Tumgik
jana7-da3wa · 6 years
Photo
Tumblr media
٢٥- 🕊 روى مسلم والبخاريُّ في صحيحهما أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أنّ موسى قام خطيبا في بني إسرائيل فسئل أي الناس أعلم فقال : أنا. فعتبَ الله عليه إذ لم يردّ العلم إليه فأوحى الله إليه إن لي عبدًا بمجمع البحرين هو أعلمُ منك قال موسى : أيّ ربّ فكيف لي به ؟ قال : تأخذ معكَ حوتًا في مكتل فحيثما فقدت الحوت فهو ثمَّ وأخذ حوتًا فجعله في مكتل، ثم انطلق وانطلق معه فتاه يوشع بن نون حتى إذا أتيا الصخرة وضعا رؤوسهما فناما واضطرب الحوتُ في المكتل، فخرج منه فسقط في البحر، " فاتخذ سبيله في البحر سربًا " فلما استيقظ، نسيَ صاحبُه أن يخبره بالحوت فانطلقا يمشيان بقية ليلتهما ويومهما حتى إذا كان من الغد قال موسى لفتاه : " آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبًا " قال له فتاه : " أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره واتخذ سبيله في البحر عجبًا " قال له موسى: " ذلك ما كنا نبغي فارتدا على آثارهما قصصًا " فرجعا يقصان آثارهما حتى انتهيا إلى الصخرة فإذا رجل مسجى بثوب، فسلَّمَ عليه موسى فقال: وأنى بأرضك السّلام ؟ قال : أنا موسى فقال له : موسى بني إسرائيل ؟ قال : نعم أتيتكَ لتعلمني مما عُلمت رشدًا قال : يا موسى إني على علم من علم الله علمنيه الله لا تعلمه، وأنتَ على علم من علم الله علمكه الله لا أعلمه قال : هل أتبعك ؟ قال : " إنك لن تستطيع معي صبرًا وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرًا " قال موسى : " ستجدني إن شاء الله صابرًا ولا أعصي لك أمرًا " فقال له الخضر : " فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرًا " فانطلقا يمشيان على ساحل البحر، فمرّتْ بهما سفينة فكلموهم أن يحملوهم، فعرفوا الخضر، فحملوهم من غير نول/ أُجرة فلما ركبا السفينة قلع الخضر لوحًا بالقدّوم فقال له موسى : ما صنعت؟ قوم حملونا بغير نول عمدت إلى سفينتهم فخرقتها " لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرًا " قال : " ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرًا " قال : " لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرًا " فجاء عصفور فوقع على حرف السفينة فنقر في البحر نقرة أو نقرتين قال له الخضر : يا موسى ما نقصَ علمي وعلمك من علم الله إلا مثل ما نقصَ هذا العصفور بمنقاره من البحر ! فلما خرجا من البحر، مرُّوا بغلام يلعب مع الصبيان فأخذ الخضر رأسه فقلعه بيده، فقتله فقال له موسى : " أقتلت نفسًا زكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرًا " قال: " ألمْ أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرًا " قال : " إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرًا " " فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض " مائل، فقام الخضر وأقامه بيده فقال موسى : قوم أتيناهم فلم يطعمونا ولم يضيفونا عمدتَ إلى حائطهم " لو شئت لاتخذت عليه أجرًا " قال : "هذا فراق بيني وبينك سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرًا " وقرأ صلى الله عليه وسلم الآيات حتى بلغ : " ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرًا " ثم قال : يرحم الله موسى لو كان صبر لقصَّ الله علينا من أمرهما. الدَّرْسُ الأوّل : تقودنا القصة إلى أن نسأل : من هو الخِضر ؟ الخِضر شخصيّة ثابتة بنصِّ القرآن والحديث، الإيمان بها واجب وكثرت الأحاديث والأقاويل والآراء فيه وكل ما ورد في هذا كذب وافتراء ولا يصح فيه شيء يقول ابن القيم ناقلًا إجماع أهل السنة في الخضر : " الأحاديث التي يُذكر فيها الخضر وحياته كلها كذب، ولا يصح في حياته حديث واحد " ! فحديث أنّ النبيّ كان في المسجد فسمع كلامًا وراءه فذهبوا ينظرون فإذا هو الخضر، مكذوب وحديث يلتقي الخضر وإلياس كل عام مكذوب وحديث يجتمع في عرفة كل عام جبريل وميكائيل والخضر، مكذوب أيضًا لا نعلم إلا أنه رجل صالح أتاه الله علمًا كثيرًا فلا يُعرف عن نسبه ومولده شيء صحيح إطلاقًا وكل ما يُروى في هذا الباب رجم بالغيب وقول بلا علم بل إنه يقترب إلى الخوارق التي تُخالف النقل والعقل فقال بعضهم : هو ابن آدم لصلبه وقال بعضهم : هو ابن قابيل بن آدم وقال آخرون : هو ابن شيث وقال بعضهم : إنه من بلاد فارس وكلّ هذا لا يصح منه شيء كما تقدم وهو علم لا ينفع وجهل لا يضُر ولو احتجنا لهذا العلم لأخبرنا به الله أو رسوله وغالى البعض فيه حتى قالوا هو حيُّ يُرزق حتى اليوم وأنه يبقى حيًا حتى يشهد قتل الدجال وسُئل البخاريّ عن الخضر وإلياس وهل هما أحياء فقال : لا يكون هذا وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا يبقى على رأس مئة سنة ممن هو اليوم على ظهر الأرض أحدًا " ! وقال ابن الجوزي: والدليل على أن الخضر ليس حيًا أربعة أشياء القرآن، والسنة، وإجماع المحققين، والعقل ! ومن الأمور العقلية التي تُكذب بقاءه حيًا أنهم قالوا هو ابن آدم عليه السلام لصلبه فهو إذاً على زعمهم عمره آلاف الأعوام وهذا محال وقالوا ابن آدم وقد كان وزيرًا لذي القرنين وهذا محال لأنه وجب أن يكون كأبيه جسمًا، ستون ذراعًا في السماء وذو القرنين كان رجلاً عاديًا بعدما تناقص الخلق كما في الحديث فسيكون هذا أمر شاذ ومستغرب عمرًا وجسمًا وأيضًا لو كان قبل نوح عليه السلام لركب السفينة معه وليس في هذا خبر صحيح ولا مكذوب ثم إنّ كل الذين ركبوا ماتوا، ولم تبقَ إلا ذرية نوح بنص الآية: " وجعلنا ذريته هم الباقون " كذلك لو صح إنه ابن آدم وأنه يعيش لآخر الدهر لكانت هذه آية عظيمة من آيات الله، ولوجدنا لها ذكرًا في القرآن أو حديث وأخيرًا لو كان حيًا كما يزعمون فانظر لحال الأمة اليوم، فيها القتل والتشريد والشريعة معطلة أليس حضوره وجهاده وإقامته للشريعة أفضل من هيامه في البراري والصحارى ؟! إذًا هو رجل من بني آدم مثلنا وليس من صلبه ولد ولادة عادية ولا شيء يثبت عكس ذلك وكان مولده قريبًا من عهد موسى وإن عاش بعد موسى فقد عاش كما يعيش الناس العاديون عمرًا عاديًا ثم مات الدَّرْسُ الثّاني : تواضعْ ! نحن نميلُ دومًا لتعظيم أنفسنا أو بمعنى أدقّ : نرى أنفسنا الأمهر في مجالها قلما تجد طبيبًا لا يرى أنه الأمهر وقلما تجد شاعرًا لا يرى أنه الأشعر وقلما تجد معلمًا لا يرى أنه الأقدر وهكذا المهندس والميكانيكي والكهربائي والمرأة التي تطهو في البيت ! احترام الذات وتقديرها شيء والاعتقاد بأننا لا يُشق لنا غبار شيء آخر إن كان موسى عليه السلام وهو كليم الله وأحد أولي العزم من الرسل الخمسة الكرام وكلهم ك��يم وعلمه وحي لا يحتمل الخطأ يعاتبه ربّه أنه لما سُئل من أعلم أهل الأرض قال : أنا حتمًا هناك أعلم منك في مجالك ولنقل أنتَ تفْضُل الناس في أشياء وهم يفْضُلونك في أشياء وهذا في علمك واختصاصك فما بالك في علمِ غيرك واختصاصه رجل كل شيء هو رجل لا شيء ! وما من إنسان إلا ويعرف ويجهل وقد قال ربنا : " فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون " ومحال أن يكون إنسان من أهل الذكر في كلّ شيء نبوغك اللغوي لا يعني أن تُطبب الناس تفوقك في الهندسة لا يعني أنك مفتي براعتك في كهرباء المنازل لا يعني أنك ميكانيكي احترم علم الآخرين مهما كان بسيطًا بعينك ربما لو اجتمع الأطباء كلهم لعجزوا عن إصلاح حنفية تقطر ماء تمامًا كما لو اجتمع مهندسو العالم لعجزوا عن إجراء عملية جراحية إنّ من كمال الله أنه استغنى عن خلقه ومن عظمته أنه أحوجَ النَّاسَ إلى النَّاسِ ! الدَّرْسُ الثّالث : سياق القصّة يقودنا إلى سؤال مهم هو : من أفضل : موسى عليه السّلام أم الخضر ؟! والجواب بلا ريب أن موسى عليه السلام أفضل فمقام النبوة لا يعدله مقام آخر إلا أن يكون نبيًا مثله وقد فضَّله ربُّه فنبيِّنا أفضل الخلق جميعًا يأتي بعده إبراهيم عليه السلام ثم إن الله أعلم بمرتبة الثلاثة المتبعين من الخمسة أولي العزم فلماذا يكون الخضر أعلم من موسى ؟ لأن الأعلم ليس الأفضل فالأمور لا تُحسب في مجال واحد وإنما تؤخذ جملة ولتبسيط الأمر نضرب الأمر بالصحابة رضوان الله عليهم جميعًا أبي بن كعب أقرأ من عمر لكتاب الله ولكن عمر أفضل وخالد بن الوليد أعلم من أبي بكر في الحرب ولكن أبا بكر أفضل ومعاذ بن جبل أعلم من عثمان بالحلال والحرام ولكن عثمان أفضل وقد يفضل أحد الصحابة عليًا في أمر ولكن علي بالمجمل أفضل وهذا كذاك ! الخضر أعلم من موسى عليه السلام في أشياء علّمه الله إياها ولكن موسى عليه السلام أفضل من الخضر جملة لمقام نبوته وموسى الذي عُوتب لأنه قال أنه أعلم أهل الأرض لم يأمره ربه أن يذهب ليتعلم من الخضر وإنما طلب موسى عليه السلام هذا الأمر بنفسه إنه تواضع العظماء وقد كان موسى عليه السلام عظيمًا فلا تتحرج في أن تتعلم ممن هو دونك واقتدِ بموسى عليه السلام وما أحلاه من قدوة قال فيه ربه آياتٍ يُغبط عليها لقيام الساعة قال له : " واصطنعتك لنفسي " وقال له : " ولتصنع على عيني " وقال له : " وألقيتُ عليكَ محبة مني " وقال له : " وأنا اخترتك " ولكن هذا المختار من قبل الله الملقاة عليه محبته، والمصنوع على عينيه، والمُصطفى لنفسه لم يشعر أنها إهانة أن يتعلم إن النبلاء يتواضعون، فكن نبيلًا ! الدَّرْسُ الرَّابع : قُرِنَ العلم بالمشقة فإذا كان رغيف خبز لا يُجنى بالسَّاهل فمن باب أولى أن لا يُجنى العلم بالسَّاهل ارتحل البخاريُّ من بلدٍ إلى بلدٍ طلبًا لحديث واحد وصلى الشافعي الفجر بوضوء العشاء لأنه أمضى ليلته يبحثُ عن جواب لمسألة وما كان لموسى عليه السلام أن تقعده المشقة عن طلب العلم فارتحل لا سيارات تطوي المسافات الطوال في ساعات ولا طائرات تقطع البلدان برمشة عين لا مكتبات فيها آلاف المراجع، خُذ من هنا وهناك وكُنْ باحثًا ! لا مكينات تصوير إن أردتَ العلم فانسخَ واكتبْ بيدكَ يقطعُ موسى عليه السلام الفيافي والقفار إن مُرَّ العلم ساعة ولكن مُرّ الجهل طول العمر ومن أَنِف مُرّ ساعةٍ تجرَّع مُر عُمر ! الدَّرْسُ الخامس : قال الخضر لموسى عليه السلام أمرًا هامًا يجب الالتفات إليه : إني على علم من علم الله علمنيه لا تعلمه أنتَ وأنتَ على علم من علم الله علمكه الله لا أعلمه ! والعلم قسمان : الأول : علم لدنيّ يُعلّمه الله من شاء من خلقه الثاني : علم مكتسب يُحصّله الإنسان بجهده وبحثه وصبره بعد توفيق الله وإن كان لا سبيل إلى الأول فإن السبيل مُشرع إلى الثاني ! ولقد قال سيدنا : إنما العلم بالتّعلم ! وكل ما في الحياة كذلك ! بعضه يهبه الله من دون سبب وبعضه لا يتحقق إلا بالأسباب الواقعة في قدر الله والعاقل يأخذ بالأسباب كأنها السبيل الوحيد إلى الغايات وبالمقابل لا ينسَ أن الغايات بيد الله إن شاء أن لا يحققها رغم الأسباب فعل ! إن كان الله شفى أيوب عليه السلام بغير طبيب فلا يعني أن لا نذهب إلى الأطباء وإن كان الله رزق مريم ابنًا من غير زوج فلا يعني أن الأولاد يأتون دون زواج وإن كان الله حفظ يونس في بطن الحوت فلا يعني أن بطون الحيتان أماكن آمنة وإن كان الله شقّ لموسى البحر بعصاه فلا يعني أن العصيّ تشق البحار هذا يعني أنّ كل شيء بقدر الله ولكن الله جعل لهذا الكون قوانين لا بدّ من التعامل معها بجدية وطريقة عملية بعيدًا عن أي اعتبار آخر ولو استغنى أحد عن الأخذ بالأسباب لكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أغنى الناس عنها ولكنه صلى الله عليه وسلم لم يزهدْ فيها وانظرْ إليه وهو في طريق هجرته فأولاً : اتخذ له رفيقًا وثانيًا : اتخذ له دليلًا وثالثًا : اتخذ من يحضر له الزاد ورابعًا : اتخذ من يمحوا آثاره عن الرمال وخامسًا : اتخذ طريقًا غير معتاد فلقد أراد أن يُعلمنا أن نكون واقعيين وعمليين. الدَّرْسُ السَّادس : يبتلي الله تعالى بالصغيرة لينجي من الكبيرة وإن الابتلاءات تحمل في طياتها رحمة ولكن الناس لا يعلمون ! إما رحمة عاجلة لصلاح الدنيا أو رحمة مؤجلة لصلاح الآخرة فلو أبقى الخضر على السفينة صالحة كما هي لأخذها الملك غصبًا فأيهما أكثر شرًا أن تُثقب السفينة ويشقى أهلها قليلًا في جرها إلى الشاطئ وإصلاحها، أم خسارتها كلها ؟ لا شك أن بعض الشر أهون من بعض ولكن الناس لا يعلمون ! ومات أهل السفينة ولم يعلموا أن هذا الشر هو خير ولولا خبر القرآن ما علمنا نحن أيضًا لو كانت الحياة تضعنا في خيار بين الخير والشرّ لكانت هينة لكنها غالبًا ما تضعنا في خيار بين شر وآخر والعاقل هو الذي اختار خير الشَّرين وقد قال عمر بن الخطاب : ليس العاقل من عرف الخير من الشر وإنما من عرف خير الشرين خُذ دومًا بأقل الأضرار وأقل الخسائر إتلاف البعض للحفاظ على الكل ألا ترى الأطباء يُسقطون الجنين للحفاظ على الأم ويبترون يدًا أو قدمًا للحفاظ على الجسم الخيارات أحيانًا تكون مؤلمة ولكن فينا عقل لنختار ! الصبر على إهانات العمل خير من البطالة ولا أدعو لتحمل الإهانات إنما للصبر ريثما يتحصل البديل وأحيانًا صبر زوجة على زوجها رغم سوء أخلاق هو الأفضل لها ولأولادها لأنها ستكون بين خيارين أحلاهما مرّ والعاقل من يختار الأقل مرارة وقد يكون صبر زوج على زوجته خير من طلاقها لأن الحل الذي نأخذه في مشكلة قد يفتح مشكلة أكبر من الأولى التي اخترنا لها حلاً ! وأما الابتلاء لإصلاح الآخرة فهو ما حدث في قتل الغلام ثمة أشياء لا يفهمها الناس لأنهم لا يحيطون بها علماً من أين للأبوين المؤمنين أن يعرفا أن ابنهما هذا لو كبر فإنه سيكون كافراً ويفتنهما في دينهما فاختار الله لهما خير الشَّرين فلا شكّ أن فقدان الولد أقل شرًا من الكفر ولا شك كذلك أنه إن ابتلى فقد ألهمَ الصبر حين يأخذ منك شيئًا فأنت لا تعرف الحكمة ولكن كن على ثقة ليس كل ما تراه شرًا هو كذلك فعلًا وليس كل ما تراه خيرًا هو كذلك فعلًا والخيرة فيما اختاره الله ! الدَّرْسُ السَّابع : إذا خفت على مستقبل أولادك بعدك فلا تفتح لهم حسابًا في البنك، ولا تجمع لهم ميراثًا ضخمًا وإن كان هذا أمر حسن ولكن أمّن عليهم عند الله، وكن صالحًا ! فإن من لم يترك إلا الميراث فقد ترك الأولاد للأسباب ومن ترك التقوى فقد ترك الأولاد لربِّ الأسباب ولا شك أن الأسباب تذهب ويبقى الله وانظر لثمرة التقوى عند الله عبد صالح من عباد الله لا نعلمه نحن ولا يعلمه موسى عليه السلام والخضر كذلك ولكن الله يعلمه، وكفى له شرفًا هذا المجهول في الأرض، المعروف في السماء أرسل الله نبيًا من أولي العزم من الرسل وعبدًا صالحًا ليقيما جدارًا تحته كنز لأولاده أبعد هذا التأمين على الحياة تأمين ؟! دخل مقاتل بن سليمان على المنصور يوم بُويع بالخلافة فقال له المنصور : عِظني يا سليمان فقال : أعظك بما رأيتُ أم بما سمعتُ ؟ فقال : بل بما رأيتَ فقال : يا أمير المؤمنين، إن عمر بن عبد العزيز أنجب أحد عشر ولدًا وترك ثمانية عشر دينارًا كُفّن بخمسة دنانير، واشترى له قبر بأربعة دنانير ووزّع الباقي على أبنائه وهشام بن عبد الملك أنجب أحد عشر ولدًا وكان نصيب كل ولد ألف ألف دينار واللهِ يا أمير المؤمنين لقد رأيتُ في يوم واحد أحد أبناء عمر بن عبد العزيز يتصدق بمئة فرس للجهاد في سبيل الله وأحد أبناء هشام يتسوّل في الأسواق ! الدَّرْسُ الثَّامن : تُعلمنا هذه القصة الأدب مع الله وما أحوجنا لأن نتعلم هذا في زمن كثر فيه التسخط والتشكي وكل ما فعله الخضر إنما كان بأمر من الله كما تبين ولكنه كان أديبًا وهو يخبر عن الله فجعل القدر الذي ظاهره شر منسوب إلى نفسه والقدر الذي هو خير منسوب إلى الله سبحانه وتعالى وها هو يخبر موسى عليه السلام بما كان منه فيقول : " أما السفينة فكانت لغلامين يتيمين في المدينة فأردت أن أعيبها وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبًا " فأردتُ أن أعيبها ! ما أحلاه من أدب، وما أعذبه من تأدب كان ينفذ أمر الله بالحرف ولكنه نسب الضرر لنفسه وكذلك كان أديبًا في كلامه عن قتل الغلام : " أما الغلام فكان أبواه مؤمنين فخشينا أن يرهقهما طغيانًا وكفرًا فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرًا منه زكاة وأقرب رحمًا " هنا أشرك نفسه بضمير الجميع " أردنا " وذلك أنه من أدبه مع الله قسم العمل بينه وبين الله في هذا الفعل " قتل " و " رحمة " فهو المنوط بفعل القتل رغم أنه وحيّ والله المختص بالرحمة وكذلك كان أديبًا في كلامه عن الجدار : " وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما وكان أبوهما صالحًا فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما " " أراد ربك " نسب الفعل كلّه لله، ذلك أن الفعل هنا خير كله خير من إكرام العبد الصالح بابنيه، وخير من حفظ الكنز إليهما والأدب مع الله كثير في القرآن الكريم لا يتسع له المقام ونضرب أمثلة خفيفة منه فالكلام يجر بعضه بعضًا يقول الله تعالى لعيسى ابن مريم : " أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله " ! كان يكفي أن يقول عيسى عليه السَّلام : لا وهو جواب حسن للسؤال ويفي بالمراد ولكن هذا ليس أدب الأنبياء مع الله وإنما قال : " إن كنتُ قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك سبحانك إنك أنت علام الغيوب " وكان إبراهيم عليه السلام أديبًا مع الله كذلك يوم قال : " الذي خلقني فهو يهدين، والذي هو يطعمني ويسقين، وإذا مرضتُ فهو يشفين " إنّ المرض بيد الله وهو المبتلي به ولكن إبراهيم المؤدب مع ربه نسب المرض إلى نفسه فقال : وإذا مرضتُ ونسب الشفاء لله، فقال : " فهو يشفين " فنسب كل خير لله، الخلق والهداية والإطعام والسقاية ولكن لأن المرض في ظاهره شر نسبه لنفسه وكذلك أيوب عليه السلام كان مؤدبًا مع الله : " إني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين " فلم يقل ربي سلطت عليّ المرض رغم أنه يعرف أن ما نزل به من بلاء من الله بل قال : مسني الضر، هكذا وكأن الضر جاء وحده فأدبًا مع الله لم ينسب الشقاء له حتى أنه لم يطلب الشفاء صراحة مع أنه لو طلبه ما كان في الأمر شيء وإنما قال : وأنت أرحم الراحمين إنه أدب الطلب الذي يأخذ شكل الثناء والتنزيه وكذلك كان آدم عليه السلام مؤدبًا مع الله فقال : " ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين " رغم أنه مرّ معنا في حوار آدم وموسى عليهما السلام أن آدم قد حجّ موسى وبأن ما حدث أمر قد كتبه الله ولكن قارن بين كلام آدم مع عبد مثله وبين كلامه مع ربه ففي الأول يُدافع عن نفسه، يتحدث عن مشيئة الله وفي الثاني ينسب الظلم لنفسه مع أنه قدر الله قبل خلقه حتى الجن كانوا في غاية الأدب مع الله فقالوا : " وإنا لا ندري أشرّ أريدَ بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشدًا " إنّ الشرّ يقع بقدر الله وعلمه ولكنهم عندما تحدثوا عن الشرّ جاؤوا بالفعل المبني للمجهول " أُريدَ " وعندما تحدثوا عن الخير والرشد والهداية نسبوا ذلك إلى الله صراحة "أراد بهم ربهم رشدًا" أدهم شرقاوي من كتاب : مع النبيّ
