Tumgik
#حكايات_أفراح
m0n3m96-blog · 5 years
Text
حلاوة الروح 1
ما حدث في هذا اليوم تحديدا، شكّل علامة فارقة في حياتها، علي باب القاعة، أخرجت فريدة هاتفها المحمول بعد أن أطفأت شاشته، نظرت إليه لتري انعكاس وجهها لمرة أخيرة، كانت ترتدي أجمل فستان تملك، وشعرت بالرضا عن ملامحها بعد أن دفعت ثروة من مالها الخاص لتغطيها بكمية هائلة من مساحيق التجميل.. لم ترسم فريدة ملامح وجهها الجديد فقط، وإنما رسمت أيضا العديد من السيناريوهات التي قد تحدث اليوم في حفل زفاف صديقتها المقربة، أعلاها حصولها علي عريس الليلة، وأدناها إثارتها لإعجاب ودهشة الأصدقاء..
"ايه يا بنتي القرف اللي انتي عملاه في نفسك ده، وايه الهبل اللي انتي حطاه علي وشك!"، كانت هذه أول جملة سمعتها فريدة حين دخلت القاعة، تبعتها ضحكات جميع أصدقاءها والحاضرين.. بضحكة مفتعلة، فسلام سريع علي جميع الحاضرين، تماسكت فريدة حتي تعبر الموقف بسلام، ثم اتجهت لأقرب ركن فارغ في القاعة، وأجهشت بالبكاء، قبل أن ترحل سريعا للغاية من القاعة، وبعيدا عن أنظار الجميع، وحيدة..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لا يمكننا إنكار أن لفريدة حضور من نوع خاص، حضور عبر عنه أصدقاؤها بمقولة: "انتي جدعة جدا، انتي أرجل حد احنا نعرفه".. في البداية كانت تعتبره إطراءا فريدا من نوعه، تفرح به وتبتهج، بمرور الوقت وتكرار العبارة، بدأت فكرة واحدة تسيطر عليها: هل أبدو كالرجال حقا؟!
تأكدت شكوكها في سن مبكرة، وفي جلسة مع صديقين من أصدقاء المدرسة، تلفظ أحدهم بلفظ خارج، فنظر له الآخر بعتاب، لكن الأول ضحك قائلا: "احنا كلنا ولاد في بعض يا جماعة، نهزر براحتنا!"..
"الحلاوة حلاوة الروح!" جملة كتبتها فريدة وعلقتها علي باب غرفتها منذ كانت في الثانية عشر من عمرها، ثم بذلت مجهودا مضنيا لتحقيقها، تفوقت فريدة دراسيا واجتماعيا ورياضيا أيضا.. لكن هذا لم يكن كافيا أبدا..
في الخامسة والعشرين من عمرها، ولم تثر إنتباه أحد أبدا، فضلا عن أن توقعه في حبها.. وكأي فتاة مصرية، بدأت حياتها بسقف طموح عال للغاية، سرعان ما أنهار فوق رأسها.. في البداية، هناك البطل الوسيم في المسلسل التركي يداعب أحلامها، ثم البطل الكوري، ثم الأمريكي، ثم عودة للحياة الواقعية، تلخصت أحلامها في الحصول علي الشاب الوسيم الغني، فالوسيم أو الغني، فالرضا بمتوسط الحال والشكل، وأخيرا: سأقبل الزواج من أي أحد يأتي ليتقدم!
لكن أحدا لم يأت قط! ورغم أنها اجتماعية للغاية، يمتليء هاتفها بقائمة أسماء يصعب حصرها، فيما ستجد حشدا من الأصدقاء علي مواقع التواصل الاجتماعي، لكن أحدا لم ينظر لها قط، بجسد نحيل تبرز عظامه وتنعدم تضاريسه، ووجه خال من الأنوثة، وملامح لا تسر الناظرين.. كان علي فريدة أن تواجه العالم. منذ البداية، جربت فريدة بعض الحيل لاستعادة ثقتها، مثل محاولة استجلاب تعليقات متعاطفة محبة علي صورها علي مواقع التواصل الإجتماعي، لكن أحدا لم يعرها أدني اهتمام.. في النهاية قررت إزالة جميع الصور مكتفية بصورة لممثلة أجنبية لم تملك عُشر جمالها..
