٩٢٥م، فيقول في قصيدته (بين الدم والنار) : الأهل أهلي والديار دياري وشعار وادي النيربين شعاري ما كان من ألم بجلق نازل وأرى الزناد فزنده بي واري ويحس الزركلي أن دم الثوار الذي يراق في دمشق هو دمه، فيقول: إن الدم المهراق في جنباتها لدمي وأن شفارها أشفاري دمعي لما منيت به جار هنا ودمي هناك على ثراها جاري بنى الزركلي علاقات حميمة مع الكتاب والشعراء والمفكرين في مصر، من منطلق أهمية الكلمة التحضيرية في تعزيز الشعور الوطني والقومي في نفوس الجماهير العربية التي تعيش الهم القومي بكل جوانبه من هؤلاء الشاعر أحمد شوقي الذي ألقى قصيدته في حفل أقيم في القاهرة عام ١٩٢٦، لإعانة منكوبي سوريا حين قامت بالثورة ضد المستعمر الفرنسي والتي مطلعها: سلام من صبا بردى أرقّ ودمع لا يكفكف يا دمشق يشخص الزركلي صورة الدأب العلمي المنتج في كتابه الأعلام الذي جمع فيه فأوعى فكان بحق أيسر وأشمل معجم عربي مختصر في تاريخ الرجال. فكان الزركلي في حياته مثالاً: للثائر والشاعر والباحث. في الخامس والعشرين من تشرين الثاني عام ١٩٧٦، توفي أبو الغيث خير الدين الزركلي. له من المؤلفات: ـ كتاب (ما رأيت وما سمعت) ، سجل فيه أحداث رحلته من دمشق إلى فلسطين فمصر فالحجاز. ـ الجزء الأول من ديوان أشعاره، وفيه بعض ما نظم من شعر إلى سنة صدوره (١٩٢٥) . كتاب (عامان في عمّان) ، مذكرات الزركلي أثناء إقامته في عمّان وهو في جزآن. ـ ماجدولين والشاعر، قصة شعرية قصيرة. ـ كتاب شبه الجزيرة في عهد الملك بن عبد العزيز. ـ كتاب (الأعلام) ، وهو قاموس تراجم لأشهر الرجال والنساء من العرب والمستعربين والمستشرقين يقع في ثمانية مجلدات. ـ الملك عبد العزيز في ذمة التاريخ. ـ صفحة مجهولة من تاريخ سوريا في العهد الفيصلي. ـ الجزء الثاني من ديوان أشعاره (١٩٢٥ـ ١٩٧٠) . ـ قصة تمثيلية نثرية أسماها (وفاء العرب) . هذه المعلومات أخذت بتصرف عن: ـ (الأعلام) ، خير الدين الزركلي، دار العلم للملايين، بيروت، الطبعة العاشرة، ١٩٩٢، ح٨/ (٢٦٧ـ ٢٧٠) . ـ (معجم أعلام المورد) ، منير البعلبكي، دار العلم للملايين، بيروت، طبعة أولى ١٩٩٢، ص (٢٢٠) . المصدر: مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والإستراتيجية
0 notes
corridors-of-books · 11 years
Text
من كتاب: تحقيق النصوص ونشرها؛فحص النسخ
يواجه فاحص المخطوطة جوانب شتى يستطيع بدراستها أن يزن المخطوطة ويقدرها قدرها. ١- فعليه أن يدرس ورقتها ليتمكن من تحقيق عمرها، ولا يخدعه ما أثبت فيها من تواريخ قد تكون مزيفة. ومما يجب التنبه له أن ليست آثار العث والأرضة والبلى تدلى دلالة قاطعة على قدم النسخة، فإننا نشاهد تلك الآثار في مخطوطات قد لا يتجاوز عمرها خمسين عامًا، كما رأينا بعضًا من المخطوطات الحديثة يزورها التجار بطريقة صناعية حتى يبدو روقها قديما باليًا. ويرى القفطي أن ابن سينا صنع ثلاثة كتب أحدها على طريقة ابن العميد، والثاني على طريقة الصاحب، والثالث على طريقة الصابي، وأمر بتجليدها وأخلاق جلدها، لتجوز بذلك على أبي منصور الجبان. ولا ريب أن هذا التزييف قصد به المزاح، ولكنه يدلنا على أن التاريخ يحمل في بطونه دلائل على حدوث التزييف. ٢- وأن يدرس المداد فيتضح له قرب عهده أو بعد عهده. ٣- وكذلك الخط، فإن لكل عصر نهجا خاصا في الخط ونظام كتابته يستطيع الخبير الممارس أن يحكم في ذلك بخبرته. ٤- وأن يفحص اطراد الخط ونظامه في النسخة، فقد تكون النسخة ملفقة فيهبط ذلك بقيمتها أو يرفعها. ٥- وعنوان الكتاب وما يحمل صدره من إجازات وتمليكات وقراءات. ٦- كما أنه يجد في ثنايا النسخة ما يدل على قراءة بعض العلماء أو تعليقاتهم. ٧- وأن ينظر إلى أبواب الكتاب وفصوله وأجزائه حتى يستوثق من كمال النسخة وصحة ترتيبها. وكثير من الكتب القديمة يلتزم نظام "التعقيبة"، وهي الكلمة التي تكتب في أسفل الصفحة اليمنى غالبا لتدل على بدء الصفحة التي تليها، فيتتبع هذه التعقيبات يمكن الاطمئنان إلى تسلسل الكتاب. ٨- وأن ينظر في خاتمة الكتاب لعله بتبين اسم الناسخ وتاريخ النسخ وتسلسل النسخة. وهذه هي أهم الجوانب الجديرة بعناية الفاحص، وقد يجد أمورا أخرى، تعاونه على تقدير النسخة، فلكل مخطوط ظروف خاصة تستدعي دراسة خاصة.