1 note · View note
jana7-da3wa · 6 years
Photo
Tumblr media
٢٤- 🕊 هذه قصة طويلة متشعبة تكثر فيها العِبر وتتعدد فيها الوقفات والدروس وقد ارتأيتُ أن أخرج فيها عن النمط المعتاد في هذا الكتاب فقد كنتُ أسردُ القصة ثم أضع لها دروسًا وفوائد لما غلب على ظني القاصر وعلمي القليل أنها تصلح ولكن في هذه القصة بدا لي أن لا أسردها دفعة واحدة وإنما أعرضُ للقصة شيئًا فشيئًا فإذا وجدتُ الحاجة للتوقف واستخلاص عبرةٍ أو درسٍ توقفتُ ثم تابعتُ وهكذا والله المُسددُ وعليه التُكلان روى البخاري في صحيحه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أوّل ما اتّخذ النساءَ المِنطق من قبل أم إسماعيل اتخذت منطقا لتعفي أثرها على سارة الدَّرْسُ الأوّل : المنطق هو ما تشدُ به المرأة وسطها عند عمل البيت لترفع ثوبها والمُراد من الحديث أنّ هاجر أول من استخدمته والخبر الحقيقي ليس هنا وإنما يوم خرجت مع زوجها وابنها تاركة سارة فقد أرخت منطقها لتخفي آثار أقدامها فلا تعلم سارة إلى أي مكان اتجهت إليه خشية على نفسها والقصة في بدايتها تقودنا إلى الحديث عن الغيرة بين الضرائر ! وقبل أن نتحدث عن غيرة الضرائر عمومًا وسارة خصوصًا علينا أن لا ننسى فضل سارة وثباتها وجهادها فهي المرأة التي آمنت بإبراهيم عليه السلام يوم لم يؤمن به أحد وهي التي حين وفد بها إلى مصر قال لها : ليس على وجه الأرض مؤمن غيري وغيرك وهي المرأة التي أرادها الفرعون لنفسه فأرادت العفة فلجأت إلى الله وقد كانت عزيزة عنده فحفظها في عرضها ولكن جرت سُنة الله في الناس أنه فطرهم على طبائع مشتركة لا ينجو منها أحد مؤمنهم وفاجرهم ! فالمرأة ترغب بالرجل بغض النظر عن درجة إيمانها والرجل يرغب في المرأة بغض النظر عن درجة إيمانه هذه غرائز أوجدها فينا الخالق لحكمة يعلمها سبحانه والإسلام ما جاء ليقضي على الغرائز وإنما ليهذبها ويضعها في طريقها الصحيح والغيرة بين الضرائر مما فُطرت عليه النساء ويقول ابن حجر في فتح الباري : الغيرة في النساء أمر غير مكتسب أي أنهنّ جُبلن عليه ولا يستطعن منه خلاصًا والله لا يُحاسب على الشعور ما دام شعورًا ولكنه يؤاخذ على الأعمال التي تنتج عن هذه المشاعر ! وكان من الطبيعي جداً وسارة متعلق قلبها بزوجها وهي امرأته الوحيدة ردحًا من الزمن أن تغار وقد صار له زوجة غيرها وصار له منها ولد أيضًا مما زاد تعلقه بالزوجة الجديدة التي جاءت له بالولد فاستعرتْ نار الغيرة في قلبها وحصل منها ما يحصل من الزوجات وهو أمر أتفه من أن نتوقف عنده إنه أمر طبيعي يُذكر جملة لا تفصيلًا إذ لا تنجو منه امرأة وهذه عائشة الصِّديقة بنت الصديق رضي الله عنها كانت ليلتها ورسول الله صلى الله عليه وسلم عندها وأرسلت سودة بنت زمعة رضي الله عنها للنبي صلى الله عليه وسلم مع خادمها قصعة فيها طعام أحبّتْ أن يأكل زوجها منها فما كان من عائشة إلا أن ضربت القصعة في يد الخادم فانكسرتْ ولما كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عنده كان هذا الموقف ليكون محرجًا جدًا له ولكنه الرحمة المهداة الحليم العارف بفطرة الله في الناس فما كان منه إلا أن ابتسم وقال لأصحابه : غارت أُمكم ! وطلب من عائشة أن تعطي سودة قصعتها وانتهي الأمر هنا ! الدَّرْسُ الثّاني : الجزاء من جنس العمل وسارة التي ذكرنا غيرتها حان الوقت لنذكر دماثة أخلاقها فعندما عصمها الله من الفرعون الذي أرادها لنفسه أعطاها الفرعون هاجر هدية، عربون توبة واعتذار منه فهاجر بهذا المعنى ملك لسارة بحسب الحال وطبيعة الزمن ولكن سارة الخلوقة والنبيلة كانت عقيمًا لا تلد وقد علمت رغبة زوجها بأن يكون له ولد فاختارت سعادة زوجها على حساب سعادتها الشخصية ورفضت أن تكون أنانية فتحرم زوجها الولد لأنها لا تُنجب فطلبت منه أن يتزوج هاجر وهكذا كان فولدت هاجر إسماعيل عليه السلام ولكن الله العادل الرحيم الذي يردُّ المعروف بمثله، ويجازي الخير بالخير أصلح هذه المرأة العقيم التي لا تلد لتلد نبيًا هي الأخرى، وهو إسحاق عليه السلام فكان منه كل نبي بُعث في بني إسرائيل بعد هذا باستثناء عيسى عليه السلام فإنه بلا أب كما لا حاجة لأن نتوقف عند هذا بينما لم يكن من ذرية إسماعيل إلا نبي واحد هو نبينا صلى الله عليه وسلم وإنهم سلام الله عليهم جميعًا لئن كانوا جمعًا فهو الفرد الذي لو جُمع الناس في صعيد واحد لفاقهم جميعًا. ويكمل الصادق الأمين قصته فيقول : ثم جاء بها إبراهيم وبابنها إسماعيل وهي ترضعه حتى وضعهما عند البيت عند دوحة فوق زمزم في أعلى المسجد الحرام وليس بمكة يومئذٍ أحد وليس بها ماء فوضعهما هنالك ووضع عندهما جرابًا فيه تمر، وسقاء فيه ماء ثم قفى إبراهيم منطلقًا فتبعته أم إسماعيل فقالت : يا إبراهيم أين تذهبوتتركنا بهذا الوادي الذي ليس فيه إنس ولا شيء ! فقالت له ذلك مرارًا وجعل لا يلتفت إليها فقالت له : آلله الذي أمرك بهذا ؟ قال : نعم قالت : إذن لا يضيعنا الله ثم رجعتْ ! فانطلق إبراهيم حتى إذا كان عند الثّنية حيث لا يرونه استقبل بوجهه البيت ثم دعا بهؤلاء الكلمات ورفع يديه : "ربنا إني أسكنتُ من ذريتي بوادٍ غير ذي زرع عند بيتك المحرم" حتى بلغ "يشكرون"! الدّرْسُ الثّالث : إنكَ لا تعرف الآن لمن تعجب لإبراهيم عليه السلام، الرجل الذي أفنى حياته سائرًا إلى الله منذ نعومة أظفاره وحتى شاخ، يُكابد ويُجاهد حطّم الأصنام فتًى فأُلقي في النار وقف في وجه النمرود شابًا فطُرد من "أدر" وطنه ومسقط رأسه ارتحل إلى فلسطين حيث عبدة الكواكب فأقام عليهم الحجة ارتحل إلى مصر فلاقى هناك فرعون يريد زوجته حُرم الولدَ فصبر حتى بلغ المشيخ ثم ها هو قد رُزق به أخيرًا فيؤمر أن يترك زوجته وفلذة كبده أين يتركهما ؟ أفي أيدٍ أمينة ؟ في وادٍ غير ذي زرع ولا ماء حيث لا يفد الناس ولا يقدم البشر ولكن إبراهيم لا يعنيه كل هذا إن الله أمر بهذا فليكن أمره ولتكن مشيئته ! أَمْ تعجب من المرأة الضَّعيفة المرضع تلحق زوجها : أتتركنا هنا ؟ وهو لا يجيب ... ثم لما علمت أنه أمر الله تقول بكل يقين : لن يضيعنا الله أيّ بيت هذا ؟! وأي بشر هؤلاء ؟! الله عندهم أولًا، والله عندهم أخيرًا الدَّرْسُ الرَّابع : ما كان إبراهيمُ يعاني نقصًا في مشاعر الأبوة وما كانتْ هاجر في استغناءٍ عن الزَّوج ولكن البعض مرُّوا في ذاكرة التاريخ لنتعلم منهم ! ما دام الأب العطوف قد ترك ابنه وزوجته لأنَّ الله أراد والزوجة الضعيفة قبلت بالوحدة لأنَّ الله أراد هذا يعني أن الطريق إلى الله قد يكون ضدّ هوى النفس أو لعله كان دائمًا كذلك ! ولا يصل إليه سبحانه إلا الذين يتغلبون على أنفسهم المتصدِّقُ رغم حبَّه للمال ومقيمُ الليل رغم حبِّه للنوم والمتعففُ رغم حبِّه للنساء ورافضُ الرَّشوة رغم حاجات البيت ومطالب الأولاد المحتشمةُ رغم حبها لإظهار أنوثتها والمغلقُ دكانه للصلاة رغم أن الزبائن قد يذهبون إلى دكان آخر كل هؤلاء يَصِلون وقد حُفت الجنة بالمكاره، وحُفت النار بالشهوات ! الدَّرْسُ الخامس : تسأله : أتتركنا هنا ؟ فلا يلتفتُ ... أسألتَ نفسكَ لماذا لم يلتفت إبراهيم إليها وإلى ابنها ؟ أهو الكِبر ؟ معاذ الله، إبراهيم أرفع شأنًا وأعلى مقامًا ولكنه لا يريد أن يضعف لا يريد أن ينفطر قلبه وهو يترك زوجته وولده فيقعده هذا الُحبّ الكبير عن أمر الله ! هكذا هم الكبار يتركون ما يُحبِّون لما يُحبُّ ربُّهم ولأن سلاح المؤمن الدعاء، أشهرَ إبراهيم عليه السَّلام سلاحه وأوكل الأمر لمن بيده الأمر " واجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم " ! دعوة أصابت القلوب منذ قديم الزمان لم تُصب جُرهمًا وحدها كما سيأتي ولكنها أصابت قلب كلّ مؤمنٍ حتى قيام الساعة وها هو البيتُ العتيق في مكة، وها هي القلوب تفدُ إليه قبل الأبدان من كل حدب وصوب ينسلون وقد أصابهم سهمُ الدعاء ! المرأة الوحيدة، جاءت قبيلة كاملة لتؤنسها والولد الذي تركه أبوه صار عنده عشرات الرجال يرعونه انقل ملفَّ قضيتك من الأرضِ إلى السَّماء هذه الأرض تُدار من الأعلى حيث من أمرُه بين الكاف والنون أيها المريضُ إنَّ الطبيبَ في السَّماء أيها الفقيرُ إن الغنيّ في السَّماء أيها الحزينُ إن المؤنس في السماء أيها المكسورُ إن الجابر في السماء أيها الوحيدُ إن السَّلوى في السماء أيها المحرومُ من الولد إن الرازق في السماء أيها المغمومُ إن الكاشف في السماء الناس ليسوا إلا أسباباً واقعة في قدر الله فلا تركن إلى السبب وتنسى المُسبب ! العمل سبب والرازق الله الزَّواجُ سبب والواهبُ الله الدِّراسة سبب والمُسدد الله البنادقُ سبب والرّامي الله خُذ الأسباب ما استطعت ولكن إياك أن تُنسيك الأسباب من سببها ! الدَّرْسُ السّادس : آلله أمرك ؟! ما أحلاه من سؤال ... وما أحلى الجواب إذ نقول للناس : إن الله أمرَنا وما أحلاه من إيمان إذ نقوم بالأشياء فقط لأنَّ الله أمر لماذا تخفين جمالكِ ؟ لأنَّ الله أمر لماذا تطيعين زوجكِ ؟ لأنَّ الله أمر لماذا لا ترتشي ؟ لأنَّ الله أمر لماذا تُكرم زوجتك ؟ لأنَّ الله أمر لماذا تبرّ والديكَ ؟ لأنَّ الله أمر نصومُ ونحجُّ ونزكي لأنَّ الله أمر من يحتاج سببًا أحلى وأروع من هذا وكُنْ على يقينٍ من أقام أمرَ الله أقامَ الله أمره ما أمسك أحدٌ يده عن حرامٍ إلا رزقه الله الحلال معادلة صعبة لا يفهمها كثيرٌ من الناس كل ما حصلتَ عليه من حرام حصلتَ عليه لأنه رزق الله لكَ لو صبرتَ عليه لأخذته بالحلال ! كل لقمةٍ أكلتها بالحرام هي لكَ بالحلال لو صبرتَ وكل درهمٍ جنيته بالحرام هو لكَ بالحلال لو صبرتَ حتى النظرة بالحرام تجد فيها لذة لو صبرتَ لكانت لذةً بالحلال ! ويكملُ الصادقُ الأمين قصته فيقولُ : وجعلتْ أمُّ إسماعيل تُرضع إسماعيل وتشربُ من ذلك الماء حتى إذا نفد، عطشَتْ وعطشَ ابنُها، وجعلتْ تنظرُ إليه يتلوى فانطلقتْ كراهية أن تنظر إليه فوجدتْ الصَّفا أقرب جبل في الأرض يليها فقامت عليه ثم استقبلتْ الوادي تنظر هل ترى أحدًا فلم ترَ أحدًا ... فهبطتْ من الصفا حتى إذا بلغت الوادي رفعتْ طرف درعها ثم سعتْ سعي الإنسان المجهود حتى جاوزت الوادي ثم أتتْ المروة فقامتْ عليها ونظرت هل ترى أحدًا فلم ترَ أحدًا ففعلتْ ذلك سبع مرات فذلك سعي الناس بينهما ! فلما أشرفت على المروة سمعتْ صوتًا فقالت: صَه، تريد نفسها ثم تسمَّعتْ فسمعت أيضًا، فقالت : قد أسمعتَ إن كان عندكَ غواث فإذا هي بالمَلكِ عند موضعِ زمزم فبحثَ بعقبه بجناحِه حتى ظهرَ الماء فجعلتْ تحُوضه، وتقولُ بيدها هكذا وجعلتْ تغرفُ من الماء في سقائها وهو يفور بعدما تغرف يرحم الله أم إسماعيل لو تركتْ زمزم أو قال لو لم تغرف من الماء لكانت زمزم عينًا معينًا فشربتْ وأرضعتْ ولدَها فقال لها المَلَكُ : لا تخافوا الضيعة فإن ها هنا بيت الله يبنيه هذا الغلام وأبوه وإنَّ الله لا يضيع أهله ! الدَّرْسُ السَّابع : لو أنَّ هاجر جلست منكسرة تبكي لما لامها أحد امرأة وحيدة إلا من رضيع صار عبئًا عليها بعد أن كان ونيسًا لها يوم كان عندها التمر والماء كانت تأكل وتشرب فترضع ابنها فكان وقتذاك أنيسًا أما الآن فكأنه لا يكفيها صحراء مترامية الأطراف ليس فيها شيء ولا يكفيها الحرُّ والعطش والجهد حتى يأتيها فوق هذا فلذة كبدها يتلوى من الجوع والعطش اجتمع عليها العذاب الجسديّ والعذاب النفسيّ ولكن هاجر لا تعرف الانكسار تهبُّ من فورها إلى الصَّفا فتنظر هل من قادم وفي طريقها إلى المروة تمرُّ على ابنها لتطمئن إليه ولا شيء يطمئنها سوى انه ما زال يتلوى هذا درس مهم في السَّعي ليس السَّعيُّ الدينيّ الذي سيأتي الحديث عنه وإنما السَّعي الدنيويّ مهما صعبت ظروفك فلن تكون أصعب من ظروف هاجر أخذتْ تسعى وتنبشُ الصحراءَ عن نجدة يجب أن نتعلم أن السعيّ في الدنيا لا يُنافي التوكل على الله ! زوجة نبيٍّ وأم نبيٍّ ولم تجلس مستسلمة عاجزة لم تركن إلى قادمٍ يأتي وحده أو معجزةٍ تحصل وهي واضعة يدًا على خدٍّ عندما تضيقُ حتمًا سيأتي الله بالفرج ولكن شتان بين العاجز المستسلمِ وبين السَّاعي المجتهد إنّ هذه الدُّنيا دار سَعي فاسعَ ما استطعت لا شيءَ يأتي بسهولة، وقد خلق الله الإنسانَ في كبد كلّ شيءٍ يحتاج إلى مشقةٍ ومجاهدة النفسُ لا تستقيم دون مجاهدة الهوى والجنةُ لا تُدخَل دون مجاهدة النفس الأولادُ لا يكبرون إلا بشق الأنفس والرِّزقُ لا يحصل إلا بتعبِ الجسد والروح الدَّرْسُ الثّامن : إنَّ الجزاء من جنس العمل ! هذه بديهية تتكررُ في كلّ قصةٍ وفي كلّ موقف المرأة التي قالتْ : لن يُضيعنا الله أرسل الله لها ملكًا ليقول لها : إنَّ الله لا يُضيّع أهله ! يحتاج النّاس أن يسمعوا كلمةً حلوة يحتاج الناس لمن يطمئنهم وقت المصيبة لا إلى من يزيد همهم همًا إذا زرتَ المريضَ حدِّثه عن أملِ الشِّفاء وإذا وقعتَ على راسبٍ أخبره أن النجاح دومًا يأتي بعد الفشل إذا رأيتَ فقيرًا أخبره أن الغِنى أمر ممكن الحصول إذا زرتَ من فقد ابنًا عزّه بالنبيِّ صلى الله عليه وسلم وقد فقد أولاده وإذا شكا إليكَ أحدٌ ولده عزّه بنوح عليه السّلام إذ عصاه ابنه وإذا شكا إليكَ أحدٌ زوجتَه عزّه بنوح ولوط عليهما السّلام وإذا شكا إليكَ أحد أباه عزّه بإبراهيم عليه السلأام إذا شكا إليك أحد بأنه عاقر حدثه عن زكريا عليه السّلام إذ رُزق بيحيى وقد اشتعل الرأس شيبًا وإذا شكت إليك امرأة أنها عقيم حدثها عن سارة يوم صكّت وجهها أخبر العاطل عن العمل أن هناك فرصة ستأتي وأخبر الواقع بمشكلةٍ أن هناك حلّ لا محالة آتٍ وأخبر اليائس أن هناك سبيل يحتاج النَّاس لمن يربت على أكتافهم الحياة قاسية، والناس في شقاء، فلا تزدها عليهم احقنهم بالأمل، أخبرهم أن ثمة حلّ دومًا إنّ أحلك ساعات الليل هي تلك التي تسبق الفجر بقليل ! الدَّرْسُ التَّاسع : الكونُ كلّه بيدِ الله فكُنْ مع الله يطوّعُ الكون لكَ أيُّ مَلَكٍ كان بأمرِ الله قادر على أن يُخرج لها الماء ولكن الله أرسل لها جبريل ! أراد أن يكون العزاء بحجم المصيبة ! وما أحلاه من عزاء ! وأرجح الأقوال أن جبريل أتاها في صورة رجل بعد أن نفّذ مهمته لأنها لو رأته بصورته الحقيقية لأصابها الفزع وهذا موقف طمأنة لا موقف إظهار قدرة والملائكة والجنّ بعكس البشر لديهم القدرة على التشكل بأجسامٍ أخرى ولكن الفرق بين الجنِّ والملائكة في هذا إنّ الجنّ تحكمهم الصورة بينما لا تحكم الصورة الملائكة بمعنى أن الجنّ لو تشكل في صورة كلب أو ثعبان لصارتْ قدرته بقدرة الشَّيء الذي تشكل به فتقل قدراته ولو تلقى ضربة تقتل الكلب أو الثعبان لمات بينما الملائكة تبقى فيهم قوتهم ولو تشكلوا في صورة أخرى ! منظر الملائكة مُهيب جدًا حتى النبي صلى الله عليه وسلم لم يرَ جبريل في صورته الحقيقية إلا مرتين وفي المرة الأولى تملكه الفزع ! لهذا عندما أرسل الله إسرافيل وميكائيل وجبريل عليهم السلام إلى لوط عليه السلام، أرسلهم على هيئة بشر ليطمئنه لم يرد الله أن يجمع عليه فساد قومه وهيبة الملائكة ! الدَّرْسُ العاشر : ولو أنها لم تُحوِّض الماء وتغرف منه لكانت زمزم عينًا معينًا ! مهما كان الإنسان تقيّا نقيًا يبقى إنسانًا فلا تتعامل مع الأتقياء على أنهم ملائكة لا تنسَ أنهم بشر مثلك يكرهون، ويضعفون، ويحبّون الدنيا والزوجة والولد كما تحبّ لا تحاسبهم على إيمانهم لأنهم أقبلوا على دنياهم منذ متى كان الإيمان طلاقًا للدُّنيا ؟ إنّ الدّنيا بمالها ورزقها ليست ضدّ الجنة ولكنها طريق إلى الجنة هاجر كانت عطشى قد شارفت على الهلاك فمن الطبيعي أن تحوّض الماء وتغرف منه إن غير الطبيعيّ أن لا تفعل ذلك إن المصيبة تنزل بالمؤمن حتى تكاد تكسره لأنه إنسان والفرح ينزل به حتى يكاد ينسيه لأنه إنسان وقول النبي صلى الله عليه وسلم : لو أنها لم تحوّض ولم تغرف هذا يدخل في باب الخبر لا في باب الذّم وقد قالها صلى الله عليه وسلم في حقِّ أخيه موسى فعندما التقى موسى عليه السلام بالخضر ليتعلم منه اشترط عليه الخضر أن لا يسأله شيئًا ولكن الخضر عندما خرق السفينة سارع موسى عليه السلام يعاتبه ولما قتل الخضر الغلام نسي موسى وعده الذي قطعه وعاتبه مجددًا ثم قطع عهدًا جديدًا أن لا يسأل شيئًا حتى يخبره هو بنفسه فلمّا أقام الجدار عاد ليسأله وهذه طبيعة في البشر عند غرائب الأمور وموسى إنسان قبل أن يكون نبيًا ومن الطبيعي أن يتعجب ويسأل ويستغرب فلما كان السؤال الثالث قال له الخضر : هذا فراق بيني وبينك فقال صلى الله عليه وسلم: رحم الله أخي موسى لو صبر لأرانا من عجائب علم الله عند الخضر عليه السلام ! الدَّرْسُ الحادي عشر : الذي أخرج الماء من الصحراء قادر على أن يُخرج من المشكلة حلًا فأحسن الظن بالله فإنه لا يُعجزه شيء كلّ الأزمات التي حلّها الله بكلمة كُنْ فكانت أشدّ تعقيدًا من كل أزماتك فسلّمه أمرك الذي أخرج ناقةً من الصَّخر يخرج من قلوب الناس رحمة والذي شقَّ البحر لنبيه بعصا، يشقُّ صعابك والذي انتقمَ لنوحٍ ينتقمُ لك والذي رزقَ زكريا على المشيب ابنًا يرزقك والذي أوقفَ الشَّمسَ ليوشع يوقف أعداءك يحدثك عن قدرته لتأوي إليه يحدثك عن غضبه لتحذّره ويحدثك عن رحمته لتطمع فيه وتقصده هداكَ السبيل إما شاكرًا وإما كفورًا فاختر لنفسك مع أيّ الفريقين تكون ! ويكمل الصادق الأمين قصته فيقول : وكان البيت مرتفعًا من الأرض كالرَّابية تأتيه السيول فتأخذُ عن يمينه وشماله فكانت كذلك حتى مرَّتْ بهم رفقة من جُرْهم فنزلوا في أسفل مكة فرأوا طائرًا عائفًا فقالوا : إنّ هذا الطائر ليدور على ماء لعهدنا بهذا الوادي وما فيه ماء فأرسلوا جريًا أو جريين فإذا هم بالماء فرجعوا، فأخبروهم بالماء، فأقبلوا وأم إسماعيل عند الماء فقالوا : أتأذنين لنا أن ننزل عندكِ فقالت : نعم، ولكن لا حقَّ لكم في الماء قالوا : نعم فألفى ذلك أم إسماعيل وهي تحبُ الأُنس فنزلوا، وأرسلوا إلى أهليهم، فنزلوا معهم حتى إذا كان بها أهل أبياتٍ منهم وشبّ الغلام، وتعلم العربية منهم، وأنفسهم وأعجبهم، حين شب فلما أدرك زوجوه امرأة منهم. الدَّرْسُ الثَّاني عشر : كانوا فرسانًا وكانت امرأة وحيدة فاستأذنوها أن ينزلوا عندها فتشترط أن لا يكون لهم الماء فيقبلوا ! هذا درس عظيم في الأخلاق، موغل في النُبل كانت جُرهم على غير دين إبراهيم فلا يعرفهم ولا يعرفوه ولكن كانت عندهم أخلاق الإسلام فعلاً ! الفرسان يطلبون إذن امرأة ضعيفة ! ويرفضون أن يأخذوا شيئًا ليس لهم ليس عجبًا أن ترى غير المسلم على أخلاق إنما العجب أن ترى المسلم بغير أخلاق ! إنّ هذا الدّين كلّه خُلق فمن فاقك في الخُلق فاقك في الدِّين ! مؤسف حقًا أن ندين بالإسلام ولا نتمثل أخلاقه ويحزُّ بالقلب أن نرى العرب الرُّحل الذين لا دين لهم يرفضون أن يأخذوا ما ليس لهم، ونحن نأكل مال بعض ويرون أن الحقّ أكبر من القوة، ويأكل فينا القوي حقَّ الضعيف الدَّرْسُ الثّالث عشر : ما سُميَّ الإنسان إنسانًا إلا لأنه يأنس بغيره وغيره يأنس به بهذا تتحقق إنسانيتنا أن نألف ونُؤلف أن يجد الجائعُ عندنا رغيفًا ويجد المحزونُ عندنا سلوانًا ويجد الضعيفُ عندنا نصرًا إننا عندما نعطي إنما نعطي أنفسنا أكثر مما نعطي الآخرين نهب أنفسنا الإنسانية لأن الإنسانية سلوك، وأخلاق، وتصرفات الحيوانات تولد حيوانات أما البشرُ فلا بد لهم من الأخلاق ليكونوا بشرًا راجع مؤشر بشريتك أيجد فيكَ أبواك ابنًا استحق عناء إنجابه أيجدُ فيكَ أولادك أبًا استحق أن ينادوه يا أبي أيجدُ فيكَ أخوك سندًا وعونًا أتجدُ فيكَ زوجتكَ صديقًا وحبيبًا أتجدُ فيك أختكَ ملاذًا أيجد فيكَ جاركَ أخلاقًا هذه هي الأشياء التي تجعل منا بشرًا فلا تتنازل عن إنسانيتك ! الدَّرْسُ الثّالث عشر : أربعة أنبياء من العرب فقط : هود وصالح وشعيب ومحمد صلى الله عليه وسلم أما إسماعيل فهو أبو العرب باعتبار النشأة لا باعتبار الأصل وإلا فإن إبراهيم لم يكن عربيًا وبطبيعة الحال هكذا ابنه وكلنا لآدم، وآدم من تراب ! وأنّ هذا الدين وإن بدأ بالعرب فليس دين العرب وحدهم هذا الدين للناس جميعًا، أبيضهم وأسودهم، وأحمرهم، وأصفرهم فدعوا عنكم عصبية الجاهلية والتفاخر بالأحساب والأنساب فإن بلال الحبشي في الجنة، وأبو لهب الهاشمي في النار وصهيب الرومي في الجنة والوليد بن المغيرة المخزوميّ في النار و "يا عباس عمّ محمد اعمل، ويا فاطمة بنت محمد اعملي لا يأتيني الناس يوم القيامة بأعمالهم، وتأتوني بقرابتكم" إن كان الله أكرم العرب أن جعل سيّد البشر منهم فليس ليزدروا الناس أو يعتقدوا أنهم أرفع شأنًا منهم هذه جاهلية تشبه جاهلية العرب الأولى وإنما شكر نعمة أن جعل الله النبوة منا أن لا ندع أحدًا يسبقنا لهذا الدين وأن تتسع قلوبنا لغير العرب ما دام قد وسعهم ديننا ثمة قرابة أرفع من قرابة العرب هي قرابة العقيدة ! ولو كان الولاء للقبيلة ما قاتل النبيّ قريشًا ولو كان الولاء للأرض ما ترك النبيّ مكة ولو كان الولاء للعائلة ما تبرأ من أبي لهب ولكنها العقيدة، أغلى من القبيلة والتراب والدم ! ويكمل الصادق الأمين قصته فيقول : وماتتْ أمُّ إسماعيل فجاء إبراهيم بعدما تزوّجَ إسماعيلُ يُطالع تركته فلم يجد إسماعيل، فسأل امرأته عنه فقالت : خرج يبتغي لنا ثم سألها عن عيشهم وهيئتهم فقالت : نحن في شرّ! نحن في ضيق وشدّة، فشكتْ إليه قال : فإذا جاء زوجك فاقرئي عليه السلام، وقولي له يُغيّر عتبة بابه فلما جاء إسماعيل كأنه آنسَ شيئًا فقال : هل جاءكم من أحد ؟ قالت : نعم، جاءنا شيخ كذا وكذا، فسألنا عنك فأخبرته وسألني كيف عيشنا فأخبرته أنَّا في جهد وشدة قال : فهل أوصاك بشيء؟ قالت : نعم، أمرني أن أقرأ عليك السلام، ويقول: غير عتبة بابك ! قال : ذاك أبي، وقد أمرني أن أفارقك، الحقي بأهلك فطلقها وتزوّج منهم أخرى فلبثَ عنهم إبراهيم ما شاء الله ثم أتاهم بعد فلم يجده فدخل على امرأته فسألها عنه فقالت : خرج يبتغي لنا قال : كيف أنتم ؟ وسألها عن عيشهم وهيئتهم فقالت : نحن بخير وسَعة، وأثنتْ على الله فقال : ما طعامكم ؟ قالت : اللحم قال : فما شرابكم ؟ قالت : الماء قال : اللهم بارك لهم في اللحم والماء ولم يكن لهم يومئذ حَبّ، ولو كان لهم دعا لهم فيه فهما لا يخلو عليهما أحد بغير مكة إلا لم يوافقاه قال : فإذا جاء زوجك فاقرئي عليه السلام، ومريه يثبت عتبة بابه فلما جاء إسماعيل قال : هل أتاكم من أحد؟ قالت : نعم أتانا شيخ حسن الهيئة، وأثنتْ عليه فسألني عنك فأخبرته، فسألني كيف عيشنا فأخبرته قال : وأوصاكِ بشيءٍ ؟ قالت : نعم، هو يقرأ عليك السلام، ويأمرك أن تثبِّتَ عتبة بابك قال : ذاك أبي، وأنتِ العتبة، أمرني أن أمسكك ! الدَّرْسُ الرَّابع عشر: ما أحلى الكناية مُريه أن يُغير عتبة بابه مُريه أن يُثبتَ عتبة بابه أحيانًا يكون التصريح مؤلمًا للسامع فلو قال لها : مريه أن يطلقكِ، لكان في الأمر فظاظة وإبراهيم عليه السلام أرفع شأنًا من هذا وما أراد أن يجرح أو يلمز كل ما أراده أن يوصل رسالة لابنه، فاتكأ على عكاز الكناية ! وأحيانًا يكون التصريح مؤلمًا للقائل نفسه كالأعرابية التي دخلت على الأمير، وقالت له : جىتُ أشكو إليك قلة الفأر في بيتي فقال : ما أحسن ما ورّتْ عن حاجتها املئوا بيتها خبزًا وسمنًا ولحمًا فكُن لماحًا، إذا قيلت أمامك الكناية ولا تزهد بها أنت أيضًا تحفظ الكنايات ماء الوجه أحيانًا ! الدَّرْسُ الخامس عشر : إنّ الله إذا أعطاك فقد أعطاكَ ما ليس لكَ وإذا حرمكَ فقد حرمكَ مما ليس لك فإن أُعطيتَ فاشكر، وإن مُنعتَ فاصبر سبحانه في عطائه حكمة، وفي منعه حكمة كذلك والصَّبرُ والشُّكر كلاهما عبادتان قلبيتان لا شأن للجسد فيهما على أنّ تمام الشكر أن يكون سلوكًا فشكر المال مساعدة الفقراء فيه وشكر الصحة إعانة الضعفاء وشكر العلم إرشاد محتار برأي ولو عقلَ الناس ما تسخطوا على قدر الله لأن السخط والتذمر لا يغيران فيه شيئًا وإنما به يجتمع على الإنسان مصيبتان الأولى : منع الله، والثانية : إثم التذمر وعدم الرضا والغنى الحقيقي هو غنى القلب لا غنى الجيب ونظرتنا للأشياء هي التي تحدد سيرنا في الحياة إمكانات إسماعيل هي ذاتها زمن الزوجة الأولى، وزمن الزوجة الثانية ولكن الأولى تنظر إلى ما تفقد لا إلى ما تملك والثانية شغلها الشكر بما تملك عن السخط عما تفقد وهذا هو سر السعادة الذي لا يدركه إلا القليل ! لا شيء أصعب من التعامل مع المتبرمين ولا شيء أحلى من التعامل مع الشاكرين وما أراد إبراهيم عليه السلام أن يخرب بيت ابنه ولكنه أراد له الخير الدَّرْسُ السَّادس عشر : أُمرنا بالبِرّ ولكن هل طلاق الزوجة بأمر الأب بر، وتركه عقوق ؟ ليس بالضرورة ! فليسَ كل الآباء إبراهيم عليه السلام وليس كل الأبناء إسماعيل عليه السلام يقّدر الابن حياته لأنه الأخبر بها فأحيانًا يكون التعايش مع المشاكل هو الحلّ المثالي لها وأيّ حلّ آخر قد ينتج عنه مشكلة أكبر وأحيانًا لا يكون الأب مُصيبًا في نظرته، والأم كذلك فإن كان ليس شرطًا للبر طاعتهما فإنه من العقوق قطيعتهما لأجل زوجة ولو كانت فاضلة تمسك بزوجتك ولا تنسَ أبويك ! ويتابع الصّادق الأمين قصته فيقول : ثمّ لبثَ عنهم ما شاء الله ثم جاء بعد ذلك وإسماعيل يبري نبلاً له تحت دوحةٍ قريبًا من زمزم، فلما رآه قام إليه فصنعا كما يصنع الوالد بالولد، والولدُ بالوالد ثم قال : يا إسماعيل، إن الله أمرني بأمر قال : فاصنع ما أمركَ ربُّكَ قال : وتعينني ؟ قال : وأعينك قال : فإنّ الله أمرني أن أبني ها هنا بيتًا وأشار إلى أكمةٍ مرتفعة على ما حولها فعند ذلك رفعا القواعد من البيت فجعلَ إسماعيل يأتي بالحجارة وإبراهيم يبني حتى إذا ارتفعَ البناء، جاء بهذا الحجر فوضعه له، فقام عليه، وهو يبني وإسماعيل يناوله الحجارة وهما يقولان : " ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم " الدَّرْسُ السَّابع عشر : كان إسماعيل عليه السلام راميًا ماهرًا، وصيادًا حاذقًا وفي القصة ما يؤيد هذا، إذ جاءه أبوه وهو يبري نبلًا وفي البخاريّ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه يومًا : " ارموا بني إسماعيل فإن أباكم كان راميًا " ولما كان هذا الدين دين فتوحات وجهاد كان من الطبيعي أن يحثّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم على الرميّ فيقول : ألا إن القوة الرميّ، ألا إن القوة الرميّ وقال عمر في قولته المشهورة : علموا أولادكم السباحة والرماية وركوب الخيل ! الدَّرْسُ الثّامن عشر : " إنّ أول بيت وضع للناس للذي ببكة " وفي بكّة قولان : الأول : أنه لا فرق بين لفظتي مكة وبكّة فالباء والميم يتناوبان في كلام العرب وهذا معلوم فنقول : ضربة لازم وضربة لازب وهما سواء والثّاني : وهو الذي أميل إليه بعد ما قرأتُ في الأمر كثيرًا أن بكة هي موضع البيت تحديدًا ومكة هي القرية كلها كما هو معلوم وبهذا فإن بكة هي جزء من مكة وهو موضع البيت والله أعلم. وسأل أبو ذر رسول الله صلى الله عليه وسلم : أيُّ المساجد بُني أولًا ؟ فقال له : المسجد الحرام ثم سأله : ثم أيّ ؟ فقال : المسجد الأقصى فقال : كم بينهما ؟ فقال : أربعين سنة وقد سبق القول أن الملائكة هي من بنَت الكعبة لآدم عليه السلام وأنها هُدمت بالطوفان، فأعاد إبراهيم عليه السلام بناءها الدَّرْسُ التّاسع عشر : هل الكعبة اليوم على الشكل الذي بناه إبراهيم عليه السلام ؟ الجواب هو ، لا ! فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عائشة أنّ الكعبة كان لها بابان وأنّه لولا أنّ قريش حديثة عهد بالإسلام لهدمها وأعاد بناءها كما كانت زمن إبراهيم عليه السلام حيث كان لها بابان وكان حجر إسماعيل داخلًا فيها ! أما لماذا لم تكن زمن قريش كما كانت زمن إبراهيم عليه السلام فالسببُ أن السَّيل جرفها زمن قريش فجمعوا حلال أموالهم وبنوها ولكن النفقة يومها لم تكفِ فجعلوا حجر إسماعيل خارجها وأثناء حكم عبد الله بن الزبير هدمها مجددًا وأعاد بناءها كما كانت زمن قريش وقد أراد أبو جعفر المنصور أن يهدمها زمن خلافته ويعيد بناءها كما كانت زمن إبراهيم عليه السلام فاستشار الإمام مالك في هذا الأمر فقال له : لا تفعل، كي لا تصبح الكعبة أُلعوبة للملوك كلما جاء ملك هدمها وأعاد بناءها فهي اليوم على الهيئة التي بنتها قريش الدَّرس العشرون : نختمُ بالحديث عن أجزاء الكعبة ونختصر أولًا : الحجر الأسود وقد جاءت به الملائكة من الجنة وفي الحديث : كان أبيض من اللبن فسوّدته خطايا بني آدم وفي هذا وقفة إذا كان حجر أبيض من الجنة سودته الخطايا فما تفعل الخطايا بالقلوب وهي من الأرض ! والحجر الأسود اليوم ثماني قطع والسبب هو أن القرامطة لما غزوا الكعبة سرقوه وبقي عندهم عشرين عامًا ثمّ أُعيد مكانه والقرامطة قوم فجَرَة، غزوا الكعبة وقتلوا الحجيج قبل يوم عرفة وألقوا في بئر زمزم عشرين ألف مسلم قتلى ! وكان أبو طاهر القرمطي عليه لعائن الله تترا عند باب الكعبة على فرسه يقول : أنا الله والله أنا، أخلق الخلق وأفنيهم أنا ! ومن جرأتهم على الله أن أحد القرامطة قال لعالم يومها : ألا يقول الله : " فمن دخله كان آمنًا " فأين ربك ؟ فقال له : يا أحمق إنه أراد أن يقول : من دخل الكعبة فأمّنوه وهذا أمر لا خبر ولكنكم قوم لا تعلمون ! ثانيًا : حِجر إسماعيل وهو نصف الدائرة بجوار الكعبة وهو فقهًا جزء من الكعبة، ومن طاف ومرّ منه لم يُحسب شوطه في الطواف لأنّ الطواف حول الكعبة لا بها وهو جزء منها وإن كان ليس داخلًا بها اليوم إلا أن الحُكم فيه حكم كل شيء داخل بها ثالثًا : مقام إبراهيم كان في الأصل الصخرة التي وقف عليها إبراهيم عليه السلام يبني البيت لما ارتفع فألانَ الله له الصخرة فحُفرت قدماه فيها وفي هذا وقفة : لما ألانَ إبراهيم قلبه لله، ألانَ الله له الصخر تحت قدميه ! وكانتْ قريشُ تعرف أن هذه الأقدام أثر دعسات إبراهيم وكان المقام ملتصقًا بجدار الكعبة أو يكاد لأنّه وُضعَ لإتمام جدران الكعبة ولكن عمر بن الخطاب أبعده زمن خلافته ليُسهل على الناس الطواف ثم صار بعد ذلك من ذَهبٍ كما هو اليوم ! أدهم شرقاوي من كتاب : مع النبيّ
0 notes
jana7-da3wa · 7 years
Photo
Tumblr media