تكررت المواقف الشبيهة، لا يمكنها أن تنسي تلك المرة التي وقع فيها هاتف أمها في يدها، سرعان ما قلبت فيه بدافع الفضول، وحين فتحت المحادثات الخاصة بأحد البرامج الشهيرة لتبادل الرسائل، حين فتحتها لم تجد ما يسرها! هناك عشرات المحادثات بين أمها وأصدقاءها، تبدأ الأم بتوضيح مميزات بنتها، ثم تنهي بقولها "عندنا عروسة جاهزة تتجوز، معندكيش عريس؟".. مجهود دؤوب من أم محبة، استمر لشهور، لكن جميع المحادثات كانت تنتهي بنهاية واحدة فقط، "ابعتيلنا صورتها"، وحين ترسل الأم الصورة، لا تتلقي الرد أبدا..
متساءلة لماذا هي محاطة بالأولاد رغم أنهم لا يرون أنوثتها، أتاها الرد سريعا، حين سمعت شائعات ترددت أن "أسهل طريقة تتعرف بيها علي بنت حلوة، هي عن طريق فريدة"، عملا بالمثل القائل "صاحب الوحشة تجيبلك الحلوة"، أنكرت أن تكون علاقتها مع أصدقاءها بسبب تحقيق مصلحة، قبل أن يأتيها التأكيد حين صرح أحدهم في شجاعة لأول مرة: "ما تعرفيني علي سلمي صحبتك؟ البنت ديه شكلها جميل خالص"..
بمحاولة تقبل نفسها، اعترفت فريدة في شجاعة كبيرة أنها لن تُري أبدا.. فهي تملك دخلا أقل من المتوسط، تعيش في مستوي معيشي أقل من المتوسط، تملك أحلاما متوسطة، وشكلا أقل من المتوسط، كما أنها الأخت الكبري لأربعة من الأولاد، اعتادت هي علي تحمل مسئوليتهم واعتاد والدها علي ترديد "أنا مخلف خمس رجالة" متفاخرا بها أمام أقربائه، فيما اعتبرتها هي إهانة علي الدوام، لكنها لم تجرؤ علي البوح أبدا..
بمرور الوقت، أزالت فريدة الجملة التي علقتها علي باب حجرتها "الحلاوة حلاوة الروح" بعد أن سبّت أول من قالها، معتبرة إياها محض كذب، أو علي الأقل، هناك حد أدني لجمال الوجه والجسد، قبل أن ينظر أحدهم إلي الروح.. وحين فطنت إلي هذا الاستنتاج، أزالت الورقة المعلقة في غرفتها منذ سنوات بعيدة، ألقتها في صندوق القمامة، بعد أن فتتتها إلي قطع صغيرة.. تحول حبها للجميع، وعطاءها السخي لكل الناس، علي مدار السنوات، إلي طاقة غضب، ثم كره للجميع، بدون استثناء.. بما فيها نفسها.. لزمت غرفتها عدة أيام لم تخرج منها، وحين خرجت، لم تكن فريدة التي نعرفها!
قررت فريدة أن تتزين وتذهب لعُرس صديقتها المقربة، بذلت مجهودا خرافيا في وضع مكياج كانت قد اشترته بمالها الخاص الذي ادخرته طوال سنين حياتها، لسنا نبالغ إن قُلنا أنها رسمت ملامح وجهها بالكامل.. تزينت فريدة وارتدت أجمل فستان تملك، مُتجة إلي حفل زفاف صديقتها المقربة، وقد رسمت العديد من السيناريوهات أعلاها حصولها علي عريس الليلة، وأدناها إثارتها لإعجاب ودهشة الأصدقاء..
"ايه يا بنتي القرف اللي انتي عملاه في نفسك ده، وايه الهبل اللي انتي حطاه علي وشك!"، كانت هذه أول جملة سمعتها فريدة حين دخلت القاعة، تبعها ضحك جميع أصدقاءها والحاضرين.. بضحكة مفتعلة، فسلام سريع علي جميع الحاضرين، تماسكت فريدة حتي تعبر الموقف بسلام، ثم اتجهت لأقرب ركن فارغ في القاعة، وأجهشت بالبكاء، قبل أن ترحل سريعا للغاية، وبعيدا عن أنظار الجميع، وهي تغطي وجهها بيديها وحيدة..
كان هذا قبل أن تلحظ خطوات متعجلة تلحق بها، ثم صوت أحدهم يلاحقها: يا آنسة، بقولك!
5 notes · View notes