0 notes
corridors-of-books · 11 years
Text
من كتاب المعارك الأدبية: تمصير اللغة العربية
بين مصطفى صادق الرافعي ولطفي السيد: هذه معركة من أخطر المعارك التي واجهت اللغة العربية، ومن أقدم المعارك الأدبية، فقد حمل لطفي السيد عام ١٩١٣ في الجريدة لواء الدعوة إلى تمصير اللغة العربية فكتب أكثر من سبع مقالات في خلال شهري أبريل ومايو ١٩١٣ وكتب عدد من تلاميذه مقالات متعددة كهيكل وطه حسين وغيرهما. ولقد كانت مداخل البحث عند لطفي السيد بارعة دقيقة، فهو لم يفاجئ القارئ في هذا الوقت المبكر بالحملة على اللغة العربية، أو الدعوة إلى ترك الكتابة بها إلى العامية، وإنما تسلل إلى ذلك بطريقة فيها كثير من المداورة، وقد لخصنا هنا عبارته تلخيصا أمينا حتى تبرز صورة التيار الذي جرى فيه القاضي وليم موير من قبل وقاسم أمين ووليم ولكوكس وسلامة موسى من بعد. ولقد وقف عبد الرحمن البرقوقي ومصطفى صادق الرافعي لهذه الدعوة موقفا حماسيا جريئا حملا فيه لواء الاتهام مؤمنين بأن القضاء على اللغة قضاء على مقدسات الفكر العربي والإسلامي. ولقد كان للغة العربية قضية طويلة عريضة، ومعارك متعددة، بين حماتها وخصومها، وكان للدعوة التغريبية التي كانت تجتاح العالم العربي في فترة ما بين الحربين أثرها في محاولة خلق لغات إقليمية مصرية وسورية وعراقية ومغربية للقضاء على اللغة العربية وإدخالها إلى المتحف أسوة باللغة اللاتينية. ولكن هذه المحاولات المتعددة فشلت وانتصرت اللغة العربية وبقيت. آراء لطفي السيد في تمصير اللغة العربية: ١- لغتنا واسعة في القاموس ضيقة في الاستعمال، مخصبة في المعاني والمسميات القديمة، مجدبة في المعاني الجديدة والاصطلاحات العلمية قد انقطع رقيها من قرون طويلة فوقفت عند الحد الذي وصلت إليه أيام النهضة العباسية، فهي الآن لأننا هجرناها في المحادثة إلى لهجة غير مصرية ولحن غير مغتفر صارت تراكيبها غير مصقولة على الألسن ولا حية بالاستعمال. ٢- الأوتومبيل والبسكليت والجاكيته والبنطلون والجزمة والمودة؛ كل هذه الأسماء ما ذنبها حتى تهجر في الكتابة إلى غيرها من الألفاظ التي نحاول انتحالها مع التكلف لنعبر بها عن هذه المسميات؟ إن هذه الأسماء الأعجمية وأمثالها قد دخلت لغتنا دخولا تاما واستعملت استعمالا شائعًا بحيث لا نستطيع أن نضع لها ولغيرها من المسميات الجديدة أسماء جديدة لا يعتد بها ولا يستعملها إلا بعض الكتاب، إننا لو اخترعنا أسماء للمسميات الجديدة لنستعملها في الكتابة وحدها من غير أن تدخل في أحاديث العوام ولا في أحاديث الخاصة أنفسهم، ولكنا عاملين بذلك على توسيع مسافة الفرق بين لغة الكتابة ولغة الكلام وذلك مؤخر للغة البيان والفصاحة، للتقدم من جميع الوجوه. ولا أراني أعرف سببا في الرغبة عن المألوف المشهور إلى ابتكار غيره إلا حب الإغراب، وإلا فما الذي ينفعنا من زيادة الأزمة اللغوية حرجا وإدخال التعقيد على البيان العربي الموجود بالفعل والذي نستعمله نحن أبناء اللغة وأبناء العرب؟ سيقال: إننا في جيل إحياء اللغة بعد مواتها فعلينا أن ننحت من اللغة وعلى موازين اللغة أسماء للمسميات الجديدة حتى لا ندخل الغريب في لغتنا. هذا كلام طيب، ولكن لدينا لإحياء اللغة العربية وجعلها لغة العامة، ينطقونها صحي��ة معربة كما كان يفعل آباؤنا الأولون، لدينا عقبات لا يسهل تخطيها فلو حاولنا التمسك بالكمال والتزمنا في إحياء اللغة هذا التخرج المتعب، وقسمنا مجهودنا بعضه لتصحيح بناء الكلمات التي فسد بناؤها على لسان العوام، وبعضه لإصلاح الأسلوب العربي وبعضه لتعليم الإعراب وضبط أواخر الكلمات على قواعد اللغة لأضعنا مجهودنا الموزع من غير أن تجيء فائدة كبرى، وأضعنا الوقت في الاشتغال باللغة عن نتائج البيان وهي العلوم والمعارف، ويكفينا أن نتمسك بشخصية لغتنا والمحافظة على الموجود منها إلى الآن في الاستعمال اليومي ونحيي قواعد الإعراب. في لغتنا أسماء أعجمية كثيرة جدًا لم يخل وجودها بالفصاحة ولا بالبلاغة فإن بعضها قد وجد في القرآن وهو المعجز بفصاحته وبلاغته إلى الأبد. بل لقد أخذ آباؤنا بعض الألفاظ الأعجمية واستعملوها مع وجود مرادفها في اللغة العربية ثم هجروا العربي وقصروا استعمالهم على الأعجمي. واجبنا أن نطرح هذه المشاعر الساذجة؛ مشاعر الامتعاض من استعارة الأسماء ال��جنبية للغتنا. لذلك نرفع النصيحة لزملائنا الكتاب أن يتساهلوا في قبول المسميات الأوربية ويدخلوها في الاستعمال الكتابي كما أدخلها الجمهور في المخاطبة. ٣- الأسماء الجديدة ما لها، لو أخذناها "ذي ما هيه" فنيت في لغتنا واتبعت أوزانها وجرت عليها أحكام الإعراب فأصبحت عربية بالزمان. ما لنا لا نعتبر لغتنا كالعلم نزيد عليها كل جديد بمقدار الحاجة؟ ما لنا لا نزيد على أسمائها أسماء المخترعات الحديثة في العلم وفي الفنون والصناعة والتجارة؟ نحن نعمل ذلك بالفعل ولكننا نذكره بالقول. فالذين يأبون علينا إدخال الضروري من الكلمات الأجنبية يكتبون بأيديهم "التلغراف" و"التليفون" بغاية السهولة، كما يكتبون "الورد" الذي هو ليس عربيا, والأمة سائرة على هذا النمط من التطور فهي تعرف الكمبيالة ولا تعرف "السفتجة" ولا يقف في طريقها عائق، غير أن خمسة أو ستة من الكتاب هم الذين لا يريدون الاعتراف بهذه الحقيقة وتقف أقلامهم عند كتابة أسماء المخترعات الحديثة إذا لم يجدوا تسمية سعيدة. اللغة ملك الأمة وللكتاب الحرية في الزيادة عليها بأساليب جديدة وألفاظ جديدة إذا قبلها الجمهور وراجت وأصبحت من لغة الأمة. سيقولون: هذا المبدأ يدعو إلى الفوضى، ربما كان ذلك، ولكن الفوضى واقعة لا محالة في زمن الانتقال الشديد الذي نحن فيه, ولا بأس بالفوضى إذا كانت لازمة لحال التطور وصارفة لنا عن هذا الجمود الذي نحن فيه. سيقولون: وما الذي يمنع من تأليف المجمع اللغوي من اليوم؟ نقول: إن كل عمل عام لا تقتضيه حاجة الأمة اقتضاء تاما إنما هو عمل صناعي عقيم النتيجة، وقد تألف المجمع اللغوي ثلاث مرات ولم يفلح فكان فشله دليلا على أنه غير ضروري لحياة الأمة أو على الأقل إن الأمة لا تراه ضروريا لها الآن؛ وإلا لحكم له بالبقاء. إن الخروج باللغة من جمودها إلى طور جديد لا بد فيه من الفوضى الموصلة إلى الطور الراقي المتفق مع أطماع الأمة عن التقدم في كل شيء إلى الأمام. لا حرج على الكاتب أو المترجم أن يستعمل من الألفاظ ما شاء لما شاء من المعاني وكلما توسع الكاتب في استعمال ألفاظ كثيرة كان ذلك إحياء بذلك عامل من عوامل الجامعة الإسلامية والثاني أن تصحيح الألفاظ العامية المصرية واستعمالها في الكتابة معطل للغة العربية الفصحى. إننا لسنا من أنصار هذه الجامعة المتخيلة بوصف كونها دينية لاقتناعنا بأن أساس الأعمال السياسية هو الوطنية وروابط المنفعة. ما نقترحه ليس من شأنه أن يعطل اللغة العربية الفصحى بل يزيدها فصاحة ويسرع في تطورها ولا يبقى منها إلا استعمال ألفاظ لا حاجة لنا بها ولا مانع يمنع من استعمالها في الشعر عند الوزن. الرد على لطفي السيد: ١- رد عبد الرحمن البرقوقي صاحب مجلة البيان: ليس من ينكر على الأستاذ الكبير أحمد لطفي السيد مدير الجريدة الغراء عبقريته ونبوغه وأنه من الأفذاذ المعدودين. وقد يعرف قراء البيان ما أثارته براعته الجبارة منذ ثلاثة أشهر حول مسألة اللغة والأخذ والرد الذي دار بينه وبين معارضيه والشجار الذي استطار بين الفريقين وامتد ومع ذلك انتهى إلى حيث ابتدأ شأن كل مسألة يتنازعها والمستقبل وحده هو الكفيل بفصل الخطاب وحل الإشكال فيها. أما المسألة فمنها ما يدور حول الأسلوب الكتابي وهل الرأي أن يكون أسلوبنا كأسلوب العرب الأولين؛ أسلوب الشعر الجاهلي والقرآن والحديث. أو أن نكتب بأسلوب مصبوغ باللون الأمي فيكتب المصريون بلغة مصرية يشترك في فهمها خاصة المصريين وعامتهم. هذا أحد شطري المسألة وشطرها الآخر يدور حول المفردات التي يتألف منها الأسلوب وهذا يتشعب إلى مسألتين خلافيتين أولاهما: هل نضع للمسميات الحديثة أسماء عربية في مبادئها وأوزانها أو ننقل أسماء هذه المسميات من لغتنا الأجنبية بعد تهذيبها وجعلها بحيث لا تناكر الأوزان العربية, وقد رأيت أن من واجب "البيان" الذي رصد نفسه للغة العربية وأدبها أن يخوض في هذا الموضع الهام مع الخائضين، وهذه كلمة صديقنا النابغ الأديب السيد مصطفى صادق الرافعي. تمصير اللغة؛ رد على لطفي السيد بقلم مصطفى صادق الرافعي : نريد بهذا التمصير ما ذهبت إليه أوهام من الفضلاء يرون أن تكون هذه اللغة التي استحفظوا عليها مصرية، بعد أن كانت مضرية وأن تطرد لهم مع النيل بعدد الترع عداد القرى حتى ترسل الكلمة من الكلام فلا يجهلها في مصر جاهل ويصدر الكتاب من الكتب فيجري من أفهام القوم في طريقة واحدة ويأخذ منهم مأخذا معروفا غير متباين بعضه من بعض ولا ملتو على فئة دون فئة. ومن ثم يزين لهم الرأي أنه لا يبقى في هذا الجم الغفير، من علمائنا وكتابنا وأدبائنا من لا يعرف أين يضع يده من ألفاظ اللغة ومستحدثاتها إذا هو كتب أو مصر عن لغة أجنبية. ولا نقول عرب فإن هذه بالطبع غير ما نحن فيه، بل يأخذ من تحت كل لسان ويلقف عن كل شقة ولا يبعد في التناول إلى مضطرب واسع ولا يمضي حيث يمضي إلا مخففا عن هذه القواعد وتلك الضوابط العربية إذ تتهاون يومئذ العدوتان: هذه العامية وهذه الفصحى وتصلحان بينهما صلحا أن لا ترفع إحداهما في وجه الأخرى قلمًا ولا لسانًا. وعلى أن تبيح كلتاهما للثانية حرية الانتفاع بما يشبه حرية التجارة إلا في المواد المضرة التي يعبر عنها دعاة السياسة اللغوية بالألفاظ العامة المبتذلة والألفاظ العربية الغريبة، ثم على أن لا تحفل إحداهما ما تركت الأخرى سوى ذلك فتستمر العامية على ما هي وتذهب الفصحى على وجهها. إنما تلك آراء كان يتعلق عليها بعض فتياننا إفراطا في الحمية ومبالغة في الحفيظة لمصر وأملا مما يكبر في صدورهم على ما ترى من تهافتها وضعف تصريفها. فكان ذلك عذر العقلاء إذا مروا بها لماما وتروحوا بالإعراض عنها سلاما حتى تناولها الأستاذ مدير الجريدة فحذفها وسواها وأخرج منها طائفة من الرأي تصلح أن تسمى عند الممارضة رأيا فقال بالإصلاح بين العامية والفصحى