٢٣- 🕊 الدَّرْسُ الأوّل : في طريقه إلى غزوة تبوك مرّ النّبيُّ صلى الله عليه وسلم بالحِجر وهي القرية التي كانت تسكن فيها ثمود فنزل بالجيش على مقربة منها فعمد أصحابُه إلى الآبارِ التي كانتْ تشرب منها ثمود فانتشلوا الماء، ونصبوا قدور الطعامِ ليطبخوا وعجنوا الدقيق ليخبزوا فلما جاءهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرهم أن تُراق القدور وأن يُعلف العجينُ للإبلِ فقد كره أن يرِدَ المسلمون مورد ثمود وأن يشربوا من ماء شرب منه قوم مسّهم عذاب يُعلِّمنا صلى الله عليه وسلم أن هذا الدين واحد وإن اختلفت شرائعه ! ويُعلِّمنا البراءة من الظالمين أمواتهم قبل أحيائهم ويُعلِّمنا أن هذا الدِّين ضارب في الزمن، طاعن في العمر ! وأنَّ الحقَّ لا يبهت ولو طوته الأيام والباطل لا يُقرّ ولو تعاقبتْ عليه السنوات إنَّ القصة ليست قصة قدور وعجين بقدر ما هي قصة براءة من كل ظلم وطغيان وكفر ! الدِّرْسُ الثَّاني : ثم إنه ارتحل بهم إلى البئرِ الذي كانت تشربُ منه النّاقة فأشار لهم إلى الطريق التي كانتْ الناقة تأتي منه وإلى الطريق الذي كانت تغادرُ منه وأخبرهم أن الماء كان قسمةً بين الناقة وثمود تشربُ هي من البئر يومًا ويشربون هم منها يومًا وكانوا في اليوم الذي لا يقدمون فيه إلى البئر يأخذون من لبنها ما يكفي القبيلة كلها ولكن الجحود طبيعة في الناس ! فبدل الشكر على هذه النعمة وبدل التصديق بنبيهم الذي أخرج من الصخر الميت ناقة حيّة أجمعوا أمرهم أن يذبحوها ! وتولى الأمر سيدهم الذي كان في وجهه حُمرة وفي حديث الإمام أحمد في المسند أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه : ألا أحدثكَ بأشقى رجلين ؟ فقال : بلى يا رسول الله قال : أُحَيْمِرُ ثمود الذي عقر الناقة والذي يضربك على هذه، وأشار إلى رقبته ! الدَّرْسُ الثَّالث : لما عقروا الناقة ، أوحى الله إلى صالح عليه السلام أن يخبرهم أن العذاب سيحلُّ بهم بعد ثلاثة أيام وفي اليوم الثالث جاءتهم الصيحة فهلكوا جميعًا من كان منهم حاضرًا في الحِجر ومن كان منهم غائبًا لسفرٍ عزم عليه، أو حاجة خرج ليقضيها إلا رجل واحد يُكنى بأبي رُغال فإنه كان في الكعبة، فلم يهلك أول الأمر ثم إنه لما غادرها، أصابه ما أصاب القوم ! الدَّرْسُ الرَّابع : تحّين الفرصة للدعوة إلى الله، فإن الأيام في تقلب مستمر وإن الناس أسمع ُ للعظة المرتبطة بالحدث الذي نزل بهم من غيرها وهذا من فقه الأنبياء وذكائهم فها هو رسول الله صلى الله عليه وسلم يستغلُ حدث مرور الجيش في الحجر ليخبرهم بما حدث ولم يكتفِ أن يخبرهم بالقصة بشكل عام بل إنه صحبهم إلى البئر الذي كانت تشربُ منه الناقة فأشار لهم إلى طريق قدومها وطريق مغادرتها المطرُ فرصة لنحدّث الناس عن رحمة الله والموتُ فرصة لنحدثهم أنه ليس غير الله يبقى والزَّواجُ فرصة لنحدثهم أن من آيات الله أن خلق لنا من أنفسنا أزواجًا والولادةُ فرصة لنحدثهم عن كرم الله وعطائه وفضل الشكر والكوارثُ فرصة لنحدثهم عن قدرة الله وغضبه وفضل الصبر الخسوفُ والكسوفُ فرصة لنحدثهم أن كل ما في الكون بيد الله الأعيادُ فرصة لنحدثهم أن الأعياد في الإسلام مقرونة بأداء الطاعات فعيد الفطر يعقبُ الصيام، وعيد الأضحى يعقبُ الحج ! تخيَّرْ وقت النصيحة ومضمونها لا تُحدِّث الناس عن الموت في فرح ولا تُحدِّث الناس عن الفرح في موت كن فطنًا لماحًا وتذكر أن لكل مقام مقالاً ! الدَّرْسُ الخامس : الكعبة كانت قبل إبراهيم عليه السلام بنتها الملائكة قبل هذا بكثير والراجح من أقوال الفقهاء أنها هُدمت في الطوفان فبقيَ بعد ذلك مكانًا معظمًا وإن لم يكن مشيدًا وكان لا يظهر منها إلا أساساتها وعليها بنى إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام الكعبة كما كانت وهي تفسير قول الله تعالى : " وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت " ولا خلاف عند المسلمين في هذا، وهذه القصة تؤكد هذا الاتفاق فإن ثمود كانوا قبل إبراهيم عليه السلام وهذا الشقيُّ أبو رُغال إنما عُصم من الهلاك أول الأمر لوجوده قريبًا من الأساسات التي بقيت من الكعبة بعد الطوفان الدَّرْس السادس : إن كان الله تعالى لم يأخذ أبا رغال كما أخذ قومه كرامة للكعبة وهي يومها لم تكن مشيدة فليعلمنا أن نُعظم شأن الكعبة وشأن من فيها وإذا كان الله سلّم الشقيَّ فيها فمن باب أولى أن نُسلّم نحن المؤمنين فيها ! فهي ليست مكاناً للتحرش وإن كثرت فيها النساء! يقول أحد التائبين : سبب توبتي امرأة تحرشتُ بها عند الكعبة فقالت لي : يا هذا، جئنا من آخر الأرض لنغسل خطايانا هنا فأين ستغسل أنت خطاياك ؟! وليست مكانًا للشهرة وطلب السُمعة في حق وأولى أن لا تكون في باطل كما فعل الأعرابي الأحمق الذي بال في بئر زمزم طلبًا للشهرة ! والكعبة ليست مكانًا للغزل والمجون وإن قصدته الجميلات ومن طريف ما يُروى في هذا ما حدث مع الشاعر الأموي الشهير عمر بن أبي ربيعة فقد قدمت امرأة فائقة الجمال إلى مكة تريد الحج فلما ذهبت لرمي الجمرات رآها عمر بن أبي ربيعة ففُتن بها فتعرض لها فلم تجبه فلما كانت الليلة الثانية تعرض لها فصاحت به قائلة : إليكَ عني فإنّا في حرم الله يا أحمق ! ولما كانت الليلة الثالثة خشيت أن يتعرض لها أيضًا فقالت لأخيها : أخرج معي فأرني المناسك فلما رأى عمر بن أبي ربيعة أخاها معها مكث في مكانه ولم يتعرض لها فأنشدت قائلة : تعدو الذئاب على من لا كلاب له وتتقي صولة المستأسد الضاري فلما سمع أبو جعفر المنصور هذه القصة قال : وددتُ لو أنه لم يبقَ فتاة من قريش إلا سمعت بهذا الخبر. والكعبة ليست مكانًا لفضّ الخلافات السياسية وإراقة الدماء كما فعل الجريء على الدماء الحجاج بن يوسف الثقفي مع عبد الله بن الزبير والقصة باختصار أن عبد الله بن الزبير وقف في وجه يزيد بن معاوية حين ورث الحكم عن أبيه فلما مات يزيد ونُحيّ ابنه تولى الحُكم مروان بن الحكم فاستفحل أمر ابن الزبير وحكم الحجاز واليمن وخراسان وبعض العراق إلى أن مات مروان بن الحكم وخلفه ابنه عبد الملك فسأل أهل الشام : من لابن الزبير منكم ؟ فقال الحجاج : أنا له يا أمير المؤمنين فحاصر الحجاج ابن الزبير في الكعبة زهاء سبعة أشهر وكان من جرأته على الله أنه رمى الكعبة بالمنجنيق ! فتفرق الناس عن عبد الله بن الزبير، فدخل على أمه الصّديقة بنت الصديق أسماء بنت أبي بكر، وقال لها : يا أماه؛ قد خذلني الناس، حتى ولدي وأهلي ولم يبقَ معي إلا اليسير، والقوم يعطونني ما أردتُ من الدنيا يقصد أن بني أمية يُساومونه حتى يترك لهم هذا الأمر، فما رأيكِ ؟ فقالت له : يا بني أنت أعلم بنفسكَ إن كنت تعلم أنك على الحق فامضِ فيه، فعليه قد قُتل من كان معكَ وإن كنت تريد الدنيا، فبئس العبد أنتَ، أهلكت نفسك ومن معكَ ! وإن قلتَ : إني على الحق ولكن أصحابي تفرقوا عني فهذا ليس فعل الأحرار، فكم خلودك في الدنيا ؟ القتل لك خير ! فقال لها : يا أماه أخاف إن قتلوني أن يمثلوا بي فقالت : يا بني لا يضر الشاة سلخها بعد ذبحها فقال لها : هذا رأيي الذي قمتُ به داعيًا إلى يومي هذا ما ركنتُ إلى الدنيا ولا لأجلها خرجتُ وما دعاني لهذا إلا الغضب لله وأن تُستحل حرماته وقد أحببتُ أن أسمع رأيكِ، وما زدتني إلا بصيرة وإني مقتول من يومي فاصبري ! فقاتل حتى قُتل، فقطع الحجاج رأسه وأرسله إلى عبد الملك ! ثم أرسل في طلب أسماء فرفضت أن تأتيه فقال : أخبروها لتأتيني وإلا سحبتها من قرونها فقالت : والله لا آتيه حتى يبعث من يسحبني من قروني ! فجاءها الحجاج بنفسه وقال لها : إن ابنكِ ألحدَ في الحرم ! فقالت له : كذبت يا حجاج ! كان أول مولود وُلد للمسلمين في المدينة وفرح به رسول الله صلى الله عليه وسلم وحنكه بيده وكبّر المسلمون يومئذ تكبيرًا ارتجت له المدينة وها أنت تفرح وأصحابكَ بمقتله ومن فرح بمولده خير ممن فرح بمقتله ! ثم قالت للحجاج : والذي بعث محمدًا بالحقّ إني سمعت رسول الله يقول : يخرج من ثقيف كذابًا ومبيرًا/ أي سفاحًا وإن الكذاب قد عرفناه فقد كان المختار الثقفي وأما المبير فما أحسبه إلا أنتَ ! فما نبسَ الحجاج ببنتِ شفة، وخرج من عندها ولم يرجع ! وقيل لعبد الله بن عمر: إنّ أسماء في ناحية المسجد فخرج إليها ولقيها فقال لها : يا أماه إن الجثث ليست بشيء، وإنما الأرواح عند الله فاصبري ! فقالت : وما يمنعني أن أصبر وقد أُهدي رأس يحيى بن زكريا عليه السلام إلى بغيّ من بغايا بني إسرائيل ثم قالت قولتها المشهورة : أما آن لهذا الفارس أن يترجّل ؟! فبلغت الحجاج، فخجل وأمر بعبد الله أن يُفكّ من الصلب فأخذته وغسلته ودفنته ! أدهم شرقاوي من كتاب : مع النبيّ
0 notes
jana7-da3wa · 7 years
Photo
Tumblr media Tumblr media
٢٢- 🕊 الدَّرْسُ الأوَّل : قالت العرب قديمًا : لكل حسام نبوة، ولكل حليم هفوة، ولكل كريم صبوة، ولكل جواد كبوة ! وهذا من أعقل ما قالته العرب ! فنحن بشر ومن الطبيعيِّ أن يخرج قطار تصرفاتنا عن مساره أحياناً وإنك لترى الحكيم حلّال مشاكل الناس غارقًا في مشكلة وترى التقيّ قد أصاب معصية وترى الكريم الجواد قد قارب البخل مرة وترى الحليم قد تملكته سورة الغضب فلا تمحُ تاريخًا حافلًا بالمروءة بموقف عابر فمن قواعد الفقه : أنَّ الماء إذا كثرُ لم يعد يحتمل الخبث ! وإن بعض الناس كالبحار والأنهار خيرًا وعطاءً فتذكّرْ ماضيهم النَّاصع إذا بدرَ منهم تصرف شنيع يتيم كتبَ حاطب بن أبي بلتعة وهو من أهل بدر إلى قريش يخبرهم بنية النبي صلى الله عليه وسلم التوجه إلى مكة لفتحها رغم أنه صلى الله عليه وسلم أوصى أن يبقى هذا الأمر سرًا ثم إن جبريل عليه السلام أخبر النبيّ صلى الله عليه وسلم بالأمر فأرسل في طلب الكتاب من المرأة التي أرسل معها حاطب الكتاب ولما صار الكتاب عنده وعاتب حاطبًا في هذا أخبره حاطب أنه رجل له أهل بمكة وقد غلب على ظنه أنه إن تودد إليهم بهذا أن يرفقوا بهم وهذا بمفهوم الحرب يُعتبر خيانة عظمى ! لهذا طلب عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن تُقطع رقبة حاطب ولكن نبيّ الرحّمة ما كان لينسى تاريخًا مشرقًا بتصرف واحد مشين وقال لعمر : لعلّ الله اطلعَ على أهل بدر، فقال : اعملوا ما شئتم فقد غفرتُ لكم ! عمر نفسه الحافظ لكتاب الله الوقّاف عند آياته ثار في المسجد يوم وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وأراد أن يبطش بكل من زعم أن النبيّ صلى الله عليه وسلم مات معتقدًا أنه ذهب لميقات ربه كما فعل موسى عليه السلام ولكن لما تلا الصّديق رضي الله عنه قول الله تعالى : " وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قُتل انقلبتم على أعقابكم " حتى علم أنه قدر الله ولا دافع له وقال بعد ذلك : فكأني لم أسمع الآية من قبل فهل من العدل أن نمحو تاريخ عمر الحافل بالفهم العميق للإسلام قبل خلافته وبعدها بموقف عابر سببه حبه للنبي صلى الله عليه وسلم. الدّرس الثاني : إياك واحتقار النساء ! فهذا من الذكورية وليس من الرجولة ! في موقف ما تساوي امرأة واحدة ألف رجل وفي مشاكل كثيرة يصبح رأي امرأة أرجح من رأي ألف رجل المرأة إنسان له عاطفة جيَّاشة وقلب كبير وهذا لا يعني أبدًا أنها قليلة عقل فإن كانت توصف أنها عاطفية فهذا مدح لا ذم أيّ ذم في أن نصف مخلوقًا بأنه رقيق وحسّاس ومُحب ولكن من قال أن العاطفة تُلغي العقل ؟! إننا لو قلنا بهذا فيجب أن نقول بالمقابل أن الرجل لا قلب لديه وهذا ظلم للرجل تمامًا كما المعنى الأول ظلم للمرأة وإن كان الله غلّب عاطفة المرأة على قدراتها الأخرى فلأنه سبحانه أراد لها دورًا في الحياة أجلّ من الحكم والقضاء إنها وظيفة تربية الحكّام والقضاة ! وإن كان غلّب عقل الرجل فلأن الحياة قاسية وتحتاج في كثير من المواقف إلى حزم وشدة وإن البيوت الناجحة هي التي تُرقق فيها المرأة عقل الرجل ويشدُ عقل الرجل قلب المرأة الحياة كمعادلة حسابية تغدو مملة كما أنها كرواية عاطفية تغدو غير واقعية ومن حكمته جلّ في علاه أن خلق المرأة لتكمل الرجل وخلق الرجل ليكمل المرأة عندما يعرف الرجل أن المرأة أرق منه في المشاعر فلا ليزدري عقلها وإنما ليكون حريصًا على مشاعرها وهو يُحكّم قلبه وعندما تعرف المرأة أن الرجل أملكَ لعقله منها لأنه أقل عاطفة فلا لتنظر إليه على أنه مخلوق قاسٍ وإنما لتتفهم أن بعض القضايا تحتاج إلى حسم أكثر من حاجتها إلى مداراة ! الدَّرْسُ الثَّالث : لا يوجد إنسان معصوم إلا الأنبياء والناس بعد ذلك يتفاوتون في اقتراف الأخطاء كل حسب عقله وقلبه! نحن بشر ولسنا ملائكة ولا أنبياء هذا المفهوم يجب أن لا يغيب عن بالنا ونحن نتعامل مع بعض علينا أن نفهم أن الناس عقول ومشارب وآراء مختلفة فقد أرى ما لا تراه، وقد ترى ما لا أراه فيجب أن أعذرك فيما ترى، ويجب أن تعذرني فيما أرى وأن لا نجلس لبعضنا على الزلة والخطأ كأننا أولياء رقاب الناس وقد قال سفيان بن حُسين : ذكرتُ رجلًا بسوءٍ عند إياس بن معاوية فنظرَ في وجهي وقال : أغزوت الروم ؟ قلتُ : لا قال : فالسنّد والهند والتركَ ؟ قلتُ : لا قال : أفتسلمُ منك الهند والسند والترك والروم ولا يسلم منك أخوك المسلم ؟ ثم منذ متى والناس يتفقون في كل شيء لو اتفقت العقول ما كانت الاجتهادات الفقهية والآراء وإن في الاجتهادات والاختلافات هذه لرحمة لو وافق الإمام أحمد أستاذه الشافعي في كل أمر ما كان صاحب مذهب ولكنه وهو يخالف أستاذه يعرف فضله والأمور لا تحتاج دومًا إلى أستاذ وتلميذ وإنما كان من أدب علماء الأمة أن يعذر الأقران بعضهم وهذا أحمد بن حنبل يقول : لم يعبر الجسر من خراسان مثل ابن راهوية وإن كان يُخالفنا في أشياء فإن الناس لم يزل يُخالف بعضهم بعضًا وهذا يونس الصدفيّ يقول كما في سير أعلام النبلاء : ما رأيتُ أعقل من الشافعيّ ناظرته يومًا في مسألة فلم نتفق وافترقنا فلقيني بعدها، فأخذ بيدي وقال لي: يا أبا موسى ألا يستقيم أن نكون إخوانًا وإن اختلفنا في مسألة ! الدّرْسُ الرَّابع : قصة واحدة تُغني عن ألف درس ! ألا وإن ثلث القرآن قصص ! وإنها ليست للمتعة والتسلية وإنما دروس شيِّقة ! إن الله إذ أراد أن يعلمنا العفة حدثنا عن يوسف عليه السلام وإذ أراد أن يعلمنا الثبات حدثنا عن سحرة فرعون وإذ أراد أن يعلمنا كيف تكون إجابة الدعاء حدثنا عن نوح و زكريا عليهما السلام وإذ أراد أن يعلمنا كيف يُراوغ العصاة حدثنا عن بقرة بني إسرائيل وإذ أراد أن يعلمنا عاقبة جحود النعمة حدثنا عن صاحب الجنتين وإذ أراد أن يعلمنا البر حدثنا عن إسماعيل عليه السلام وإذ أراد أن يحدثنا عن نصرة عباده حدثنا عن نار إبراهيم وبحر موسى عليهما السلام وإذ أراد أن يعلمنا عاقبة البخل حدثنا عن أصحاب الجنة وإذ أراد أن يُعلمنا كيف يكون انتقامه حدثنا عن ثمود وعاد وقوم لوط وإذ أراد أن يُعلمنا الحكمة حدثنا عن لقمان وإذ أراد أن يُعلمنا عاقبة البُخلِ والكِبر حدثنا عن قارون وإذ أراد أن يُعلمنا حبِّ الأخ لأخيه حدثنا عن موسى وهارون عليهما السلام وإذ أراد أن يُعلمنا أن البغض يأتي من الأقرباء أحيانًا حدَّثنا عن إخوة يوسف وإذ أراد أن يُعلّمنا ما تفعل الشهوة الحرام حدثنا عن زليخة وإذ أراد أن يعلّمنا قدرته في إحياء الموتى حدثنا عن حمار عزير وطيور إبراهيم عليهما السلام وإذ أراد أن يُعلمنا كيف يختار جنوده بدقة حدثنا عن طوفان نوح وأصحاب الفيل وإذ أراد أن يُعلمنا عن عقوق الأبناء حدثنا عن ابن نوح وإذا أراد أن يُعلمنا عن الحسد حدثنا عن قابيل وهابيل وإذا أراد أن يعلمنا عن حمق الطواغيت حدثنا عن فرعون والنمرود للقصة منزلة عظيمة في النفس البشرية وهي كما نرى وسيلة تربية ووعظ وتثقيف للكبير قبل الصغير فلا تزهد بها، إن قصة واحدة تساوي ألف موعظة ! الدّرْسُ الخامس : إن في قصص الأوائل عزاءً ! أيها الأب الذي يعاني عقوق ابنه، تعزّ بنوح عليه السلام أيها الابن المبتلى بعصيان أب، تعزّ بإبراهيم عليه السلام أيها الزوج المبتلى بزوجة سيئة، تعزَّ بلوط عليه السلام أيتها الزوجة المبتلاة بزوج سيء، تعزّي بآسيا زوجة فرعون أيها المبتلى بالمرض، تعزّ بأيوب عليه السلام أيها المبتلى بالفقد، تعزّ بيعقوب عليه السلام أيها المبتلى بظلم الإخوة، تعزّ بيوسف عليه السلام أيها المبتلى بعمٍ مؤذٍ، تعزَّ بمحمد صلى الله عليه وسلم إن كان هؤلاء لا يصلحون عزاءً بنظرك فلا شيء في الأرض سيُعزيك وإن السخط على قدر الله لن يرفعه ولكنه يجمع الإثم والعذاب وإن الرضا بقدر الله قد لا يرفعه ولكنه يُضاعف في الأجر ويرفع في المنزلة ! أدهم شرقاوي من كتاب : مع النبيّ
0 notes
jana7-da3wa · 7 years
Photo
Tumblr media
٢١- 🕊 روى الإمام مسلمٌ في صحيحه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : كان فيمن كان قبلكم ملك، وكان له ساحر فلما كبر قال للملكِ : إني قد كبرتُ فابعث إلي غلاماً أعلِّمه السِّحر فبعث إليه غلاما يُعلّمه فكان في طريقه إذا سلك، راهب فقعد إليه وسمع كلامه فأعجبه فكان إذا أتى السّاحر مر بالراهب وقعد إليه فإذا أتى الساحر ضربه فشكا ذلك إلى الراهب فقال : إذا خشيتَ الساحر فقل : حبسني أهلي وإذا خشيت أهلك فقل : حبسني السَّاحر فبينما هو كذلك، إذ أتى على دابةٍ عظيمة قد حبست الناس فقال : اليوم أعلمُ السَّاحر أفضل أم الرّاهب أفضل ؟ فأخذ حجرًا، فقال : اللهم إن كان أمر الراهب أحب إليك من أمر الساحر فاقتل هذه الدابة حتى يمضي الناس فرماها فقتلها، ومضى الناس فأتى الراهب، فأخبره فقال له الراهب : أي بني، أنت اليوم أفضل مني قد بلغ من أمركَ ما ترى، وإنك ستبتلى فإن ابتليت فلا تدل عليّ وكان الغلام يبرئ الأكمه والأبرص ويداوي الناس من سائر الأدواء فسمع به جليس للملك كان قد عمي، فأتاه بهدايا كثيرة فقال ما ها هنا لك أجمع إن أنت شفيتني فقال : إني لا أشفي أحدًا، إنما يشفي الله فإن أنت آمنت بالله دعوت الله فشفاكَ فآمن بالله، فشفاه الله فأتى الملك فجلس إليه كما كان يجلس من قبل فقال له الملك: من رد عليك بصركَ ؟ قال : ربي ! قال : ولك ربّ غيري ؟ قال : ربي وربك الله ! فأخذه، فلم يزل يُعذّبه حتى دلَّ على الغلام فجيء بالغلام، فقال له الملك : أي بُنيّ، قد بلغ من سحرك ما تبرئ الأكمه والأبرص، وتفعل وتفعل فقال : إني لا أشفي أحدًا، إنما يشفي الله فأخذه فلم يزل يعذبه حتى دلّ على الراهب فجيء بالراهب، فقيل له : ارجع عن دينك، فأبى فدعا بالمنشار، فوضع المنشار في مفرق رأسه فشقه حتى وقع شقاه ثم جيء بجليس الملك، فقيل له : ارجع عن دينك، فأبى فوضع المنشار في مفرق رأسه فشقه به حتى وقع شقاه ثم جيء بالغلام، فقيل له : ارجع عن دينك، فأبى فدفعه إلى نفر من أصحابه فقال لهم : اذهبوا به إلى جبل كذا وكذا، فاصعدوا به الجبل فإذا بلغتم ذروته فإن رجع عن دينه وإلا فاطرحوه فذهبوا به فصعدوا به الجبل، فقال : اللهم اكفنيهم بما شئت فرجف بهم الجبل فسقطوا، وجاء يمشي إلى الملك فقال له الملك : ما فعل أصحابك ؟ قال : كفانيهم الله ! فدفعه إلى نفر من أصحابه، فقال : اذهبوا به، فاحملوه في مركب فتوسطوا به البحر، فإن رجع عن دينه وإلا فاقذفوه فذهبوا به فقال : اللهم اكفنيهم بما شئت فانكفأت بهم السفينة، فغرقوا، وجاء يمشي إلى الملك فقال له الملك : ما فعل أصحابك ؟ قال : كفانيهم الله ! فقال للملك : إنك لست بقاتلي حتى تفعل ما آمرك به قال : وما هو ؟ قال : تجمع الناس في صعيد واحد، وتصلبني على جذع ثم خُذْ سهما من كنانتي، ثم ضع السهم في كبد القوس ثم قل : باسم الله ربِّ الغلام ثم ارمني، فإنك إذا فعلتَ ذلك قتلتني فجمع الناس في صعيد واحد، وصلبه على جذع ثم أخذ سهما من كنانته، ثم وضع السهم في كبد القوس ثم قال : باسم الله رب الغلام ثم رماه، فوقع السهم في صُدْغِهِ فوضع يده في صُدْغِهِ في موضع السَّهم فمات فقال الناس : آمنا بربِّ الغلام، آمنا بربِّ الغلام فأُتِيَ الملكُ فقيل له : أرأيتَ ما كنت تحذر قد والله نزل بك حَذَرُكَ، قد آمن الناس فأمر بالأخدود في أفواه السكك فخدَّت، وأَضْرَمَ النيران وقال : من لم يرجع عن دينه فأحموه فيها، ففعلوا حتى جاءت امرأة ومعها صبي لها، فتقاعست أن تقع فيها فقال لها الغلام : يا أُمَّهِ اصبري فإنك على الحق الدَّرْسُ الأوّل : عجيبة هذه الدنيا ينبتُ فيها الضلال حيث لا تتوقع ابن نبيٍّ يُغرقه الطوفان بكفره وزوجة نبي يصيبها من العذاب ما أصاب القوم بكفرها وأب نبيٍّ يعكف على عبادة الأصنام ويُراقب ابنه يُقذف في النار وتنبت الهداية فيها حيث لا تتوقع أيضًا من صلب آزر يخرج إبراهيم عليه السلام ومن قصر فرعون يخرج موسى عليه السلام ومن سرير فرعون الذي قال : " أنا ربكم الأعلى" تخرج إحدى أعظم نساء الأرض لتصلبَ وتموت لأجل : سبحان ربي الأعلى الصبيُّ الذي أراده الملك ساحرًا صار داعية الصبيُّ الذي أراده الملك لإضلال الناس صار سببًا لهدايتهم الصبيُّ الذي أراده الملك ليثبت أركان ملكه هزها الصبيُّ الذي أراده الملك ليُظهر من خلاله قوته أظهر للناس ضعفه البيوت ليست معادلات حسابية البيوت ناس، والناس لها قلوب، والقلوب بيد الله سبحانه يُضل حيث نعتقد أنه ليس غير الهداية ويهدي حين نظن أنه ليس إلا الضلالة الدَّرْسُ الثّاني : أنتَ تريد، وأنا أريدُ، ويفعل الله ما يريدُ ! من كان يعتقدُ أن صبيًا سيهزُ أرجاء مملكة ! من كان يعتقدُ أن حمزة عاشق الخمر سيصبح أسدُ الله من كان يعتقدُ أن الذي هزم المسلمين في أُحد سيصبح سيف الله من كان يعتقدُ أن عكرمة الذي أُهدر دمه يوم الفتح سيصبح قائدًا وشهيدًا في اليرموك من كان يعتقدُ أن الذي قتل مئة نفس سيقرب الله له الأرض ليدخل الجنة من كان يعتقدُ أن عمر الذي كان يصنع إلهاً من تمر يعبده ويأكله سيصبح أعدل خليفة في التاريخ طبعًا لأن أبا بكر شخص أكبر من التاريخ ولا يُقاس به أحد من كان يعتقدُ أن الذي قتل حمزة سيقتل مسيلمة الكذاب ! الدَّرْسُ الثّالث : عندما يريدُ الله حربًا يدهشنا بالأسلحة التي يختارها للمعركة ! صبي يهلكُ ملكًا ! ماء يُغرق قومًا ! بحر يُدمّر جيشًا ! بعوضة تذل نمرودًا ! أرض تبلعُ قارونًا ! مطر يقهرُ جبابرة ! ريح تسحلُ ظلمة ! طيور صغيرةً تطحن أبرهة لا يحتاج أكثر من لفظة سبحانه يكفي أن يقول للشيء كن ليكون هذا القوي، كن معه، لتكون كن كما يريد، ليكون لك كما تريد الذي أهلك ملكاً، قادر على أن يهلك حزنكَ والذي بدد جيشًا، قادر على أن يبدد يأسكَ والذي ردّ طاغية وفيلًا، قادر على أن يردّ ألمكَ فقط أره أنك له ليريك أنه لكَ ! الدَّرْسُ الرَّابع : عجيب أمر الإيمان يقضي الإنسان عمرًا في الكفر والضلالة ثم في لحظة يمحو الإيمان كل شيء حتى لتكاد تعتقد أن هذا المؤمن الجديد ما عرف الكفر في حياته أبدًا كان الناس يعبدون الملك دهرًا جيلًا بعد جيل ليس لهم ربّ سواه ثم بمجرد أن مات الصبي انتقلوا بلحظة من الكفر إلى الإيمان يُحفر لهم أُخدود وتُوقد لهم النار فيقذفون في اللهب لا يردهم عن دينهم شيئًا كأنما ولدوا في الإيمان وعاشوا فيه وزير الملك الأعمى كان من الحاشية وأفنى عمره في تعبيد الناس للملك وتزيين الكفر لهم ثم هي لحظة إيمان واحدة يوضع المنشار عند مفرق رأسه ويُنشر حتى يُفلق قطعتين فما يترك دينه ! وهؤلاء سحرة فرعون جاء بهم من كل أرجاء مصر بناءً على معرفته السابقة بهم منهم خدمه وحاشيته، يعملون بأمره ويتصرفون رهن إشارته ثم هي لحظة إيمان خروا جميعًا ساجدين مؤمنين بربِّ موسى وهارون يُهددهم فرعون بقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف وبصلبهم في جذوع النخل فهل لانوا أو جزعوا أو خضعوا يستحيل أن يفعلوا وقد غيَّرهم الإيمان في لحظة فقالوا لفرعون : " اقضِ ما أنتَ قاضٍ إنما تقضي هذه الحياة الدنيا " ! أصبحوا سحرة وأمسوا شهداء معلقين على جذوع النخل وهذا عمر بن الخطاب بتاريخ حافل بالصدِّ عن دين الله ثم تصيبه دعوة النبي صلى الله عليه وسلم : اللهم أعزّ الإسلام بأحد العُمرين فيقول له فوراً : ألسنا على حق وهم على باطل يا رسول الله ؟ فيقول له : بلى فيقول : فلماذا نرضى الدنية في ديننا ! هكذا بلحظة من أقصى الكفر إلى أقصى الإيمان عجيب هذا الإيمان ماذا يفعلُ في النفوس ! الدَّرْسُ الخامس : الكرامات تقع للأولياء بإجماع الفقهاء ولا سبيل لإنكار هذا إلا من باب الجحود والتعنت وإن كنا نؤمن بهذا يقينًا فلا نتوسع فيه حدّ السَّذاجة إن هذا الدِّين وإن كان يخبرنا أن الكون بيد الله فهو بالمقابل دين واقع عملي يحثنا على الأخذ بالأسباب متى استطعنا فنقف في أمور الكرامات بين المُصدق إن صحّ الأثر وبين الحذر أن لا نُحدّث بكل ما نسمع فننقل الناس من العقل إلى السذاجة وقد صحت الأخبار بوقوع الكرامات لكثير من أولياء الله والكرامة من حيث الاصطلاح أمر خارق للعادة يظهره الله على يد عبد صالح من عباده وهي من حيث التعريف الاصطلاحي لا تختلف عن المعجزة ولكن الكرامة خاصة بالأولياء بينما المعجزة خاصة بالأنبياء سلام الله عليهم وما وقع للصبيِّ في هذه القصة كرامات تشبه معجزات عيسى عليه السلام فقد كان الغلام يبرئ الأكمه والأبرص ويداوي من الأمراض بإذن الله من كرامات عمر بن الخطاب رضي الله عنه ما رواه أهل السير عن فتح مصر فلما فُتحت مصر أتى أهلها إلى عمرو بن العاص فقالوا له : أيها الأمير إنّ لنيلنا هذا سُنَّة لا يجري إلا بها فقال لهم : وما ذاك ؟ فقالوا : إنّا إذا كانت ثلاثة عشرة ليلة من هذا الشهر عمدنا إلى جارية بكر فأرضينا أباها بالمال وحملنا عليها من الحُلي والثياب أفضل ما يكون ثم ألقيناها في النيل فقال لهم عمرو : إن هذا شيء لا يكون في الإسلام فهو يهدم ما قبله فأقاموا ثلاثة أشهر والنيل لا يجري ! فكتب إلى عمر بن الخطاب يخبره بأمر النيل وأهل مصر فكتب إليه عمر يقول : إنكَ أصبتَ وإن الإسلام يهدم ما قبله وإني بعثتُ إليكَ كتابًا داخل كتابي هذا فادفعه إلى النيل ! فلما فتح عمرو بن العاص رسالة عمر إلى النيل فإذا فيها : من عبد الله عمر بن الخطاب إلى نيل مصر، أما بعد : فإن كنتَ تجري بأمركَ فلا حاجة لنا بكَ وإن كنت تجري بأمر الله فنسأل مُجريكَ أن يُجريك ! فلما ألقاها عمرو بن العاص في النيل أجراه الله حتى فاض ليلتها ومنذ تلك اللحظة ما جفّ نيل مصر! ومن كراماته رضي الله عنه أن زلزلة وقعت في المدينة فضرب عمر الأرض بدرته وقال : يا أرض اسكني، ألم أعدل عليكِ ؟! فسكنت من فورها ومما يروى من كراماته رضي الله عنه أن رجلاً جاء إلى عبد الله بن عباس وقال له : إني أشكو في يدي جرحًا وكنتُ قد شكوت مثله لعمر بن الخطاب يوم كان بيننا فوضع يديه على يدي وقرأ الفاتحة فشفيتُ فوضع ابن عباس يده على يد الرجل وقرأ الفاتحة فلم تُشفَ فقال ابن عباس : الفاتحة هي الفاتحة ولكن أين يد عمر ؟! ومن كرامات العباس بن عبد المطلب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الأرض أجدبت عام الرمادة في زمن عمر بن الخطاب فخرج عمر بالناس لصلاة الاستسقاء ومعه العباس فأمسكه من ذراعه وقال : اللهم إننا نتقرب إليكَ بعمّ نبيّك فإنك القائل وقولك الحق : " أما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان أبوهما صالحًا " فحفظتهما لصلاح أبيهما، فاحفظ الله نبيّك في عمه فقد دلونا به إليكَ مستشفعين ومستغفرين ثم قال للناس : " استغفروا ربكم إنه كان غفّاراً يرسل السماء عليكم مدرارًا " فوقف العباس يدعو وعيناه تذرفان حتى نشأت سحابة فأمطرت وبلغ المطر إلى الركب فلاذ الناس بالعباس يقولون: هنيئًا لك ساقي الحرمين وعند هذا الحد أكتفي، والقصص كثيرة ولم يكن المراد سرد القصص إنما جاءت الكرامات في ثنايا الحديث فهذا ما كان حتى لا يخرج الكتاب على غير ما أُريد به ! الدَّرْسُ السَّادس : حُفّت النَّار بالشهوات وحُفّت الجنة بالمكاره ! وإن طريق الجنة وعرة صعبة إلا لمن يسَّرها الله له وقد قضت سنة الله في الكون أن يذوق أهل هذا الدين أصناف العذاب ليس عجزًا منه سبحانه عن الدفاع عنهم معاذ الله ولكنه يملي للظالم ويرفع المؤمن وإنه لما ذهبت خديجة رضي الله عنها بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى ورقة بن نوفل قال له : ليتني أكون حيًا إذ يخرجك قومك فلأنصرنّك نصرًا عزيزا فيسأله النبي صلى الله عليه وسلم باستغراب : أومخرجيّ هم ؟ فقال له : ما جاء أحد بمثل ما جئت به إلا عودي ! هذا إبراهيم عليه السلام يُلقى في النار وهذا يحيى عليه السلام يُنشر بالمنشار وهذا نبي يرجمه قومه فيمسح الدم عن وجهه ويقول : " رب اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون " وما التعذيب الذي لاقاه المؤمنون في هذه القصة إلا حلقة في سلسلة طويلة ما قام هذا الدين إلا بالدماء والأشلاء والتضحيات وحسبنا ما فعل أمية بن خلف ببلال بن رباح وقد روى البخاريُّ من حديث خباب بن الأرت قال : شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة، قلنا له : ألا تستنصر لنا ؟ ألا تدعو الله لنا ؟ فقال : كان الرّجلُ فيمن قبلكم، يحفر له في الأرض فيجعل فيها ثم يؤتى بالمنشار فيوضع على رأسه، فيجعل نصفين ! ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه من عظم أو عصب وما يصده ذلك عن دينه والله ليتمن هذا الأمر، حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله أو الذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون ! الدَّرْسُ السّابع : قد يفوق التلميذُ أستاذه وأغلب العلماء الذين نعرفهم تلاميذ لأساتذة لا نعرفهم ! فلا تتحرج إن فاقكَ تلميذك فإنه وإن كان أشهر منك، فإنه صدقة جارية لك! وفي القصة فاق التلميذ أستاذه فإن كان الراهب قد انزوى في الجبال فإن الغلام كان يعود برجليه كل مرة إلى الملك وإن كان الراهب قد طلب من الغلام إخفاء أمره مخافة القتل فإن الغلام قد أرشد الملك لطريقة قتله وإن كان لسبب علمناه في القصة ولكن يُحسب للراهب أن دلّ الغلام على الطريق ! لن نبلغ الكمال حتى نكون أكبر من ذواتنا حتى نتمنى أن يظهر الحق ولو بغير أيدينا ويُقام العدل ولو بغيرنا ولا تخف على حظك، هذا دين الدال على الخير كفاعله! الدَّرْسُ الثّامن : ساعد محتاجًا ولو بالقليل وسُدّ جوعًا ولو برغيف وخفف ألمًا ولو بثمن علبة دواء وأصلح خلافًا ولو بكلمة حلوة الالتفات إلى البسطاء والمحتاجين والمقهورين لا يُشغل عن الدعوة بل إنه دعوة كيف نكسب الأجساد إن لم نكسب القلوب وهذا الغلام في القصة أراد له ربه دوراً عظيمًا إخراج الناس من عبادة الملك إلى عبادته سبحانه ولكن هذا الأمر لم يشغله عن الناس على العكس تمامًا كان مع المرضى والمحتاجين والضعفاء إن الناس متى أحبونا أحبوا دعوتنا إذا كنا نماذج سيئة فما المغري للآخرين أن يتركوا ما هم عليه ليشبهونا كونوا مميزين بأخلاقكم، لطفاء بتعاملكم، ذواقين بكلامكم وقد صدق القائل يوم قال : ليس المهم أن يكون في جيبكَ مصحفًا المهم أن تكون في أخلاقك آية ! أدهم شرقاوي من كتاب : مع النبيّ
0 notes
jana7-da3wa · 7 years
Photo
Tumblr media
٢٠- 🕊 الدَّرْسُ الأوّل : ولو أنَّ كل المخلوقات عصوه ما نقص ذلك من ملكه شيئًا ولو أنّ كل المخلوقات أطاعوه ما زاد ذلك في ملكه شيئًا فلا المعصية تضره سبحانه ولا الطاعة تنفعه جلّ في علاه ولكنه رحيم حدّ الذهول، كريم حدّ الدهشة يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل ولا يردُّ من أتى ولو جاء بسيئات كالجبال من قرع بابه فتح له، ومن جاءه يمشي أتاه هرولة عفّو يحبُ العفو، وكريم يحب الصفح مهما عظمت ذنوبك فعفوه أعظم مهما كثرت خطاياك فصفحه أكثر ولا يمل من الصفح حتى يمل العبد من التوبة فإذا غلبتك ذنوبك وزين لك الشيطان أعمالك تذكَّرْ كيف يفرح إذا أتيته وناديته ربِّ أذنبتُ ولا منجى منكَ إلا إليكَ عبادك كثير وليس لي ربّ سواك يكفيه هذا ليرضى يمحو ذنوب السنين الطوال بلحظة توبة فلا تدع الشيطان يقنطك من رحمته وإياك أن تخجل من قرع بابه مهما كانت حالك فإنه الله، وليس ملك من ملوك الأرض الذين إن أحسنت إليهم دهرًا ثم أسأت مرة عاقبوك إنه العَفُوُّ، فلا تقس أخلاق ملوك الأرض على ملك السماء يُحكى أن ملكًا من ملوك الأرض كان عنده كلاب مفترسة يُلقي إليها كلّ من قصّرَ في خدمته وكان له وزير خدمه سنواتٍ طويلة ثم إن هذا الوزير قصّر مرةَ في خدمة الملك فقرر الملك أن يلقيه للكلاب لتأكله فطلب الوزير من الملك أن يمهله أسبوعًا قبل العقاب فوافق فذهب الوزير إلى حارس الكلاب وقال له : عد إلى بيتك فإني سأرعى الكلاب أسبوعًا عنك وبدأ الوزير يُطعم الكلاب ويكرمها حتى أحبته وبعد أسبوع ألقى الملك الوزير للكلاب فلم تأكله فسأله بدهشة : أسحرتَ الكلاب ؟ فقال له الوزير : كلا، ولكني خدمتها أسبوعًا فقدّرت صنيعي معها أما أنت فخدمتك دهرًا فلم تحفظ هذا لي هذه أخلاق ملوك الأرض أما ملك السماء فله شأن آخر يُعصى دهرًا فيغفر بلحظة يُجترأ عليه عمرًا فيرضى بثانية فلا تزهد فيه وهو لا يزهد فيك الدَّرْسُ الثّاني : الدنيا دار أسباب، والأخذ بالأسباب لا ينافي التوكل على الله على العكس تمامًا فقد أُمرنا أن نأخذ بالأسباب لأنها واقعة في قدر الله ولو استغنى أحد عن الأسباب لقوة إيمانه لكان استغنى عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أحد أكثر إيمانًا منه فيوم الهجرة استأجر له دليلًا يرشده إلى طريق المدينة ولم يقل أنا نبيّ سأصل على أية حال وكان في المعارك يلبس درعًا ولم يقل أنا نبيّ وسيحميني الله على أية حال وكان إذا أراد أن يغزو ورّى أي سلك طريقاً غير الذي يريد ليفاجئ العدو ولم يقل أنا نبي وسينصرني الله على أية حال وهذا عمر بن الخطاب يرى أعرابيًا له بعير أجرب يرفع يديه إلى السماء ويدعو أن يشفي الله بعيره فقال له : أيّد دعاءك بشيءٍ من القطران ! أي خذ بالعلاج والأسباب ولا تترك الدعاء وعندما أراد دخول الشّام، وبلغه أنّ الطاعون قد دبَّ فيها، قرر أن يرجع فقال له أبو عبيدة : أفرار من قدر الله يا أمير المؤمنين ؟ فقال له عمر : أفرّ من قدر الله إلى قدر الله لو أن رجلاً هبط وادياً له عدوتان، واحدة جدبة والأخرى خصبة أليسَ إن رعى في الجدبةِ رعى بقدر الله، وإن رعى في الخصبة رعى بقدر الله ؟! ثم لما جاءه من يخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إذا سمعتم بالطاعون بأرضٍ فلا تقدموا عليه وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فراراً منه " ! فسجد عمر شكرًا وقال : الحمد لله الذي جعل الحق على قلب عمر وصاحبنا في الحديث أساء التوكل على الله وأهمل ما كان عليه أن ينام وراحلته طليقة ولو أنه ربطها ونام لأفاق ووجدها فخذْ بالأسبابِ ما استطعتَ إلى ذلك سبيلًا ولكن لا تجعلْ يقينك على الأسباب السيوف لا تحقق النصر ولكن ترك السِّلاح في المعارك بلاهة والعمل لا يجلب الرزق ولكن تركه حمق والدواء لا يشفي ولكنه سبب أُمرنا به الناصر هو الله، والرازق هو الله، والشافي هو الله ولكنها دار أسباب فلا تزهد فيها الدَّرْسُ الثَّالث : الخطأ مردود ! فلا تقف للناس على الحرف واللفظة الفرح الغامر يأخذ بالعقول، والحزن الشديد يسلب الألباب وهذا صاحبنا قال : اللهم أنت عبدي وأنا ربك ! وهذه لفظة لو عناها فعلاً لكانت كفرًا بواحًا ولكن انظر للرحمة المهداة يُبرر حالته النفسية ويقول : أخطأ من شدة الفرح ! فلا تُكفّر بلفظةٍ دون أن تراجع صاحبها فيها فإنه قد يكون جاهلًا، وقد يكون حزينًا وقد يكون فرحًا وأنا لا أبرر للكلام السَّيء حال الحزن أو الفرح ولكنني أقول أننا بشر وقد لا نملك زمام قلوبنا وألسنتنا أحيانًا فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم أحرص الناس على العقيدة قد راعى حالة الرجل النفسية فما بالنا نحن الذين دونه وفي هذا درس آخر لنا وهو لا تعطِ وعدًا في فرح شديد في الفرح قد نعد بما لا نستطيع وفي الحزن قد نهدد بما لا نقدر دع غمرة الفرح تمضي وسورة الغضب تزول ثم انظر في أمرك بعدها ولا تكن ممن تحركهم ردود الأفعال ! الدَّرْسُ الرَّابع : نقل الكفر ليس كفرًا ! علينا أن نُميِّز إن كان القائل يتبنى المقولة أم ينقلها فقط لا تخلط بين المُعتقِد بالكلام وبين ناقله فها هو النبي ينقل إلينا لفظة لا يعتقدُ بها وحاشاه أن يعتقد وها هو القرآن ينقل إلينا كفر الأمم السابقة : ألم يقل ربنا : " لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء " ! وألم يقل أيضًا: " وقالت اليهود يد الله مغلولة " ! وعلينا أن نحسن الظنّ بالمسلمين، ونحمل كلامهم على الخير إن كان يحتمل خيرًا فالكلام حمّال أوجه وله أكثر من معنى وقد قال أحد الصالحين : لو رأيت أحد إخواني على جبل يقول: أنا ربكم الأعلى لقلت يتلو الآية! ولو رأيت لحيته تقطر خمرًا لقلتُ : لعلها سُكبت عليه ! أدهم شرقاوي من كتاب : مع النبيّ
1 note · View note
jana7-da3wa · 7 years
Photo
Tumblr media
١٩- 🕊 رؤيا! روى البخاري من حديث سَمُرة بن جندب رضي الله عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُكثر أن يقول لأصحابه : هل رأى أحدٌ منكم من رُؤيا ؟ فمن رأى رؤيا يَقصُّها على النبي صلى الله عليه وسلم وإنه قال ذات غداة : أتاني الليلةَ آتيان، وإنهما ابتعثاني وإنهما قالا لي : انطلق، وإني انطلقتُ معهما فأتينا على رجلٍ مضطجعٍ، وآخرُ قائم عليه بصخرة وإذا هو يهوي بالصخرةِ لرأسه فيَثْلغ بها رأسَهُ فيتدَهدَ الحجرُ ها هنا، فيتبعُ الحجرَ فيأخُذُه، فلا يَرجعُ إليه حتى يصحَّ رأسُه كما كان، ثم يعودُ عليه فيفعل به مثلَ ما فَعَلَ به المرّةَ الأولى فقلتُ لهما : سبحان الله ما هذانِ ؟! فقالا لي : انطلق انطلق فانطلقنا، فأتينا على رجل مستَلْقٍ لقَفاهُ وإذا آخرُ قائمٌ عليه بكَلُّوبٍ من حديد وإذا هو يأتي أحدَ شِقّي وجهه فيُشرشِر شِدْقه إلى قَفاه ومِنْخَره إلى قفاه، وعينه إلى قفاه ثم يتحول إلى الجانب الآخر فيفعل به مثل ما فعل بالجانب الأول فما يَفرُغ من ذلك الجانب حتى يصحَّ ذلك الجانب كما كان ثم يعودُ عليه فيفعل مثلَ ما فعل المرّة الأولى. فقلت : سبحانَ الله ما هذان ؟ فقالا لي : انطلق انطلق فانطلقنا، فأتينا على مثل التنُّور فإذا فيه رجالٌ ونساءٌ عراة وإذا هم يأتيهم لَهَبٌ من أسفلَ منهم فإذا أتاهم ذلك اللهب ضَوْضَوْا / أحدثوا ضوضاء وصرخوا قلتُ لهما : ما هؤلاء ؟ فقالا لي : انطلق انطلق فانطلقنا، فأتينا على نهر أحمر مثل الدّم وإذا في النهر رجلٌ سابحٌ يَسبَح وإذا على شَط النهر رجلٌ قد جَمَعَ عندَه حجارةً كثيرةً وإذا ذلك السابحُ يسبحُ ما يسبحَ، ثم يأتي ذلك الذي قد جمعَ عندَه الحجارةَ ثم يأتي السابح فيفغَر له فاهُ فيلقمُهُ حجراً فينطلقُ يسبَح، ثم يرجعُ إليه وكلما رَجَعَ إليه فغَرَ له فاهُ وألقمه حجراً فقلت لهما : ما هذان ؟ فقالا لي : انطلق انطلق فانطلقنا، فأتينا على رجل كريهِ المرآةِ "المنظر" كأكرهِ ما أنتَ راءٍ رجلا مرآةً، فإذا عندَهُ نار يحُشُّها ويسعى حولها فقلت لهما : ما هذا ؟ فقالا لي : انطلق انطلق فانطلقنا، فأتينا على روضةٍ معْتمة (أي شديدة الخضرة) فيها من كل لون الربيع وإذا بينَ ظهري الروضة رجلٌ طويلٌ، لا أكادُ أرى رأسَه طولاً في السماء وإذا حَولَ الرجل من أكثرِ ولدانٍ رأيتهم قط فقلت لهما : ما هؤلاء ؟ فقالا لي : انطلق انطلق فانطلقنا فانتهينا إلى روضةٍ عظيمة، لم أرَ روضةً قط أعظمَ منها ولا أحسن فقالا لي : ارْقَ فيها فارتقينا فيها، فانتهينا إلى مدينة مبنيّة بلبنِ ذهبٍ ولبنِ فضةٍ فأتينا بابَ المدينةِ فاستفَتحنا ففتحَ لنا فدخلناها، فتلقانا فيها رجالٌ شطرٌ من خَلْقِهم كأحسنِ ما أنتَ راءٍ وشطرٌ كأقبحِ ما أنت راءٍ فقالا لهم (أي الملكين): اذهبوا فقَعوا في ذلك النهر وإذا نهرٌ معترِض يجري كأنَّ ماءه المحضُ من البياض فذهَبوا فوقعوا فيه، ثمَّ رجعوا إلينا قد ذَهبَ ذلك السوءُ عنهم فصاروا في أحسَنِ صورة فقالا لي: هذه جنة عدنٍ وذاك منزلك ! فقلت لهما : بارك الله فيكما ذراني أدخُله قالا : أما الآن فلا، وإنك داخِله فقلتُ لهما : فإني قد رأيتُ منذ الليلةِ عَجبا، فما هذا الذي رأيت؟! قالا : أما إنا سنُخبرُك أما الرجلُ الأولُ الذي أتيتَ عليه يُثلَغ رأسه بالحجر فإنه الرجلُ يأخذ القرآن فيرفضه وينام عن الصلاة المكتوبة ! وأما الرجلُ الذي أتيتَ عليه، يُشرشَرُ شِدقُهُ إلى قفاه، ومنخَرُه إلى قفاه، وعينه إلى قفاه فإنه الرجلُ يغدو من بيته فيكذب الكِذبَةَ تبلغُ الآفاق وأما الرجالُ والنساءُ العراةُ الذين في مثل بناءِ التنور فإنهم الزُّناة والزواني ! وأما الرجل الذي أتيتَ عليه يَسبح في النهر ويُلقم الحجارة فإنه آكِلُ الرِّبا وأما الرجلُ الكريه المرآةِ، الذي عند النار يحشُّها ويسعى حولها فإنه مالكٌ خازن جهنم وأما الرجلُ الطويلُ الذي في الروضة فإنه إبراهيم عليه السلام وأما الولدانُ الذين حَوله فكلُّ مولودٍ ماتَ على الفطرة. فقال بعضُ الصحابة : يا رسول الله، وأولاد المشركين؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : وأولاد المشركين! وأما القوم الذين كانوا شَطرٌ منهم حسناً وشطرٌ قبيحا فإنهم قوم خلطوا عملاً صالحا وآخرَ سيئًا، تجاوز الله عنهم الدَّرْسُ الأوَّل : رؤيا الأنبياء وحيّ هذه حقيقة ومعتقد يجب أن نتشبثَ به ونحن نستخلص العبر من الحديث وهذا محطّ إجماعٍ عند الأمة ولا خلاف فيه فيما أعلم وأي رأيٍّ مخالف يرده القرآن فإن إبراهيم عليه السلام قال لابنه : " يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك " فقال إسماعيل عليه السلام : " يا أبتِ افعل ما تؤمر " ! نصّ محكم صريح وحاسم يسقط معه كل تكلف ! أما رؤيا النَّاس فعلى ثلاثة وجوه الرؤيا الحسنة وهي من الله تحملُ بشرى للمؤمن أو تُنبئ بخبر مستقبلي للإنسان كرؤيا العزيز التي أوّلها يوسف عليه السلام بالقحط ! ورؤيا سيئة من الشيطان يريد أن يُحزن بها المؤمن وحديث النفس وهي أمور تهمُّ الإنسان ويحدث بها نفسه فيراها في نومه ! والنوع الأول فقط هو الذي يخضع للتأويل والتفسير لمن أوتي قدرة فتأويل الأحلام فتوى وقد نُهينا عن الفتوى بما لا نعلم الدَّرْسُ الثّاني : يقودنا الحديث عن التأويل إلى طرح السؤال التالي : هل تأويل الأحلام علم يلقيه الله في قلب إنسانٍ ما أم أنه بالتعلم ولا يختلف عن العلوم الأخرى كالرياضيات والنحو والفيزياء والذي خلصتُ إليه بعد قراءات طويلة في الأمر أنه بين هذا وذاك ! وأغلبه إلهام من الله يحبو به بعض الناس والنوع الأول ينطبق عليه تعليم الله تعالى ليوسف عليه السلام هذا العلم كما في القرآن : " ويعلمه من تأويل الأحاديث " أما بعضه فله قواعد وأسس يجب أن ينتبه إليها الناس وهو أن الرؤيا تُعبَّر باعتبار الرائي وإن كانتْ واحدة ! فقد جاء رجل لابن سيرين وأخبره أنه رأى أنه يُؤذِّنُ فقال له : أنتَ سوف تحج إلى بيت الله الحرام وجاءه آخر وأخبره أنه يُؤذِّنُ فقال له: أنت ستسرق وتُسجن ! فلما استغرب طلابه قال لهم موضحًا : الأول رأيتُ فيه علامات الصلاح فأخذته على قول الله تعالى : " وأذِّن في الناس بالحج " ! والثَّاني رأيتُ فيه علامات الفجور فأخذته على قول الله تعالى : " وأذَّن مؤذن أيتها العيرُ إنكم لسارقون " ! أيضاً هناك أمور لا يراها الجميع فمثلًا رؤيا العزيز بالقحط، هذه رؤيا الملوك والحكام ولا يراها العوام وقد رأى عبد الله بن الزبير رؤيا فأرسل رجلاً إلى سعيد بن المُسيِّب ليعبرها له على أنها رؤيا الرجل لا رؤيا عبد الله فقال له سعيد بن المسيب : مثلك لا يرى هذا أخبركَ لمن الرؤيا أم تخبرني ؟ فقال الرجل : أخبرني أنتَ فقال سعيد : الرؤيا لابن الزبير! وكان عبد الله قد رأى أنه يُقاتل عبد الملك بن مروان فيصرعه ويثبت في جسمه أربعة أوتاد فأولها سعيد أن عبد الملك سيقتل ابن الزبير وسيخلفه أربعة من أبنائه! وهذا ما حدث فعلًا فقد قُتل ابن الزبير على يد الحجاج عامل عبد الملك وخلفه أولاده سليمان وهشام والوليد ويزيد ! أيضاً تؤوّل الرؤيا بحسب الفصول وبحسب لغة العرب ومثلها الشائع وقد تحدّثتُ عن هذا في كتاب حديث الصباح بالأمثلة وما أريد أن أكرر ما قلتُ ولكن شيء استجد فذكرته ! الدَّرْسُ الثَّالث : الحديث كما أجمع العلماء في شرحه عمّا يكون في البرزخ والبرزخ هي الفترة بين موت الناس وبعثهم للحساب وإن كان إنكار عذاب القبر ونعيمه ليس مُخرج��ا من الملة كما هو رأي جمهور الفقهاء إلا أن فيه عشرات بل مئات النصوص التي لا سبيل لردها ما أدين لله به أن القبر أوّل منازل الآخرة وأنه إما حفرة من حفر النار أو روضة من رياض الجنان وما ردّ نعيم القبر وعذابه إلا من أعمل عقله خارج النصوص فإنه لما رأى العظام البالية سأل أين النعيم والعذاب والحقيقة إن هؤلاء جهلوا أنّ بين الجسد والروح علاقة تزيد وتنقص بحسب المرحلة التي فيها الإنسان فنحن نمر بأطوار مختلفةٍ تختلفُ فيها علاقة الروح بالجسد وقد مرّ البشر بمراحل وتبقى لهم مراحل ويمكن تلخيص مراحل النمو البشري بما يلي : أولاً: مرحلة العدم، وكانت قبل خلق آدم حيث لم يكن للبشر وجود إلا في علم الله ثانيًا : مرحلة الذَّر حيث خلق الله أرواح بني آدم جميعًا دفعة واحدة وأشهدهم على ربوبيته لهم فشهدوا بالوحدانية له سبحانه وهذا مصداق قوله جلّ في علاه : "وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألستُ بربكم قالوا بلى شهدنا.." ثم إذا شاء أن يخلق إنسانًا أرسل روحه مع الملك لينفخها فيه ثالثاً : مرحلة الوجود الفعلي على ظهر الأرض وهي ممتدة من نفخ الروح إلى نزعها رابعًا : مرحلة البرزخ وهي ممتدة من موت كل إنسان إلى بعثه خامسًا : مرحلة الخلود الأبدي تبدأ من فراغ الله من حساب العباد ولا تنتهي فإما إلى نار وإما إلى جنة ولا شك أن علاقة الروح بالجسد مختلفة اختلافاً كثيرًا من مرحلة إلى أخرى في مرحلة العدم لا علاقة إذ لا روح ولا جسد وفي مرحلة الذَّر روح بلا جسد وفي مرحلة الوجود الفعلي يكون النعيم والعذاب للجسد والروح تَبَعٌ له فلو ضربنا إنساناً ضربًا مبرحًا فإنما نُعذِّبُ جسده ولكن لعلاقة الرّوح بالجسد فإن هذه الروح تشقى أما في القبر فالنعيم والعذاب على الروح والجسد له تَبَعٌ أما في مرحلة الخلود فالنعيم والعذاب على الجسد والروح سواءً بسواء الدَّرْسُ الرّابع : من عدل الله تعالى أن الجزاء من جنس العمل ! وانظرْ لأصحاب العذاب في البرزخ فإنَّ كل واحد منهم إنما عُذب بمثل ما صنع فمن أعطي القرآن ورفضَه ونام عن الصلاة المكتوبة ضُرب رأسه لأن الرأس هو موضع السجود وهذا الرأس الذي أبى أن يسجد لله بالوقت الذي أمر ثُلغ وإني أرى أن استحقاق العذاب يكون باجتماع الأمرين معًا ردّ القرآن والنوم عن الصلاة المكتوبة وردّ القرآن هو رد العمل به ورفضه بالقلب وليس بالتلاوة فلا يجرؤ أحد أن يقول أن من آمن بالله ورسوله والبعث والحساب وقام بأركان الإسلام دون أن يقرأ القرآن سيُعذَّب وردُّ القرآن على قدر الإنسان ودوره في الحياة فالحاكم يردُّ القرآن برفضِ تحكيم شرع الله والناس ردهم للقرآن هو رفضُ أحكامه في حياتهم اليومية كردِّ الرجلِ لآيات المواريث وظلم من اشتركوا معه بالوراثة وكردِّ المرأة للحجاب أما النوم عن الصلاة وحده وإن كان ليس بالأمر الهيِّن فإن في السنّة ما يجعلني أقول أنه لا يجرُّ مثل هذا ففي الحديث " من نام عن صلاةٍ أو نسيها فليؤدها متى ذكرها فلا كفارة لها إلا هذا " ! وحديث الصحابيِّ الذي شكته زوجته للنبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه ينام عن صلاة الفجر فقال له الصحابي إنه من قوم يغلبهم النوم فقال له الصادق المصدوق : فإذا استيقظت فصلِّ ولم أذكر هذا للتشجيع على النوم عن الصلاة معاذ الله ولكن من باب عدم كتم العلم ليس إلا ! وأما الرِّجلُ الذي كان يكذب الكذبة حتى تبلغ الآفاق فكان عقابه أن يُشقّ شدقه وهو موضع الكذب وأما الزناة فحشروا عراة وجمعوا فوق التنور تصيب منهم النار مكان العورة وهي موضع الزنا وأما آكل الربا فألقمه حجراً في نهر الدم لأن الفم هو موضع أكل الربا الدَّرْسُ الخامس : إياك أن تشكَّ برحمة الله ! وقبل الرحمة تذكر أن الله عادل وفي الحديث تتجلى رحمة الله وعدله فأما العدل فإنَّ الله يقتصُّ للعباد من العباد فإن كنتَ قد أشفقت على الكاذب فتذكر ما فعل الكذب في الحياة الدنيا كم سمعة شُوهت بالكذب وكم حقًا أ��كل بالكذب وكم فتنة حصلت بالكذب وكم بيتٍ هُدم بالكذب وكم دمٍ أريق بالكذب أيسرك أن يمر هذا دون حساب ولا عقاب ؟ وإن كنتَ أشفقت على الزناة فتذكر ما فعل الزناة في الحياة الدنيا كم ولدٍ أُلحق بغير أبيه وكم عرضٍ هُتك وكم شرفٍ استبيح أيسرك أن يمر هذا دون حساب ولا عقاب ؟ وإن كنت أشفقت على آكل الربا فتذكر ما فعله الربا في المجتمعات كم فقيرٍ دفع أضعاف دينه كم أرضٍ نُزعت من صاحبها لدفعه دينه وعجزه عن سداد مال الربا كم مشروعٍ أُغلق بسبب الربا الفاحش وكم فرصٍ للعمل سُدت بوجه الشباب لأن رأس المال جبان يقرر الربح المضمون الحرام على الحلال الذي فيه مخاطرة أسرك أن يمرّ هذا دون عقاب ؟ ثم في حديث العذاب والعدل تأتي الرحمة فهذا إبراهيم عليه السلام يرعى الأطفال الذين ماتوا ومعهم أطفال المشركين لرحمته لم يأخذ ولدًا بشرك أبيه تمامًا كما من رحمته أنه لن يعذب من لم تصله رسالة " وما كنا معذبين حتى نبعث رسولًا " وانظر للذين خلطوا عملًا صالحًا وآخر سيئًا تعرف الرحمة ألم يتجاوز الله عنهم وبمفهوم المخالفة فإن الذين عُذبوا لم يكن لهم عمل صالح وإنما كانت حياتهم الدنيا ظلمًا بظلم، وفجورًا بفجور. الدَّرْسُ السَّادس : علينا أن نعرف لماذا أنزل الله تعالى القرآن هذا القرآن لم يُنزل ليُقرأ على الأموات ولكن ليتحاكم به الأحياء! " لينذر من كان حيًا " إن هذا القرآن دستور حياة متكامل لا يتم الإسلام إلا بالعمل بمقتضاه ليس من الإسلام في شيء أن نصلي ونصوم ونحج ونزكي ثم نستورد شرائعنا من الشرق والغرب، أو نكتب أخرى بأيدينا إن الله حين شرع الحدود فلنعمل بها، أعجبتنا أم لم تعجبنا وعندما وضع المواريث فلنطبقها، أعجبنا أم لم يعجبنا وعندما أحل البيع وحرم الربا فلنلتزم وعندما نظّم الزواج فلنطيع وعندما وضع حقوق الجار فلننفذ وعندما وضع حقوق الأقارب فلنصل الأرحام إن قبول القرآن لا يعني أبدًا قبول تلاوته فقط وإنما قبول تحكيمه والتزام أوامره ونواهيه الشخص الذي يقول لنصلِ ونصوم ونحج ونزكي ونتعامل بالنظام الرأسمالي فهذا لم يفهم الإسلام بعد والذي يريد نظام عقوبات غير ما أقره الإسلام فإنه يتهم الله بسوء التشريع ! والذي يريد نظامًا اقتصاديًا غير ما أقره الإسلام فإنه يقول من حيث لا يدري أن البشر أعرف من الله بالتشريع ! الدَّرْسُ السّابع : الكذب قبل أن يكون حرامًا فإنه يخدش المروءة ! وقد كان العرب في جاهليتهم أهل مروءة فهذا أبو جهل، يقترحون عليه اقتحام بيت النبي صلى الله عليه وسلم فيقول : أتريدون أن تقول العرب أني روَّعتُ بنات محمد وعندما صفع أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها قال : اكتموها عني لا تعرف بها العرب وهذا أبو سفيان يوم كان على الشرك يسأله قيصر عن النبيّ صلى الله عليه وسلم فيحدثه عن صدقه وأمانته ولا يكذب إنّ من الكمال أن لا نفعل الخطأ لأنه حرام وأن نفعل الصواب لأنه حلال وإن كان هذا أمراً حسنًا ولكن جربوا أن تفعلوا الحلال لأنه يزيد المروءة وأن لا تفعلوا الحرام لأنه يقدح فيها إن أكبر إساءة في الحياة هي أن يُسيء الإنسان إلى نفسه وما أحلاها من مقولة : " إن الرجل ليصدق ويتحرى الصدق حتى يُكتب عند الله صديقًا " الدَّرْسُ الثّامن : إياك وأعراض الناس ! إنَّ الله قوة من لا قوة له، وسلاح من لا سلاح له من هتك عرضًا سيأتيه من يهتك عرضه هذه الدنيا دين وسداد فلا تجنِ على عرضكِ بانتهاك أعراض الناس وتذكر أنه ما ارتفع يوسف عليه السلام إلا بالعفة وما أتاه المُلك منقادًا إلا لأنه رفض الرذيلة ولقد كان في قصصهم عبرة ! الدَّرْسُ التّاسع : نأتي للرجل قبيح المنظر الذي هو مالك عليه السلام خازن النّار إن الله لم يخلق قبيحًا عن عجزٍ منه أن يخلق جميلًا ولكنه سبحانه لا يفعل هذا إلا لحكمة وحكمته تعالى في خلق مالكٍ على هذه الصورة هي زيادة العذاب على أهل النار فكما يأنس الإنسان بالوجه الحسن والخِلقة الجميلة فإنه يستوحشُ بالوجه القبيح وقد خلق الله سبحانه مالكاً على هذه الهيئة ليؤدي الدور الذي خُلق لأجله فهو خازن النار وخلقه بمنظر حسن غير مناسب لوظيفته وبمفهوم المخالفة فإن رضوان خازن الجنة غاية في الحُسن والجمال وذلك لزيادة نعيم أهل الجنة وأما في الدنيا فالجمال والقبح أرزاق من عند الله قسمها الله تعالى بين عباده بما شاء لغاية يعلمها سبحانه فعلينا أن نتأدب مع الله فإن من عاب الصنعة إنما عاب الصانع وحاشا ربنا أن يُتهم ويُرمى بالعجز والتقصير لننظر إلى الأمر أنه من الأرزاق التي يتفاوت فيها الناس من الناس الغنيُّ والفقير صاحب العيال والعقيم طويل الأجل وقصير العمر السعيد والحزين والفرح والمغموم وهكذا أيضًا منهم الجميل ومنهم القبيح فمن وجد فيه الجمال فليشكر ومن وجد فيه القبح فليصبر فإنما الدنيا امتحان ! أدهم شرقاوي من كتاب : مع النبي
0 notes
jana7-da3wa · 7 years
Photo
Tumblr media