على طريقة تجعل هذه تغتمر تلك، وتحيلها إليها، فسعى أن يأبى لا تكون العامية فيه شيئا مذكورا. إن مجم هذا الرأي ومستجمعه أن الأستاذ يرى "أخذ أسماء المستحدثات من اللغة اليومية" وإمرارها على الأوراق العربية بقدر الإمكان فإن لم يكن لها ثمت أسماء فمن معاجم اللغة وكتب العلم إن هذه عنده دون اللغة اليومية فإن لم يصب ذلك في هذه أيضًا وضع لها الواضع ما شاء، وإن استعمال مفردات اللغة وتراكيبها إحياء للغة الكلام وإلباسها لباس الفصاحة. هذا هو محصل رأي الأستاذ؛ فإن طال عليك ذلك السر وبرمت به جملة فإن لك أن تدمجه في كلمتين, ذلك أن الأستاذ يرى "تمصير اللغة" لأننا إذا تابعناه فإنما نلمس كل ما أشار إليه من العامية المصرية وحدها ونعطي هذه العامية سعة أنفسنا وبذل أقلامنا فنلبسها الفصيح ونخلط منهما عملا صالحا وآخر سيئا. ولعل هذا الرأي أن يشيع من ناحيتنا ويطمئن في كل أمة لها عربية فتأخذ مأخذها في عاميتها وتنزع إلى ما تذعن إليه فإذا أمكن أن يتفق ذلك وأن تتوافى عليه الأمم كان لعمري أسرع في فناء العربية وجدا عليها شؤم هذا الرأي ما لا يجدوا تآلب الأعداء لو استأصلوا أهلها وبلغ منها ما لا يبلغه الفاتحون ولو ملكوا تلك الأرض كلها ثم نحن نتسامح في استعمال المفردات والتراكيب العامية وسينقاد لذلك من بعدنا، ثم من بعدهم إلى أجيال بعيدة ويتراخى بعضنا عن بعض فيوشك أن يأتي يوم تكون فيه تلك اللغة الفصحى ضربا من اللغات الأثرية في كتابها الكريم لأننا لا ننظر في الترخص منه الآن من كلمات معدودة صدرت بها "قرارات الأمة" أن لا تزال على وجه الدهر عامية ولكننا ننظر إلى الأصل في قاعدة التسامح والترخيص فإذا ثبتناه وأخذ به غيرنا ولم يكن عندنا لذلك نكير فما أشبه ما أن تكون كالقاعدة الاستعمارية التي تبتدئ بالتسامح للمستعمرة والغزاة في أخذ الشيء القليل ثم ينتهي بالتسامح في كل شيء. - لا نفهم كيف يكون إحياء العربية باستعمال العامية وكيف نروض لغة القرآن التي تأبى إلا أن تتقيد بها اللهجات الأخرى كما محت من قبل لغات الغرب جميعها على فصاحتها وقوة الفطنة في أهلها وردتها إلى لغة واحدة هي القرشية ثم نرضى من جهة أخرى هذه اللهجات العامية التي تأبى أن تتقيد بشيء. - إذا حاولنا مذهب الإصلاح العامي فليت شعري أي لهجة نأخذ وأي لهجة في مصر هي غير مصرية فننبذها. - نحن لا نماري في وجوب الإصلاح اللغوي ووجوب أن يكون للغة في هذه النهضة مجمع يحوطها ويضع لها ولو على الأقوال كمصلحة الكنس والرش ولا نقول إن هذه اللغة كاملة في مفرداتها. إنه لا يقيضنا من اللغة شيء وهي على ما هي من أحكام الأوضاع والتراكيب والاتساع للمفردات، ولو أقبلت كأعناق السيل ولكن يقتضي هذه اللغة رجال يعملون ويحسنون إذا عملوا. على أنه إن يكن في رأي التمصير خير فليس يقوم خيره بشؤمه، وهب أن أمرًا من ذلك كائن، وأننا أجرينا التراكيب العامية في الفصيح، أقحمنا مفردات القوم في اللغة، ومكنا للعامة على ما يتوهمون من مقاليد الكلام وأتبعناه مقادتهم، فما أجداه ذلك عنهم، وماذا يرد على الأمة! لا سبيل لتمصير العربية واعتبار هذه المصرية أصلا لغويا مجمعا عليه إلا بتمصير الدين الإسلامي الذي يقوم على هذه العربية، فإن بعض ذلك سبب طبيعي إلى بعضه فمن كشف لنا عن الوجه الذي يكون به الدين مصريًا وطنيا بأسباب ذلك ونتائجه قلنا له: أخطأنا وأصبت {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ} .
1 note · View note
corridors-of-books · 11 years
Text
ابن قتيبة الدينوري: ٢١٣ - ٢٧٦هـ
إن الذي يذكر الجاحظ وعلمه وفضله وكتبه لا يستطيع أن يقف عنده، بل لا بد له أن ينطلق مباشرة إلى عالم آخر من علماء العربية ومفكر من مفكري الإسلام ومؤلف واسع الباع عميق الإدراك متشعب الثقافة متنوع أسباب المعرفة، هو أبو محمد عبد الله بن مسلم المعروف بابن قتيبة الدينوري. وإنما يذكر ابن قتيبة إذا ذكر الجاحظ لأن الجاحظ كان مفكر المعتزلة وخطيبهم، وابن قتيبة خطيب أهل السنة ومفكرهم. ومن هنا قيل إن ابن قتيبة لأهل السنة مثل الجاحظ للمعتزلة. وابن قتيبة لم يعمر طويلًا كما عمر الجاحظ وإنما كانت حياته ثلاثًا وستين سنة مليئة بالعلم والمعرفة والإنتاج، فقد ولد ببغداد سنة ٢١٣هـ إلا أنه سكن الكوفة بعض الوقت وتوفي ببغداد على أرجح الروايات سنة ٢٧٦هـ. وإذا كان الجاحظ قد ألف خلال القرن الذي عاشه ثلاثمائة وستين كتابًا، فإن ابن قتيبة قد ألف ثلاثمائة كتاب أكثرها من المستوى الرفيع الذي تزدان به المكتبة العربية ويتشرف به الفكر الإسلامي. لقد كان ابن قتيبة واسع العلم رحب الفكر ثقة دينًا فاضلًا، ولذلك فإن أهل المغرب قد تعصبوا للإمام مالك فقالوا: من استجاز الوقيعة في ابن قتيبة يتهم بالزندقة؛ ذلك لأن كثرة من أعدائه وحاسديه قد نسبوا إليه أمورًا تنال من إيمانه ولم يكن الرجل من هذه التهم في شيء، الأمر الذي جعل المغاربة لا يتعصبون له وحسب بل يتبركون به ويقولون: كل بيت ليس فيه شيء من تصنيف ابن قتيبة لا خير فيه. ولعل السبب الأكبر في ذلك هو أن ابن قتيبة قد ألف