١٨- 🕊 الدَّرْسُ الأوّل : هذا درسٌ تأخر موضعه في الكتاب ولكن كما قال الأوائل : أن تأتي متأخراً خير من أن لا تأتي أبدًا ثم إن بعض الأشياء نافع متى أتى والمطرُ أنفع للأرض إن تأخر عنها من هطوله تباعًا لأيام القصة أسلوب محبب إلى النفوس سواءً كان وعظاً أم تسلية فهو قريب إلى القلوب، آخَّاذ بالمسامع، شيّق وماتع وما قصّ علينا القرآن فقد وقع لا محالة، وإن كان بخلاف العادة فإن إبراهيم عليه السلام أُلقي في النار ولم يحترق يقينًا وموسى عليه السلام شقّ البحر بعصاه حقًا ويونس عليه السلام مكث في بطن الحوت صدقًا وسليمان عليه السلام كلّم الطير وحكم الجن واقعًا ونوح عليه السلام صنع السفينة وسارت به في موج كالجبال لا شك عندنا وإسماعيل عليه السلام فُدي من الذبح بكبش لا جدال معنا وما صحَّ من قصص النبي صلى الله عليه السلام له صِدق قصص القرآن وما جاء من قصص القرآن والسنة من غريب فما قُصّ علينا إلا لغرابته وإنّا نُصدق هذه القصة يقينًا لأننا نؤمن يقينًا كذلك بصدق راويها وصدق من رووا عنه ونؤمن بغريبها لأننا نؤمن من قبل أن كلّ شيء بيد الله سبحانه فعلينا أن نتأدب مع الله ورسوله ونحن نسمع ما يخبرانا به فالقصص القرآني والنبوي ليست ألف ليلةٍ وليلة تُروى للمتعة فقط وليست قصة أبي زيد الهلالي تُستحضر فيها الشجاعة والفروسية وليست قصة جلجامش يطوف الأرض بحثًا عن نبتة الخلود في خرافة ممتعة وليست الشاهنامة ولا الإلياذة ولا كتاب الموتى عند الفراعنة إنها على متعتها للعظة والاعتبار أولاً " فاقصص القصص لعلهم يتفكرون " ! النماذج البشرية التي عرضها القصص القرآني والقصص النبوي إنما هي نماذج مكررة تتغير أسماؤها في كل عصر ليس إلا في كل عصر هناك موسى وفرعون وإبراهيم والنمرود في كل عصر هناك طاغية وأصحاب أخدود في كل عصر هناك محمد وأبو جهل في كل عصر هناك معركة بين المسلمين القلة وقريش الكثيرة في كل عصر عابد كجريج وقوم سوء كقومه في كل عصر أشخاص بسطاء إيمانهم كالجبال الرواسي كالماشطة في كل عصر هناك زوج سوء كفرعون وزوجة سوء كزوجتي نوح ولوط في كل عصر ولد عاق كابن نوح وعم ظالم كأبي لهب والمُراد من القصص هذه أن نعرف أننا لسنا الأوائل ولن نكون الأواخر إن الناس في هذه الحياة يتبادلون الأدوار، مؤمنهم وكافرهم حتى تقوم الساعة ! الدَّرْسُ الثَّاني : لا تخدعنّك المظاهر الأشياء عكس ما تبدو أحيانًا صعد ابن مسعود رضي الله عنه أعلى نخلة فضحك الصحابة لدقة ساقيه ونحولهما فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: لساقي ابن مسعود أثقل في الميزان من جبل أُحد! لو رأى أحدنا عمر رضي الله عنه وفي ثوبه سبعة عشر رقعة لأشاح بنظره عنه! ولو رأى أبا بكر رضي الله عنه يسير في طرقات المدينة والأولاد يشدونه من ثوبه يقولون له: يا أبتاه يا أبتاه لاستخف به ولو رأى المرأة التي كانت تقمُّ المسجد في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كلّف نفسه أن ينظر إليها ولو رأى البراء بن مالك رضي الله عنه أشعث أغبر ذي طمرين مدفوع بالأبواب لا يُأبه له لما أبه له أيضًا المظاهر خدّاعة والناس بقلوبهم لا بثيابهم ولستُ ضد الأناقة في اللباس والهيئة على العكس تمامًا، إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده ولكن المظاهر ليست كل شيء هذا فارس صنديد يُشار إليه بالبنان تتمنى المرأة أن يكون ابنها مثله خُدعت بالمظاهر شأننا جميعًا، إذا رأينا القوة والمال في يد الناس ولكن الله أنطق الصبيّ ليرفض دعاء أمه فما فائدة المال والجمال إذا كان أحدنا جبارًا وهذه أمة سوداء تُتهم زورًا بالسرقة والزنا فتدعو الأم أن لا يكون ابنها مثلها فينطقه ربه : اللهم اجعلني مثلها ذلك أنه خير لك أن تكون مظلومًا ولا تكون ظالمًا وإنه لا يضرك إن كنت مجهولاً في الأرض معروفًا في السماء الدَّرْسُ الثّالث : البيوت أسرار والناس صناديق مغلقة ! صور أعياد الميلاد في مواقع التواصل لا تعني بالضرورة أن الزواج سعيد وصور الطعام الشهي في الانستغرام لا تعني بالضرورة أن الناس يملكون كل ما يشتهون أحيانًا من قلة السعادة يريد الناس إخبارنا أنهم سعداء ! اصطحب رجل زوجته إلى حديقة الحيوانات فمرَّ بالقرب من قفص القرود فشاهدا قرداً يلاعب أنثاه فقالت الزوجة : يا لها من قصة حب رائعة وعندما مرا بجوار قفص الأسود رأيا الأسد يجلس صامتًا بينما تلهو اللبؤة بعيدًا عنه فقالت الزوجة : يا لها من قصة حب مأساوية ألقى الزوج عصا صغيرة تجاه اللبؤة فهاج الأسد وزأر وأقبل مسرعًا يحمي أنثاه وعندما عاد إلى قفص القرود ألقى عصا صغيرة على الأنثى فظلّ القرد يلهو ويلعب كأن شيئاً لم يحدث فإياك أن لا ترى إلا ما ترى ! الدَّرْسُ الرَّابع : أحيانًا يطلب الناس ما فيه مضرتهم ولا يعلمون أن منع الله عطاء ! إن من النَّاسِ من لا يصلحه إلا الفقر ومن النَّاسِ من لا يصلحه إلا الغنى هناك مرضى لو كانوا أصحاء لتجبروا وهناك فقراء لو كانوا أغنياء لتكبروا وإن غنياً شاكراً لو كان فقيراً لكفرَ وصحيحاً عابداً لو كان مريضاً لفجرَ وتذكر دوماً قول عمر رضي الله عنه : لو كُشفت لنا حُجب الغيب ما اختار أحدنا لنفسه إلا ما اختاره الله له حضر أحد الفقراء إلى أحد الحكماء يشكو إليه وكان كل يوم يُذكره أنه لا يعرف ظروف الناس ولما ضاق به ذرعاً أراد أن يعطيه درسًا عمليًا جمع رجال القرية وطلب من كل واحد أن يكتب مشكلته فكتب الجميع مشاكلهم دون ذكر أسمائهم ووضع الحكيم الأوراق في صندوق وقال لصاحبنا : هذه حياة الناس بين يديك فاختر واحدة لك وبدأ الرجل يفتح ورقة ويلقيها لأنها لم تعجبه ثم فتح الثانية والثالثة والرابعة إلى أن أتى على الأوراق كلها عندها قال للحكيم : لا أريد إلا حياتي ! إن الغنى في الرضا واللهِ، إنَّ مال الدنيا كله دون رضا فقر وفقر الدنيا كله مع الرضا غنى ! أدهم شرقاوي من كتاب : مع النبيّ
1 note · View note
jana7-da3wa · 7 years
Photo
Tumblr media
١٧- 🕊 الدَّرْسُ الأوّل : النّاسُ بقلوبهم لا بجيوبهم، وبأخلاقهم لا بملابسهم بأيِّ طريق يمشون في الحياة لا من أي صُلب أتوا ! ولو انتفع أحد بنسبٍ لانتفع به أبو لهب الهاشمي ولو تضرر أحد بنسب لتضررَ به بلال بن رباح وقد كان عبداً مملوكًا ولَمَا جاءَ ذكر لقمان في القرآن وقد كان كذلك مملوكاً لا يركننَ أحدٌ إلى نسبٍ مهما كان رفيعًا ولا يحبطنَّ أحد من نسبٍ مهما كان وضيعًا فكلُّ إنسان يموت وحده، ويُدفنُ وحده، ويُحاسب وحده فما انتفعَ ابن نوحٍ عليه السّلام من نسبه وهو ابن نبيٍّ وما تضررَ إبراهيمُ عليه السّلام من نسبه وهو ابن مشرك وفي الحديث: " يا فاطمة بنت محمد اعملي فإني لا أغني عنكِ من الله شيئًا ويا عباس عم محمد اعمل فإني لا أغني عنكَ من الله شيئًا لا يأتيني الناس يوم القيامة بأعمالهم وتأتوني بقرابتكم! " الدَّرْسُ الثَّاني : من حقِّ الإنسان أن يفخر بآبائه ولكن هناك فرق شاسع بين الفخر والكِبر فإن كان نسبك رفيعًا فلا تقترف عملًا يُسيء إلى نسبك وإن كان نسبُكَ وضيعًا فلا يجتمع عليكَ وضاعة النَّسبِ ووضاعة العمل لا تُدخلْ عملًا حقيرًا على نسبٍ شريف ولا يجتمع عليك وضيعين : وضاعةُ النَّسبِ ووضاعة العمل فهذا سليمان بن داود عليهما السلام نبيّ من صلب نبي يسأل ربه : " أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمتَ عليَ" يبتسمُ لنملة، ويسألُ عن هدهد غاب وقد ملك الأرض من شرقها إلى مغربها فما غره نسب وما أفسده ملك ولقد كان في قصصهم عبرة لا تسلية وترويحًا عن النفس فقط وهذا يوسف عليه السلام أرفع البشر نسبًا يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم نبيُّ ابن نبيٍّ ابن نبيٍّ ابن نبيٍّ ينبري للمجاعة ويطعم المساكين ويُسأل : لمَ تصوم وأنتَ على خزائن الأرض فيقول : كي لا أنسى الجياع ! الدِّرْسُ الثَّالث : الله أعدلُ من أن يُدخل أبًا النار بسوءِ صنيع ابنٍ له أو أن يُدخل ابنًا النَّار بسوء صنيع أبيه ولكن ما ورد في الحديث خبر منه سبحانه وتعالى فقد علم في أصلاب أي الجبابرة تنقل صاحبنا علينا أن نتأدب مع الله ونحن نقرأ الآيات والقصص إنّه اللهُ العادل الذي يجب أن لا يساورنا شكٌّ في عدله والرَّحيم الذي يجب أن لا يساورنا شك برحمته ولو انتقم ! وإن كنا قد أُمرنا أن نحسنَ الظنَّ بالنَّاس فما بالنا بالظن بالله ؟! إياكَ أن تقيس أفعال الناس على الله، أو أفعال الله على الناس إنَّه الربُّ الذي لا يظلم قيد أنملة وليس البشري الذي تحركه سورة الغضب فيأخذ الصالح بالطالح وإنه سبحانه ليعفو عن المسيء تكرمًا فيدخل بغيًّا النارَ بسقيا كلبٍ عطش ويتجاوز عمن لم يفعل خيرًا قط إلا أنه كان يتجاوز عن الناس وإنه سبحانه ليكرم الولد بصلاح أبيه وما أرسل نبياً وعبداً صالحًا ليقيما جدار يتيمين إلا لأن أباهما كان صالحًا ولكنه أجلّ من أن يأخذ المصلح بالمسيء لأن بينهما نسب وقرابة الدَّرْسُ الرَّابع : تواضعوا ! إنَّ الجنة منزل كل هيّنٍ ليِّنٍ سهلٍ قريب والنَّارُ منزل كل عُتلٍ مُتكبر وقد بلغَ من تواضعه صلى الله عليه وسلم أنه نهى الصحابة أن يقفوا له إجلالاً إذا دخل عليهم وقد دخل عليهم مرةً فوقفوا ، فغضب وكان إذا غضبَ عُرف ذلك في وجهه فلم يكن يسب ولا يشتم ولا يفحش فلما رأى حسان ذلك عليه أراد أن يُلطف الموقف فقال : وقوفي للعزيز عليّ فرضٌ وتركُ الفرضِ ما هو مستقيمُ عجبتُ لمن له عقلٌ وفهم يرى هذا الجَمال ولا يقومُ فابتسم صلى الله عليه وسلم وقد كان بطيء الغضبِ سريع الرضا ! وكان يحضره الأعرابي فيرتعد منه فيُهدئ من روعه ويقول له : هوّن عليكَ إنما أنا ابن امرأة في مكة كانت تأكل القديد ! ويجلس في مجلسه فتأتي الجارية بنت سبع سنين تأخذه من يده فيمشي معها ولا يدري إلى أين ثم تسأله أن يشفع لها عند أسيادها لأنهم أرسلوها في بعض حاجتهم فتأخرت عليهم، فيمضي ويشفع! وكان لأنسٍ رضي الله عنه أخ اسمه عبد الله وكان صلى الله عليه وسلم يلاعبه وكناه أبا عميرًا وكان لأبي عمير عصفور صغير اسمه النغير يلاعبه فيسأله النبي صلى الله عليه وسلم بعد فترة : يا أبا عمير ما فعل النُغير؟ فيبكي أبو عمير لأن النغير مات فيعتنقه بأبي هو و أمي وهذا كان دأب صحابته فقد رباهم على التواضع ولين الجانب أبو بكر ينظف بيت عجوز وهو الخليفة ويمشي في الطريق فيشده الصبية من ثوبه قائلين : يا أبتاه يا أبتاه حتى قوي البأس والشكيمة عمر كان في الحق هكذا ولكنه في الرَّعية له قلب أم رؤوم يصحبُ زوجته لتولِّد امرأة أعرابيٍّ ليس له إلا الله ويحملُ الدَّقيق على ظهره ويطبخُ لأيتام المرأة بيديه يأت��ه رسول كسرى ويسأل عن قصره، فلا يجد قصرًا ولا حاشية هازم الإمبراطوريات مستلقٍ تحت شجرة ينامُ ملء جفونه عن شواردها وحفيده عمر ابن عبد العزيز يمشي في المسجد وهو مظلم فيطأ قدم رجل لم ينتبه له فيقول الرجل بغضب : أأعمى أنت ؟! فيقول عمر : لا ويغضب للخليفة من معه فيقول لهم : دعوه، رجل سألنا فأجبناه ! وينطفئ السراج يومًا فيقوم ليضع له زيتًا فيقولون له : يا أمير المؤمنين لو فعلها أحد غيرك ؟ فيقول: قمتُ وأنا عمر ابن عبد العزيز وعدتُ وأنا عمر ابن عبد العزيز ولقد كان في قصصهم عبرة ! أدهم شرقاوي من كتاب : مع النبيّ
2 notes · View notes
jana7-da3wa · 7 years
Photo
Tumblr media
١٦- 🕊 الدَّرْسُ الأوّل : فضّلَ الله الأنبياء عليهم السَّلام بعضهم على بعض فأولوا العزم من الرسل أفضل الأنبياء على العموم أما على الخصوص فقد يُعطي الله نبيًا أمرًا لم يعطه لغيره وهذا لا يقتضي فضل المُعطى على الذي لم يُعط فهارون عليه السلام أفصح من أخيه موسى عليه السّلام بشهادة مُوسى نفسه، ونصّ القرآن الكريم ولا خلاف أن موسى أفضلَ من هارون عليهما السلام وكلاهما فاضل ! وسليمان عليه السلام أوتي ملكًا لم يعطه أحد قبله ولا بعده وكان عيسى عليه السلام فقيراً وهو أفضل من سليمان وكلاهما فاضل ! وألانَ الله لداود الحديد ولم يلنه لمحمد صلى الله عليه وسلم وهو أفضل خلق الله على الإطلاق وما يُقال عن الأنبياء عليهم السلام يُقال فيمن دونهم من النّاس فخالد بن الوليد أوتيَ حنكة في الحرب ليستْ لأبي بكر رضي الله عنهما وأبو بكر لا يعدله أحدٌ من الصحابة وكان أُبيُّ بن كعبٍ أقرأُ لكتاب الله من عمر رضي الله عنهما ولا خلاف أن عمر أفضل من أُبيَّ وكان معاذ بن جبل أعلم بالحلال والحرام من عثمان رضي الله عنهما وعثمان أفضل من معاذ ! فالأفضلية إذاً إنما تكون بالمجموع والعموم وليس بواحدة فقط هذا أمر يجب أن لا يغيبَ عن أذهاننا ونحن نقرأ هذه القصة كما لا يجب أن ننظر لحكم داود عليه السَّلام بالخطأ المحض فلا شكّ أنه اجتهدَ في الحكم وقضى بما رآه من أدلةٍ وقد تكون الكبرى أفصحُ لسانًا من الصغرى ولمّا لم يكن من بينة لهذه أو تلك كان منه ما كان الدَّرْسُ الثّاني : كان سليمان عليه السلام داهية في القضاء والقصة التي بين أيدينا ليست إلا واحدة وهناك غيرها وقد ذكر الله دهاءه في القرآن إذ حكم وأبوه في الحرث " وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشتْ فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين " والقصَّة أنَّ أغنام رجلٍ دخلتْ في الليل على زرع رجل آخر فأكلتْ من الزَّرع ما أكلتْ، وأتلفت منه ما أتلفتْ ثم إن الرجلين اختصما إلى داود عليه السلام فقضى أن يعطي صاحب الأغنام أغنامه لصاحب الزَّرع نظيرَ ما أفسد فلما خرجا من عنده التقيا بسليمان عليه السلام فسمع من هذا ومن ذاك ثم قال : ليس الحكم هذا ! وإنما يأخذُ صاحب الأرض أغنام صاحبه فينتفع بلبنها ويقوم صاحب الأغنام على أرض صاحبه فيصلح ما أفسدتْ ماشيته فإذا عادت سيرتها الأولى، أخذ هذا أرضه واستردَّ هذا غنمه ! وأثنى الله على حكم سليمان عليه السلام قائلاً : " ففهمناها سليمان " ! ولم ينسَ فضل داود فقال : " وكلًا آتينا حكماً وعلماً " ! ومن دهاء سليمان عليه السَّلام في القضاء أن رجلًا جاءه وقال له: يا نبيّ الله إن لي جيرانًا يسرقون إوزي فنادى سليمان عليه السلام : الصلاة جامعة ! ثم صعد على المنبر وخطب في النَّاس قائلًا : ما بال أحدكم يسرق إوزَّ جاره ثم يدخل المسجد والريشُ على رأسه ! فمسح رجلٌ رأسه فقال سليمان عليه السلام : خذوه فإنّه صاحبكم ! لا بدَّ لمن يقضي أن يكون عالمًا بالمسألة التي يحكم فيها فبعضُ المسائلِ تحتاج إلى علم أكثر من اجتهاد ورأي لأن الشرع قد قال كلمته فيها، كالمواريث مثلاَ ولكن لا يستغني القاضي عن الدهاء والحيلة وقد عرضنا في حكم سليمان قصصًا ثلاث لم يكن فيها نصوص وإنما هو بإعمال العقل والفطنة ولا يسعنا ونحن نتحدث عن القضاء والدهاء فيه أن نقفز عن داهيتين من دهاته هما : إياس بن معاوية وشريح القاضي فكلاهما كان قاضيًا داهية، سجّل أحكامًا باهرة وإياس بن معاوية وليَ القضاء لعمر بن عبد العزيز رضي الله عنه ويروي ابن الجوزي عنه في أخبار الأذكياء أنَّ رجلًا خبّأ مالاً في حضرة صاحبه عند شجرة فما كان من صاحبه إلا أن عادَ وأخذ المال ومضى فجاء صاحبُ المال إلى إياس شاكيًا ولكن الصاحب أنكر معرفته بالحادثة والمال فقال إياس لصاحب المال : اذهبْ إلى الشجرة لعلك تتذكر أما أنتَ فاجلسْ معي ريثما يرجع صاحبك وبينما إياس يقضي بين الناس إذ قال للرجل : أترى صاحبك بلغ موضع الشجرة ؟ قال : لا، إن المكان بعيد فقال له : يا عدو الله، أما أنكرتَ معرفتك بالمال والشجرة من قبل ؟ وهكذا أوْقعَ به ومن ذكائه أنَّه كان في مكان، فدخلت ثلاثُ نسوةٍ فحدثَ ما يدعو إلى الخوف فقال : أما هذه فحامل، وهذه مرضع، وهذه عذراء فقلن : صدقتَ فقيل له : كيف عرفتَ ؟ قال : أما الأولى فوضعتْ يدها على بطنِها وأما الثَّانية فوضعتْ يدها على صَدرها وأما الثَّالثة فوضعتْ يدها على فرجِها وإنَّ الإنسان إذا هاله أمر حمى أعز ما يملك ! وجاءَه رجلٌ ليقيمَ عليه الحُجّة في الخمر فقال له : إذا أكلتُ عنباً، أتجلدني ؟ فقال له : لا فقال : إذا شربتُ ماءً، أتجلدني ؟ فقال له : لا فقال : ما بالك إذاً إذا وضعتُ العنبَ في الماء وصار خمراً، جلدتني ؟ فقال له إياس : إذا رميتك بالرمل، أتتألم ؟ فقال : لا فقال : إن رميتك بالماء، أتتألم ؟ فقال : لا فقال : إن ضربتك بهذه الآنية المصنوعة من تراب وماء، أتتألم ؟ فقال : نعم، فليس هذا هو ذاك فقال له : وأنت أيضاً ليس هذا هو ذاك ! وقيل له إنّا لنأخذ عليك ثلاثاً فقال : ما هي ؟ قالوا : إنك دميم، وإنك تُعجب بقولك، وإنك سريع في الحكم ! فقال : أما دمامة خِلقتي فليستْ بيدي وأما إعجابي بقولي، أفلا تعجبون أنتم به ؟ قالوا : بلى فقال : فإعجابي به أولى فكم إصبعاً في يد أحدكم ؟ قالوا : خمسة فقال : لمَ استعجلتم في الجواب ؟ قالوا : لا تريّث بما عندنا علمه فقال : وأنا مثلكم وكان وقافاً على الحق رغم كل هذا وكان يقول : ما غلبني في القضاء إلا رجل ذلك أني كنتُ في مجلس القضاء بالبصرة فدخلَ عليّ رجل شهد عندي أن البستان الفلانيّ، وذكر حدوده، هو ملك فلان فقلتُ له : كم عدد شجره ؟ فسكت ثم قال : منذ كم يحكم سيدنا القاضي في هذا المجلس ؟ فقلتُ : منذ كذا فقال : كم عدد خشب سقفه ؟ فلم أعرف فقلتُ له : الحق معكَ، وأجزتُ شهادته أما شُريح القاضي فكان هو الآخر داهية عصره وعاصر عمر بن الخطاب رضي الله عنه يروي الشعبيّ أن امرأة جاءته تُخاصم زوجها فأرسلت عينيها وبكتْ فقلتُ : يا أبا أمية ما أظنُّ هذه الباكية إلا مظلومة فقال لي : يا شعبيّ؛ إن إخوة يوسف جاؤوا أباهم عشاءً يبكون ! وأتى عدي بن أرطأة شريحاً وهو في مجلس القضاء فقال لشريح : أين أنت ؟ قال : بينك وبين الحائط فقال : اسمع مني قال : لهذا جلستُ مجلسي هذا قال : إني رجلٌ من أهلِ الشَّام قال : الحبيبُ القريب قال : وتزوجتُ امرأةً من قومي قال : بارك الله لك بالرفاءِ والبنين قال : وشرطتُ لأهلها أن لا أخرجها قال : الشَّرطُ أملك قال : وأريدُ الخروج قال : في حفظ الله قال : اقضِ بيننا قال : قد فعلتُ ! وحدث موقف بينه وبين عمر بن الخطاب رضي الله عنه حيث اشترى عمرُ فرسًا من أعرابيٍّ وأعطاه ثمنه فركبه عمر وبعد مسيره لاحظ فيه عيباً، وقال للرجل : خذ فرسك فإنه معطوب ! فقال الرجل : لا أخذه وقد بعته لكَ سليمًا فقال عمر: اجعل بيني وبينكَ حكمًا فقال الرجل : يحكمُ بيننا شُريح بن الحارث الكندي فقال عمر : رضتُ به ولما سمع شريح من الأعرابي ومن عمر وحان وقت الحكم، قال : هل أخذتَ منه الفرس سليمًا يا أمير المؤمنين ؟ فقال عمر: نعم فقال شريح : احتفظْ بما اشتريتَ أو رُدَّ كما أخذتَ فنظر عمر إلى شريح معجبًا وقال : وهل القضاء إلا هذا، قول فصل وحكم عدل سِر إلى الكوفة فقد وليتكَ قضاءها ! الدَّرْسُ الثالث : تختلفُ أحكام الرِّجال لأن عقولهم بالأساس تختلف ومن هنا جاءت المذاهب الفقهية ! فكل فقيه يُعمل عقله في النَّصِ ويستنبط منه ما لا يستنبطه غيره وكل يُصيب ويخطئ ولا عصمة إلا للأنبياء وحتى الأنبياء إذا ما حكموا بالاجتهاد أصابوا وأخطأوا ولكنهم إذا ما حكموا بالوحي أصابوا لا شكّ وهذا مبحث طويل وقد سبق الكلام فيه فهذان نبيان كريمان يُعملان عقليهما في مسألتين فيقضي داود عليه السلام بالولد للكبرى ويقضي به سليمان عليه السلام للصغرى ويقضي داود أمراً في الحرث ويرى سليمان غيره هذا وهم أنبياء لهذا لا تتعصبوا للمذاهب وأقوال الرجال واجتهاداتهم إن اختلاف الفقهاء رحمة ولو أراد الله أن يحمل الناس على عمل واحدٍ لقضى في الأمر وفعل فللذكر مثل حظ الأنثيين في الميراث بلا مجال للاجتهاد والسارقُ تُقطع يده والاجتهاد في الحيثيات لا في أصل الحكم وهناك أشياء سكت الله عنها رحمة غير نسيان علينا أن نكون أرحب صدراً في التعامل مع المذاهب الفقهية الأخرى ولو نظرنا إلى أدب العلماء مع بعضهم لأرحنا واسترحنا فهذا أحمد بن حنبل تلميذ الشافعي يُجلّه ويقدّره ولكنه يخالفه في مسائل وهذا الشافعي يرى غير ما يرى أحمد ويوقره فلا تتعصبوا ! أدهم شرقاوي من كتاب : مع النبيّ