أكثر من كتاب عن القرآن والحديث يرد فيه على بعض انحرافات الفلاسفة وعلماء الكلام. ومن الأمور التي تدعو إلى الإعجاب أن ابن قتيبة -على كثرة ما ألف ونفاسة ما كتب- لم يكن متفرغًا للكتابة والتأليف كل الوقت، بل إنه اشتغل بالقضاء فترة من حياته في مدينة دينور وهو من أجل ذلك قد لصق به لقب الدينوري. لقد كان ابن قتيبة دائرة معارف بشخصه تمامًا كما كان الجاحظ الذي لا نستبعد أن يكون رآه، إذ إنه في السنة التي توفي فيها الجاحظ كان ابن قتيبة يناهز الأربعين عامًا. ومعنى ذلك أنه كان يقرأ للجاحظ وإن اختلف معه في جوهر التفكير الديني، ولكنهما من حيث طرق أبواب المعرفة والتأليف فيها نجد لكل منهما أثرًا علميًّا في الموضوع الواحد، فكلاهما كتب عن القرآن والقراءات وعن الحديث، وإن اختلف مفهوم كل منهما عن الآخر. وكلاهما ألف في الأدب والنقد والحيوان، وإن كان ابن قتيبة مال إلى التخصص فألف في الخيل وحدها دون بقية أنواع الحيوان. وكلاهما كتب أيضًا عن النبوة. وكلاهما أيضًا كتب عن النبات فلابن قتيبة كتاب بهذا الاسم، وللجاحظ كتاب باسم: النخل والزرع. هذا وربما وجدنا لابن قتيبة كتبًا لم يطرق الجاحظ أبوابها مثل كتاب الأشربة أو كتاب الأنواء والجراثيم وحكم الأمثال والتقفية وغير ذلك. على أننا لا نطلب من كل من العالمين الجليلين أن يكون كل واحد منهما في عناوين كتبه وموضوعاتها صورة من صاحبه، فإن واحدًا منهما والحال كذلك سوف يكون مقلدًا وسوف يكون الآخر أصيلًا. إلا أن واقع الحال هو أنه كان لكل من الجاحظ وابن قتيبة فكره المستقل الأصلي وموضوعاته التي تخصص فيها وقدم فيها الجديد من أسباب العلم والبكر من موضوعات المعرفة مع اختلاف شديد بين الطبيعتين والمذهبين. وإذا كان ابن قتيبة يحاول في بعض كتبه أن يعمد إلى الإطراف والإضحاك فإنه لا يستطيع أن يصل في ذلك إلى ما وصل إليه الجاحظ؛ لأن الجاحظ فكه ساخر بطبعه أو بتعبير أستاذنا المرحوم الدكتور أحمد أمين : الجاحظ مزاح خفيف الروح مهذار واسع العقل متصرف، وابن قتيبة صاحب جد، قاضٍ، عليه وقار القضاء، يمزح أحيانًا ولكن ليس له خفة روح الجاحظ. هذا وإذا كنا قد ذكرنا للجاحظ كتابًا أو أكثر للتسوية بين العرب والعجم فإن ابن قتيبة مع كونه غير عربي يكتب كتابين في التحمس للعرب والدفاع عنهم وإثبات فضلهم، الأول هو: الرد على الشعوبية، وهو مطبوع والثاني هو: فضل العرب على العجم وهو لا يزال مخطوطًا. إن ابن قتيبة إذا كان قد ألف زهاء ثلاثمائة كتاب فإن له بين أيدينا أربعة عشر كتابًا مطبوعًا وثلاثين كتابًا مخطوطًا منتشرة في مختلف مكتبات العالم أورد أكثرها بروكلمان ومحقق كتاب الشعر والشعراء ومحقق أدب الكاتب. على أننا قد نجد من الضروري أن نشير إلى كتب ابن قتيبة المطبوعة البالغ عددها أربعة عشر كما ذكرنا، وهي: ١- عيون الأخبار. ٢- الشعر والشعراء. ٣- أدب الكاتب. ٤- المعارف. ٥- المعاني. ٦- تأويل مختلف الحديث. ٧- الإمامة والسياسة. ٨- الأشربة. ٩- الرد على الشعوبية. ١٠- مشكل القرآن. ١١- الميسر والقداح. ١٢- المسائل والأجوبة "في الحديث". ١٣- الاختلاف في اللفظ والرد على الجهمية. ١٤- تفسير سورة النور. عيون الأخبار: هذا وأشهر كتب ابن قتيبة ذيوعًا وجريًا على ألسنة العلماء والمتأدبين هي الكتب السبعة الأولى، وقد تكون شهرتها وأهميتها تقع في نطاق الترتيب الذي أوردناها من خلاله. فإذا ما استغرقنا بعض كتب ابن قتيبة من حيث موضوعاتها وإذا ما نظرنا في عيون الأخبار نجده قسمه إلى عشرة كتب أي عشرة موضوعات هي: كتاب السلطان وكتاب الحرب وكتاب السؤدد وكتاب الطبائع وكتاب العلم وكتاب الزهد وكتاب الإخوان وكتاب الحوائج وكتاب الطعام وكتاب النساء. والحق أن كتاب عيون الأخبار من حيث منهجه ومحتواه يعتبر مثلًا أعلى لفن التأليف حتى عهد صاحبه، وهو بذلك يبز الجاحظ ويعلو عليه من حيث المنهج، فقد كان الجاحظ من قبله كثير الاستطراد، يبعد عن موضوعه بحيث ينقل القارئ نقلة واسعة ينسى معها الموضوع الذي كان يقرأه، وليس كذلك ابن قتيبة، بل إن ابن قتيبة يحس بهذا الامتياز في فنه ومنهجه فيقدم روح كتابه في مقدمة كتبها بنفسه يقول فيها: "قرنت الباب بشكله والخبر بمثله والكلمة بأختها ليسهل على المتعلم علمها وعلى الدارس حفظها". وهكذا يضع ابن قتيبة نفسه موضع العلم من قارئه والأستاذ من بين المؤلفين والمنشئين. وهو حين يقدم كتابه للقارئ يقول في موضع آخر من مقدمته: ولم أخله من نادرة طريفة وكلمة معجبة وأخرى مضحكة". ومحتوى الكتاب يدل على سعة معرفة ابن قتيبة وسمو فكره وبراعة صوغه ووضوح أسلوبه ومنطق تسلسله، والكتاب متعة من متع الفكر العربي وحشد من المعرفة التي تخلق من قارئها إنسانًا متفتحًا مثقفًا؛ لأن ابن قتيبة متفتح العقل صافي الذهن مرتب الفكر متعدد الثقافات. هذا ويرى بروكلمان استنتاجًا من مقدمة عيون الأخبار أن كتاب المعارف وكتاب الأشربة -لابن قتيبة- يعتبران بمثابة تكملة لعيون الأخبار، ونحن لا نذهب مذهبه، فلكل من الكتابين الأخيرين شخصيته ومنهجه وبراعة استهلاله وتمام اختتامه. أدب الكاتب: وإذا كان لنا أن نقدم كتابًا آخر لابن قتيبة فإن كتاب أدب الكاتب خليق بأن يكون ذلك الكتاب، فهو واحد من أربعة كتب ذكر ابن خلدون أن مشايخه وأساتذته جعلوها أصول فن التأديب، وما سواها تبع لها وفروع منها. وهذه الكتب الأربعة هي: أدب الكاتب لابن قتيبة، والكامل للمبرد، والبيان والتبيين للجاحظ، والنوادر لأبي علي القالي. وأدب الكاتب يختلف اختلافًا بينًا عن عيون الأخبار، فعيون الأخبار كتاب ثقافة رفيعة وإحاطة بأسباب المعرفة على تعدد موضوعاتها مستقاة من مختلف مظانها، وأما كتاب أدب الكاتب فهو تأديب للكتاب الذين ظنوا بأنفسهم العلم وهم جهلاء، وتعليم للخاملين المتطاولين الذين غفلوا عن حقيقة حالهم فنشروا على الناس جهلهم وحاولوا أن يتسلقوا إلى المراتب العليا من مراتب الفكر اغتصابًا ودون استعداد أو تحصيل أو تعلم. وقد أهدى ابن قتيبة كتابه إلى الوزير أبي الحسن عبد الله بن يحيى بن خاقان وزير المتوكل، وكان ذلك سببًا في تقديم ابن قتيبة إلى المتوكل والاستعانة به في بعض الأعمال. والواقع أن هدف ابن قتيبة من كتابه -على نحو ما بينا قبل قليل- هدف رفيع، فقد استهدف تعليم الجهال ممن يدعون العلم، وكشف المتطاولين على القيم الدينية، وهم أجهل الناس بمكانتها. وعلى عادة ابن قتيبة يقدم في أكثر كتبه منهجه وهدفه، فلنقرأ له بعضًا ما وضح به هدفه هذا الرفيع: "..... فإني رأيت أكثر أهل زماننا هذا عن سبيل الأدب ناكبين، ومن اسمه متطيرين، ولأهله كارهين: أما الناشئ منهم فراغب عن التعليم، والشادي تارك للازدياد، والمتأدب في عنفوان الشباب ناسٍ أو متناسٍ، ليدخل في جملة المجدودين، ويخرج عن جملة المحدودين فالعلماء مغمورون وبكرة الجهل مقموعون حين خوى نجم الخير، وكسدت سوق البر وبارت بضائع أهله، وصار العلم عارًا على صاحبه، والفضل نقصًا، وأموال الملوك وقفًا على شهوات النفوس، والجاه الذي هو زكاة الشرف يباع الخلق وآضت المروءات في زخارف النجد وتشييد البنيان، ولذات النفوس في اصطفاق المزاهر ومعاطاة الندمان ونبذت الصنائع، وجهل قدر المعروف، وماتت الخواطر، وسقطت همم النفوس، وزهد في لسان الصدق وعقد الملكوت، فأبعد غايات كاتبنا في كتابه أن يكون حسن الخط قويم الحروف، وأعلى منازل أديبنا أن يقول من الشعر أبياتًا في مدح قينة أو وصف كأس، وأرفع درجات لطيفنا أن يطالع شيئًا من تقويم الكواكب، وينظر في شيء من القضاء وحد المناطق، ثم يعترض على كتاب الله بالطعن وهو لا يعرف معناه وعلى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتكذيب، وهو لا يدري من نقله، قد رضي عوضًا من الله ومما عنده بأن يقال: فلان لطيف وفلان دقيق النظر يذهب إلى أن لطف النظر قد أخرجه عن جملة الناس وبلغ به علم ما جهلوه فهو يدعوهم الرعاع والغثاء والغثر، وهو لعمر الله بهذه الصفات أولى، وهي به أليق؛ لأنه جهل وظن أنه قد علم ... "فإني رأيت كثيرًا من كتاب أهل زماننا كسائر أهله قد استطابوا الدعة أو استوطئوا مركب العجز، وأعفوا أنفسم من كد النظر وقلوبهم من تعب التفكير، حين نالوا الدرك بغير سبب، وبلغوا البغية بغير آلة. ولعمري إن كان ذاك فأين النفس؟ وأين الأنفة من مجانسة البهائم؟ وأي موقف أخزى لصاحبه من موقف رجل من الكتاب اصطفاه بعض الخلفاء لنفسه وارتضاه لسره، فقرأ عليه يومًا كتابًا وفي الكتاب "ومطرنا مطرًا كثر عن الكلأ" فقال له الخليفة ممتحنًا له: وما الكلأ؟ فترد في الجواب وتعثر لسانه، ثم قال: لا أدري، فقال: سل عنه. ويمضي ابن قتيبة مستطردًا في شرح الغرض من كتابه قائلًا: ونحن نستحب لمن قل عنا وائتم بكتبنا أن يؤدب نفسه قبل أن يؤدب لسانه ويهذب أخلاقه قبل أن يهذب ألفاظه، ويصون مروءته عن دناءة الغيبة، وصناعته عن شين الكذب، ويجانب -قبل مجانبته للنص وخطل القول- شنيع الكلام ورفث المزح: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم -ولنا فيه أسوة- يمزح ولا يقول إلا حقًّا، ومازح عجوزًا فقال: " إن الجنة لا يدخلها عجوز "، وكانت في علي عليه السلام دعابة، وكان ابن سيرين يمزح ويضحك حتى يسيل لعابه، وسئل عن رجل، فقال: توفي البارحة، فلما رأى السائل قرأ: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا} [ من سورة الزمر] ومازح معاوية الأحنف بن قيس فما رئي مازحان أوقر منهما. ويستطرد ابن قتيبة في موضع آخر من مقدمة كتابه قائلًا: "ونستحب له أن يدع في كلامه التقعير والتقعيب، كقول يحيى بن يعمر لرجل خاصمته امرأته عنده: "أأن سألتك ثمن شكرها وشبرك، أنشأت تطلها وتضهلها" وكقول عيسى بن عمر ويوسف بن عمر بن هبيرة يضربه بالسياط: "والله إن كانت إلا أثيابًا في أسيفاط قبضها عشَّاروك" "فهذا وأشباهه" كان يستثقل والأدب غض والزمان زمان، وأهله يتحلون فيه بالفصاحة، ويتنافسون في العلم، ويرونه تلو المقدار في درك ما يطلبون وبلوغ ما يؤملون فكيف به اليوم مع انقلاب الحال، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أبغضكم إلي الثرثارون المتفيهقون المتشدقون"؟؟ ونستحب له -إن استطاع- أن يعدل بكلامه عن الجهة التي تلزمه مستثقل الإعراب، ليسلم من اللحن وقباحة التقعير، فقد كان واصل بن عطاء سام نفسه للثغة كانت به إخراج الراء من كلامه، وكانت لثغته على الراء، فلم يزل يروضها حتى انقادت له طباعه وأطاعه لسانه، فكان لا يتكلم في مجلس التناظر بكلمة فيها راء هذا أشد وأعسر مطلبًا مما أردناه". تلك كانت نماذج من مقدمة كتاب أدب الكاتب: والمقدمة طويلة نفيسة شيقة. وأما محتوى الكتاب فقد قسمه ابن قتيبة حسبما عودنا إلى أربعة كتب أي أربعة أقسام هي: كتاب المعرفة، وكتاب تقويم اليد، وكتاب تقويم اللسان، وكتاب الأبنية. وهو في كتاب المعرفة يحاول أن يفقه القارئ الذي ينشد أن يكون كاتبًا ثقافة عامة، ويجعل من هذا الكتاب أبوابًا مثل باب ما يضعه الناس في غير موضعه، أو باب أصول أسماء الناس ويفرغ من ذلك إلى "المسمون بأسماء النبات" أو "المسمون بأسماء الطير" أو "المسمون بأسماء السباع" وهكذا، ويذكر في كتاب المعرفة أيضًا، أي القسم الأول من كتاب أدب الكاتب، بابًا للنخل ويذكر بابًا لعيوب الخيل وآخر لشيات الخيل وغيره لألوان الخيل، ويذكر أبوابًا للتعريف بألوان الطعام والشراب وغير ذلك شيئًا كثيرًا وفيرًا. فمثلًا في باب ما يضعه الناس في غير موضعه يقول: ومن ذلك الطرب يذهب الناس إلى أنه في الفرح دون الجزع وليس كذلك، إنما الطرب خفة تصيب الرجل لشدة السرور، أو لشدة الجزع، ثم يوثق ابن قتيبة رأيه بشاهد من قول الأقدمين فيجيء بقول النابغة الجعدي: وأراني طرِبًا في إثرهم ... طرب الواله كالمختبل وقال آخر: يقلن لقد بكيت فقلت كلا ... وهل يبكي من الطرب الجليد ويأتي ابن قتيبة بمثال آخر في الباب نفسه -باب ما يضعه الناس في غير موضعه- فمن ذلك "القافلة" يذهب الناس إلى أنها الرفقة في السفر ذاهبة كانت أو راجعة، وليس كذلك إنما القافلة الراجعة من السفر، يقال قفلت فهي قافلة، وقفل الجند من مبعثهم أي رجعوا ولا يقال لمن خرج إلى مكة من العراق -مثلًا- قافلة حتى يصدروا أي يعودوا. ومن ذلك "المأثم" يذهب الناس إلى أنه المصيبة، ويقولون كنا في مأتم وليس كذلك إنما المأتم النساء يجتمعن في الخير والشر والجمع مآتم، والصواب أن يقولوا كنا في مناحة، وإنما قيل لها مناحة من النوائح لتقابلهن عند البكاء، يقال الجبلان يتناوحان، إذا تقابلا، وكذلك الشجر. ويأتي ابن قتيبة بالشاهد من شعر العرب فيأتي بذكر أبي عطاء السندي: عشية قام النائحات وشققت ... جيوب بأيدي مأتم وخدود أي بأيد نساء، أو قول الآخر وهو أبو حية النميري: رمته أناة من ربيعة عامر ... نؤوم الضحى في مأتم أي مأتم ومن ذلك "الظل والفيء" يذهب الناس إلى أنهما شيء واحد، وليس كذلك؛ لأن الظل يكون غدوة وعشية ومن أول النهار إلى آخره. والفيء لا يكون إلا بعد الزوال، ولا يقال لما قبل الزوال فيء. وإنما سمي بالعشي فيئًا؛ لأنه ظل فاء من جانب إلى جانب أي رجع عن جانب المغرب إلى جانب المشرق. ويستشهد ابن قتيبة بالآية الكريمة: حتى تفيء إلى أمر الله، أي ترجع إلى أمر الله، ويردف بمجموعة من أبيات الشعراء الجاهليين والإسلاميين كشواهد موثقة لقوله. وفي باب آخر من أبواب الكتاب تقع العين على أصول أسماء الناس، فالذين يسمون بأسماء النبات منهم: ثمامة: واحدة الثمام وهي شجر ضعيف له حوض أو شبيه بالحوض. طلحة: واحدة الطلح وهي شجر عظام من العضاه. علقمة: واحدة العلقم، وهو الحنظل. وفي باب "المسمون بأسماء السباع" نجده يذكر: حيدرة: الأسد، ومنه قول علي كرم الله وجهه: "أنا الذي سمتني أمي حيدرة". أسامة: الأسد. نهشل: الذئب. ذؤالة: الذئب. كلثوم: الفيل. ومن الأبواب الطريفة في هذا القسم نفسه الذي أسماه ابن قتيبة كتاب المعرفة تقع العين على "باب ذكور ما شهر من الإناث" فنجده يأتي بالأسماء الآتية: الخرب: "بفتح الخاء والراء" هو ذكر الحبارى. الفياد: ذكر البوم. اليعسوب: ذكر النحل. الحرباء: ذكر أم حبين. الضبعان: "بتشديد الضاد وكسرها" ذكر الضباع. الغيلم: ذكر السلاحف. العلجوم: "بضم العين" ذكر الضفادع. وإذا انتقلنا إلى "كتاب تقويم البدء" وهو القسم الثاني من أدب الكاتب، وجدناه دروسًا دقيقة في علم النحو مثل باب ألف الوصل في الأسماء، أو باب دخول ألف الاستفهام على ألف الوصل، أو باب دخول ألف الاستفهام على ألف القطع، وأكثر الأبواب هنا في الفصل والوصل والاستفهام والتذكير والتأنيث. والكتاب الثالث -أي القسم الثالث- هو "كتاب تقويم اللسان" ويتصل بتقارب الحروف ومخارجها وحركاتها مثل ما جاء ساكنًا والعامة تحركه، أو ما جاء محركًا والعامة تسكنه، أو ما جاء بالصاد وهم يقولونه بالسين، أو ما جاء مكسورًا والعامة تضمه. وأما الباب الرابع والأخير وهو ما أسماه ابن قتيبة باب الأبنية فهو خاص بالصرف وفقه اللغة وتطبيق واسع ثري عميق على أبنية الأفعال وأبنية الأسماء من صيغ واشتقاقات. ومجمل القول في كتاب أدب الكاتب أنه كما قال ابن خلدون: واحد من الأصول الأربعة في تعليم الخاصة وما عداها فتبع لها وروفع منها. هذا ولنا حديث مع كتاب الشعر والشعراء يأتي في مكانه عند الحديث عن كتب طبقات الشعراء.
0 notes
corridors-of-books · 11 years
Text
هل تجب قراءة الكتاب إلى آخره؟
شكا إلي بعض الشباب من أنهم لا يملكون الإرادة للاستمرار في قراءة الكتاب إلى آخره, حيث إن بعضهم يقرأ أول الكتاب بحماسة, ويقوم بنقل بعض الفوائد إلى أورافه الخاصة, ولكن حين يصل إلى نصف الكتاب, يفقد هذه الحماسة! ما الطريقة الصحيحة في القراءة ؟ وهل علينا أن نقرأ كل كتاب نشتريه ؟ الأمر يتوقف على طبيعة الكتاب, فعلى سبيل الكتاب من بدأ في قراءة (رواية) عليه أن ينهيها لأنه لا تكتمل الفائدة المرجوة منها إلا بعد قراءة كل فصولها. أما إذا اشترى القارئ كتاباً لأن فيه فصلاً يتصل بموضوع يهتم به, فإن له ألا يقرأ باقي الكتاب لأنه لا يشعر بالحاجة إلى ذلك. ومن البديهي أن الناس لا يشترون الموسوعات والمعاجم والمراجع الضخمة من أجل قراءتها حرفياً وإنما الرجوع إليها عند الحاجة. من الواضح أن القراءة ليست بالشئ الممتع دائماً, والنفوس تميل إلى السهولة وإلى الفوضى, لكن إذا عرفنا أن الاستزادة من العلم هي الطريق الذي لا يصح الحيدة عنه أو التوقف فيه وأن المعرفة المتجددة مهمة جداً لاستمرار تقدمنا العقلي, فإذا عرفنا هذا فإننا سنبذل الجهد عن طيب خاطر, وسنتعلم مجاهدة النفس. كيف نستفيد من محفوظاتنا ? المعلومات الوفيرة المستقرة في الرأس تشكل المادة الخام التي يحتاجها المرء في صياغة رؤاه وطروحاته. مشكلة البعض أنه لا يستفيد من النصوص والآراء والأقوال والأفكار التي يحفظها, حيث تجد أن المحاكمة العقلية لديه أقل من المتوسط. قد يرى البعض أن الحفظ فضيلة في حد ذاته, وأنا مع إيماني أن الحفظ فضيلة لكن من المهم أن لا ننشغل بترداد ما نحفظ عن تدبره والتفكير في كيفية الاستفادة منه لإصلاح شؤون ديننا ودنيانا. أمرنا الله بتدبر كتابه, حيث قال: "أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً", وقال: "كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب". من بعض الأمور المساعدة في الاستفادة من المحفوظات لتحسين الرؤية الحضارية والإصلاحية : أن نقرأ النصوص التي نحفظها والتي لا نحفظها بعيون مستعارة من ثقافتنا, فإذا كانت ثرية ومتنوعة وعميقة وجدنا فيما نحفظ مادة للتأمل والاستنتاج والاستدلال. يمكن للمرء أن يحاول ممارسة عملية التفكير أثناء الحفظ والتكرار, وذلك من أجل اختزان المعلومات في الذاكرة على نحو مثمر, وهذا يكون بالحذر من من تكديس المعلومات في الدماغ على نحو عشوائي كما يحدث الآن لدى معظم طلاب العلم. من كتاب (وجهتي في الحياة) للدكتور عبدالكريم بكار
3 notes · View notes
corridors-of-books · 11 years
Text
كتاب حاضر العالم الإسلامي
تأليف لوثروب ستودارد الأمريكي تعريب الأستاذ عجاج نويهض، فيه فصول وتعليقات عن دقائق أحوال الأمم الإسلامية وتطورها الحديث للأمير شكيب أرسلان قال في مقدمته: "أما كتابنا؛ فيجوز أن يقال: إنه معلمة إسلامية صغيرة؛ بل هو المباحث الجغرافية والتاريخية والإحصائية عن أقطار الإسلام النائية وبقاعه المجهولة فذ في بابه، وكذلك يمتاز هذا الكتاب بالمباحث السياسية التي قيض لمحررها أن يعلمها من عين صافية، وأن يقف على الرواية الوثقى منها بطول خبرته. وقرب سنده، واستمرار مزاولته لهذه الأمور منذ سبعة وأربعين عامًا، وفيه بعض تراجم وأخبار لم يسجلها كتاب، ولا جرى بها قلم؛ فلا يجدها الناشد في غيره؛ إذ هي نتيجة مشاهدات الكاتب وما رآه بالعين، وما سمعه بالأذن، وما كان له فيه أخذ ورد وعلى كل حال ففي هذا الكتاب من الطريف ما لا يسع إنكاره الجاحد، ولا يضيره مراء الحاسد، ولا شك في أن الأمة الإسلامية الناهضة إلى تجديد تاريخها، النازعة إلى النماء بجميع فروعها وشماريخها، ستتفطن إلى كل ما يعوزها من هذه المقاصد الجليلة ... ". وبهذا فقد جمع هذا السفر الضخم دقائق الأخبار، وكشف عن مكائد أعداء الإسلام، وبين كثيرًا من خططهم وسبلهم ووسائلهم السرية من أجل النيل من الإسلام والمسلمين في مختلف مجالات الحياة، وخاصة الثقافية منها، ورد على بعض المستشرقين، وبين المنصف من المغرض، وقدم إحصاءات دقيقة عن المسلمين في البلاد النائية، واجتهد في تقديم الوثائق والأدلة والحجج فوفق في ذلك غاية التوفيق. ومن هنا كان من الواجب على العاملين في ميدان الإسلام وعلى العلماء وطلاب العلم أن يقفوا على كثير من هذه الحقائق، ليحددوا موقفهم من أعدائهم، ويدفعوا الجهل بالعلم، ويرفعوا المستوى الثقافي لأبناء الأمة؛ فإن العلم خير سلاح لرد كيد الأعداء. وإن الباحث ليقف في هذا الكتاب على ما لا يقف عليه في سواه. طبع الكتاب في أربعة أجزاء وكانت الطبعة الثانية سنة "١٣٥٢هـ" بالقاهرة. وطبع طبعة ثالثة في دار الفكر ببيروت.
0 notes