3 notes · View notes
jana7-da3wa · 7 years
Photo
Tumblr media Tumblr media Tumblr media
١٥- 🕊 الدَّرْسُ الأوّل : قصَّةٌ مجهولة الزَّمانِ والمكانِ والشَّخصيات ذاك أنَّ كل هذه الأشياء ليستْ إلا تفاصيل لا تزيد شيئاً لمضمون القصَّة لطالما كان بيتُ القصيدِ في الأفكار والأعمال وهذا شيءٌ مشترك بين القَصص القرآنيِّ، والقَصص النَّبويِّ فحين يُحدِّثنا القرآنُ عن ابني آدمَ عليه السّلام لا يذكر اسميهما وإنما عرفنا هذا من أخبارِ الأمم السابقة ذلك أنه إن كانا " هابيل وقابيل " أو " أحمد وخالد " فلا إضافة ما يعنينا هو موقف كل شخصية من هاتين الشخصيتين الحَسُود الطمَّاع، رافض حكم الله، قاتلُ أخيه والمؤمنُ التقي، القوي الورع الذي ما كان له أن يمد يده إلى أخيه ليقتله ولو بادرَ أخوه وحين يُحدِّثنا القرآنُ عن مؤمنِ آلِ فرعون يخفي اسمه أيضاً ذاك أن العبرة في الموقف وحين يُحدِّثنا عن شاهد يوسف عليه السلام فلا يذكره إلا " شاهد من أهلها " وهويته إنّما عرفناها من الأحاديثِ والآثار لأنَّها تفصيل صغير والمهمُّ منها الموقف لهذه الشَّخصية والذي جاء من أقصى المدينة يسعى لنصرة المُرسلين في سورة "يس" ورد ذكره " رجل " هكذا بالتَّنكير ذلك أن المواقف أهمّ من الناس ! وحين يُحدِّثنا القرآنُ عن النَّمرود لا يذكر اسمه ذلك أن المهمّ من القصّة موقف الطّغيان لا هوية الطّاغي وحين يُحدِّثنا عن الذَّبيح إسماعيل عليه السلام لا يسميه لنا ذلك أنّ المُهمّ هو موقف البرِّ المذهل وحتى الذين ذُكرت أسماؤهم سواءً في القَصص القرآنيِّ أو النَّبويّ فإنما ذُكرتْ للموقفِ الذي قامَ به هذا الشخص فحين يحدِّثنا اللهُ عن محاولةِ إحراق إبراهيم عليه السلام فليخبرنا عن المجتمعات المريضة، وثبات المؤمن لا ليسردَ لنا سيرة ذاتية لإبراهيم ولا تأريخاً للأمم السَّابقةِ وإن كان هذا يتحققُ ضِمنًا في سياق القصّة وحين يُحدِّثنا عن طوفان نوح عليه السلام فليخبرنا كيف يُصبحُ النَّاسُ بالضلال أحطَّ من الحيوانات بنداءٍ واحدٍ تركبُ الحيوانات السفينة وبتسعمئةٍ وخمسين سنةً من الدَّعوة لا يركبُ معه إلا قليل وليخبرنا أن الدُّعاة لا يملُّون لأنّه لا تعنيهم النتائج المهم أن يبقوا سائرين على الطريق ! وحين يُحدِّثنا عن موسى عليه السلام مع فرعون فليخبرنا أن قدرَ اللهِ نافذ لا محالة رغم أنف الطغاة قتلَ فرعونُ آلاف الأطفال في طلب موسى ولمَّا جاء موسى ربَّاه في قصره ! وليخبرنا أنَّ الأسبابَ إنما تجري على النَّاسِ ولا تجري على الله فالعصا لا تشقُّ بحراً بالعادة ولكنَّها تفعلُ إن أراد الله هذا لهذا في كل حدثٍ، وفي كل موقفٍ، وفي كل قصَّةٍ تأمل الفعلَ لا الفاعل، والحدث لا القائم به ولو تأملتَ في الحياةِ جيداً لوجدتَ أنَّ الصراع بين الحق والباطل هو ذاته في كل عصر وإنما يتغّير المحاربون كلُّ طاغيةٍ في أيّ عصرٍ هو فرعون والنَّمرود وكلُّ داعيةٍ في أيّ عصرٍ هو إبراهيم وموسى كل جيش للباطل هو جيشُ أبرهةَ وجيشُ قريش يوم بدر وكلُّ طائفةٍ مجاهدة هي جيشُ يوشع بن نون وجيشُ الصحابة الدِّرْسُ الثّاني : إذا ذُكّرتَ باللهِ ارتدعْ ولا تأخذك العزة بالإثمِ أحياناً تُصبح المكابرة بعد اقتراف الذنب أكبر من الذَّنبِ نفسه ! وانظرْ إلى آدم وإبليس كلاهما قد عصى ربَّه عصى إبليسُ ربَّه لحظة رفض السُّجود لآدم وعصى آدم ربه لحظة أكله من الشجرة المحرمة واحدة بواحدة وليست العاقبة سواء فلما عُوتِبَ إبليس استكبر، ولمّا عُوتِبَ آدم استغفر وشتان بين متكبرٍ ومستغفر ! إياك أن تُذكّرَ باللهِ فتطغى ... فإنَّ ذنبَ الغافلِ أيسر من ذنب المُصرِّ إذا قُلت كلمة أغضبتْ قريباً وجاء من يُذكرك بخطئك فلا تجمع عليك خطأين : خطأ الكلام السيّء وخطأ الاستكبار إذا قطعت رحمًا وجاء من يذكرك فضل صلة الأرحام فلا تجمع ذنب قطع الرحم وذنب الاستكبار إذا ارتكبت إثماً بحقِّ اللهِ فتركت صيامًا أو صلاةً وذُكّرتَ فلا تتجبر فإنما وصف اللهُ الوليدَ بن المُغيرة بأنّه أدبرَ واستكبرَ وإنَّ ذنبًا ترتكبه وتشعر بالانكسار بعده قد يكون لك عند الله خير من طاعة تملأك بالعُجب ! هذا بعد اقتراف الذُّنوب، أما قبلها فلا عُذر لأن فيها جرأة على الله ما بعدها جرأة إن صار إليكَ أمرُ مالٍ تحفظه وأردتُ أن تُضيعه فذُكّرتَ فارتدع فإنّ شرَّ ذنبٍ يُرتكبُ بعد ٍتذكيرٍ لأنَّ فيه تحدٍ وإصراراً وتذكرْ أنَّ الكبير هو ال��غير أمام الحقّ ! وهذا عمر بن الخطاب ��حكمُ بلادًا شاسعة ورعية بالملايين يصعدُ المنبر ويريدُ أن يحدد المهور بعدما رأى مغالاة الناس فيه فتقومُ إليه الشِّفاءُ بنتُ عبد الله وتقول له : ليس لكَ هذا إن الله يقول: " وإن آتيتم إحداهن قنطاراً " فبأيِّ حقٍّ تحدده ؟ فيقول رضي الله عنه : أصابتْ امرأةٌ وأخطأ عمر ! فلم يجد حرجاً أن ينزل على الحقِّ أمام الناس وهو الخليفة فما بال أحدنا يرفض الحقَّ بينه وبين من ينصحه وهذا بطل قصتنا يشتهي ابنة عمِّه كأشدّ ما يشتهي الرِّجالُ النساء وينفقُ وقته عملاً وكداً يجمع مالاً للحصول عليها ولما صارت بين يديه ذكرته بالله قائلة : اتقِ الله ولا تفضّ الخاتمّ إلا بحقه فقام عنها وهي أحبُّ نساءِ الأرضِ إليه ! الدَّرْسُ الثّالث: إيّاك وحقوقُ النَّاسِ فالله يغفرُ ما كان له ولا يتساهل بما للناس وهذا الشهيد يُغفر كل ذنبِه مع أوّل قطرة من دمه إلا الدّين ! هذا لأن الدّين من حقوق النَّاس ! وأيما لحمٍ نبتَ من حرامٍ فالنَّارُ أولى به وقد جاء في الحديث: " إنما أنا بشر، وإنكم تختصمون إليَّ ولعلّ أحدكم أن يكونَ ألحنُ بحجته من أخيه فأقضي له على نحو ما أسمع فمن قطعتُ له من حقِّ أخيه شيئاً فلا يأخذه فإنما أقطعُ له قطعةً من نار" ! إنَّ حقوق الآخرين لا يُحلّها أن يُّقضى بها النبي صلى الله عليه وسلم فما بالك إذا قضتْ بها المحاكم التي أقامها أهل الأرض ما ليسَ لك حرام عليك وإن قضت به محاكم الُّدنيا كلّها وتذكر أن في الآخرة محكمة تُرد فيها الحقوق حيث لا درهم ولا دينار إنما الحسابُ بالحسنات والأعمال، وقت أننا أحوج ما نكون إلى حسنة إياك أن تستقوي بالقانون على الضعفاء وإياك أن تُصدِّق مقولة الأغبياء: القانون لا يحمي المغفلين والبسطاء والضعفاء كون النَّاس بسطاء لا يحل سرقتهم فالسرقة حرام بغض النظر عن هوية المسروق بسيطًا كان أم ذكيًأ ! ومما ابتلي به الناس في هذا العصر، المظاهر الفارغة يدفع أحدهم بقشيشاً بالآلاف في مطعم فاخر ويسرق أجر عاملٍ بسيطٍ لا يساوي ثمن فنجان قهوة في مطعم فاخر إن الكرم الحقيقي أن تُؤدِّي للناس ما لهم عليك لا أن تُهدي مسؤولاً سيارة وتسرق خادمتك ! والأناقة الحقيقية هي أناقة دفع الحقوق لا أناقة ربطات العنق والعطور الباهظة للأسف هذا عصر لا يعرف الناس فيه الأناقة إلا في الثياب ولو تأملتَ أرواحهم وقلوبهم لوجدتها رثة وانظرْ لصاحبنا تركَ العاملُ أجره ومضى قبل أن يأخذه فأخذه ونمّاه وشغله ولمَّا عادَ أعطاه كل شيء لا نريدُ أن نُشغلَ رواتب البسطاء والمساكين وإن كان هذا شيء جميل نريدُ أن نعطيهم حقوقهم هذه المبالغ الزهيدة سرقتها لن تغنيك، وتأديتها لم تُفقرك فلا تكن عبداً للمال، لا يدفع حقًا إلا بالقوة الأحرار يدفعون ما عليهم، ولو كانوا على قدر من القوة أن لا يسألهم أحد ! الدَّرْسُ الرَّابع : الدُّعاء سلاح المؤمن فلا تستهن به ! وفي الحديث : لا يردُّ القدر إلا الدُّعاء فما بالنا آخر باب يُطرق هو باب الله منذ متى كان الرزقُ والشِّفاءُ والأولاد والأزواج والنَّصرُ بيد النَّاس ؟ هذه أمور كلُّها بيد الله وما الناس إلا أسباب فما بالنا نتعلَّقُ بالأسباب ونترك مُسببها والأخذُ بالأسباب شيءٌ مشروع بل واجب ولكن إياك أن تجعل يقينك على الأسباب الدواءُ سببٌ في الشِّفاء ولكن الشافي هو الله والعملُ سبب في الرزق ولكن الرازق هو الله والزَّواجُ سبب في الأولاد ولكن المعطي هو الله كم من إنسان تداوى ولم يَشفَ وكم من إنسان عمل ولم يغتنِ وكم من إنسان تزوَّج ولم يُنجبْ إن الله يُحبُّ أن يُسأل، والإنسانُ يُحبُّ أن يُعطى فقدّمْ لله ما يُحبّ ليعطيك ما تُحب إن الله إذا نظرَ إلى قلبك ورآك زاهداً عنه بالأسباب ترككَ إلى ما زهدتَ به عنه وإذا نظرَ في قلبك ورأى أنه ليس فيه أكبر منه سبحانه هيأ لكَ الأسباب وسخّر لك الناس هذا آدم عليه السلام وزوجته يذنبان فيدعوان : " ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين " فكانت المغفرة وهذا نوح عليه السلام لما ضاق ذرعاً بقومه يدعو : " ربِّ لا تذر على الأرض من الكافرين دياراً " فكان الطوفان ! وهذا إبراهيم عليه السلام يُسلم أهله لربه فيدعو : " فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم " فكانت مكة حنين القلوب على مدار العصور ! وهذا لوط عليه السَّلام تضيقُ عليه الأرض فيدعو : " ربّ انصرني على القوم المفسدين " فيحمل جبريل القُرى بجناحه، حتى إن الملائكة لتسمع نباح الكلابِ فيها لشدة اقترابه بها من السماء، ثم يقلبها رأساً على عقب ! وهذا يوسف عليه السلام تُسد أبوابُ الأرض في وجهه فيدعو : " وإلا تصرف عني كيدهن أصبُ إليهن وأكن من الجاهلين " فيصبح عزيز مصر ! وهذا موسى عليه السلام يهوله المسؤولية التي أُلقيت على عاتقه فيدعو : " ربّ اشرح لي صدري، ويسّر لي أمري، واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي، واجعل لي وزيراً من أهلي، هارون أخي " وعلى الفور يخبره ربه : " قد أوتيت سؤلك يا موسى " ! وهذا سُليمان عليه السلام علم أنه نعم الحاكم العادل فدعا : " وهب لي ملكًا لا ينبغي لأحدٍ من بعدي " فملّكه الله رقاب الجن ! وهذا يونس عليه السلام في ظلمة الليل والبحر وبطن الحوت فيدعو : " لا إله إلا أنت سبحانك إني كنتُ من الظالمين " فيصبح بطنُ الحوت المفترس، له وعاءً وحضنًا ! وهذا زكريا عليه السلام يشتاقُ أن يكون أبًا فيدعو : " ربّ هب لي من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء " فتناديه الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب تبشره بيحيى عليه السلام الدنيا معركة مستعرة، والدعاء سلاح المؤمن والمحاربُ الذكيّ لا ينزلُ إلى ساحة المعركة دون سلاحه ! الدَّرْسُ الخامس : إنَّ من رحمة الله أنَّ العبدَ إذا همّ بحسنةٍ ولم يفعلها كُتبت له حسنة كاملة وإن فعلها كُتبت له عشر حسنات وإذا همّ بالسيئة ولم يعملها كُتبت له حسنة كاملة وهذا صاحبنا أراد الزِّنا وسعى له سعيه ولما همّ به وذُكّر بالله ارتدعَ فصارتْ له منقبة أزاح اللهُ له بها صخرةً كبيرةً عن باب الغار إذا هممتَ بسيِّئةٍ وتذكرت أنها سيئة فاعلم أن الله ذكَّركَ لأنه يحبك الذين يبغضهم الله يبتليهم بالغفلة فلا يرون إلا ما تملي عليهم شهواتهم فلا ترد الحُبّ بالبغضاء ! كلُّ خطوةٍ أردتَ أن تمشيها في حرامٍ وارتدعتَ ستُكتبُ لك خطوة مشيتها في حلال وكلُّ درهمٍ كنت ستنفقه في حرامٍ ثم ارتدعتَ سيُكتبُ لك درهماً كأنما أنفقته في صَدقة كلُّ كلمةٍ في باطل كنتَ ستقولها ثم ارتدعتَ ستُكتب لك كأنها كلمة قلتها في حق يا لرحمة الله حتى الطريق إلى النَّارِ تُصبحُ طريقاً إلى الجنَّةِ حين قررتَ أن لا تمشي فيها ! الدَّرْسُ السَّادس : اخترْ دوماً رفقة صَالحة هذا كلبٌ خلّد الله سبحانه ذِكرَه في كتابه العزيز فقط لأنه اختارَ رفقةً صالحة فلا يكن كلب أفقه منا في اختيار الصُّحبة ! وانظرْ إلى الثلاثة أصحاب الغار ماذا لو أنَّ أحدُهم لم يكن له عند الله خبيئة وعملًا صالحًا لكانوا بقوا في الغار وهلكوا ولكن اجتمعَ صلاحهم معًأ فنجوا جميعًا ومن أمثال الجدَّاتِ : الصَّاحبُ ساحب ! وشتان بين صاحبٍ يأخذُ بيدك إلى الجنة وبين صاحبٍ يأخذك من يدك إلى النار ! أدهم شرقاوي من كتاب : مع النبيّ
3 notes · View notes
jana7-da3wa · 7 years
Photo
Tumblr media Tumblr media
١٤- 🕊 الدَّرْسُ الأوَّل : إذا أشكلَ عليكَ أمرٌ في دينكَ فاقرعْ بابَ العَالِمِ لا العابدِ عبادةُ العابد لنفسه وجهلِه للنَّاسِ وتقصيرُ العالم في العبادة على نفسِه وعلمه للنَّاسِ ! إذا مرضَ أحدُنا قرعَ بابَ الأطبَّاءِ وإذا تَلِفتْ سيَّارتُه سألَ عن أمهرِ ميكانيكيٍّ وإذا أراد تفصيلَ طاولةٍ بحث عن نجَّارٍ فذّ وإنَّ الدِّين أغلى من كل ما سبقَ فنأخذه من أهله ليس كلُّ روَّاد المساجدِ علماء فقهاء العبادةُ أمرٌ محمود ولكنها شيء، والعِلمُ شيء آخر حتى الصَّحابة لم يكونوا جميعاً أهل فتوى وإنما كانوا يتمايزون فهذا أُبي بن كعب رضي الله عنه أقرأُ الصَّحابة لكتابِ اللهِ وهذا معاذُ بن جبل رضي الله عنه أعلم الصَّحابةِ بالحلال والحرام وعندما أراد الصِّديقُ رضي الله عنه جمع القرآن ومن بعده عثمان أوكلوا الأمر لأبيّ بن كعبٍ لا إلى خالد بن الوليد وعندما أرادَ خوضَ حروب الردة ولّى على المسلمين خالداً رضي الله عنه إنَّ هذه الدُّنيا اختصاص، ولكلِّ عِلمٍ أهله وعندما جاءَ الزِّبرقانُ بن عديّ إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنهما يشكُو إليه أنَّ الحُطيئة قد هجاه قائلاً : دع المكارمَ لا ترحلْ لبُغيتها واقعدْ فإنك أنتَ الطاعمُ الكاسِي قال له عمر على ضلوعه في الشعر: ما أرى فيه هجاءً فقال له الزبرقان : أيكون حسبي من المكارم أن أُطعم وأُكسى ؟ فأراد عمر رضي الله عنه أن يتثبت فلم يرسلْ في طلب أُبيّ وهو أقرأُ الصحابةِ لكتاب الله ولا إلى ابن عباس وهو ترجمانُ القرآن ولا إلى معاذٍ وهو أعلمُ الناس بالحلال والحرام ولا إلى أبي هريرة وهو أكثرُ الصحابة رواية للحديث النبوي وإنما أرسلَ في طلبِ حسَّان بن ثابت لأنَّ القضية شِعر وأهلُ الفتوى فيها هم الشُّعراء فقال حسان : لم يهجه فقط، بل ذرقَ / بال عليه كناية عن شدّة الهجاء فحبس عمر رضي الله عنه الحُطيئة ! الدَّرْسُ الثّاني : من قال : الله أعلم، فقد أفتى ! فلا تتحرجْ أن تقول الله أعلم إذا لم تعرفْ حُكم مسألةٍ فلا تحملْ وزرَ النَّاسِ لأنكِ خجلتَ أن تقولَ اللهُ أعلم وها هو الشعبيُّ المُحدِّثُ العالمُ والفقيه والقاضي يُسألُ عن مسألةٍ، فيقول : الله أعلم فقالوا له : أما تستحي أن تقولَ الله أعلم وأنت فقيه العراق ؟! فقال: إن الملائكة لم تستحِ يوم قالت : " سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا " ! وها هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة الذي كان يقال فيه، لا يُفتى ومالك في المدينة جاءَه رجلٌ من العراق بأسئلةٍ فأجابَ عن بعضها، وسكتَ عن بعضها الآخر فقال له الَّرجلُ : ماذا أقولُ لأهل العراق يا مالك ؟ فقال له : قلْ لهم إنَّ مالكاً لا يعلم ! الدَّرْسُ الثَّالث : إياكَ أن تعتقد أن ذنبكَ مهما عظُم فهو أعظمُ من رحمةِ الله إنَّ الشَّيطانَ لا يريد منكَ إلا هذه ! يريدُ أن يُكبِّر الذنبَ في عينيكَ ويصغّرَ رحمة الله ورحمة الله أوسعُ من ذنبك، كُنْ على ثقةٍ بهذا هذا رجلٌ قتل تسعةً وتسعين إنساناً ثم قرر أن يتوب فانتكسَ مُجدداً وأكملَ ضحاياه على المئة ثم لمَّا علم اللهُ في قلبه خيراً هيَّأ له سبب التوبة وقد صَدقَ الله، فصدقه الله حملَ زاده ومتاعه وارتحل، فجاءه الموتُ في الطريق وفي روايةِ البخاريِّ أن الملائكة لما قاسوا المسافة كان الرَّجلُ في وسطِ الطريق تماماً فأوحى اللهُ إلى الأرضِ أن تقاربي حتى كان أقرب لبلد الصالحين ! هذا التائبُ في حقيقة الأمر لم يكن إلا سفَّاحاً يقتلُ عند أهون سببٍ، وقد قتلَ رجلاً لم تعجبه فتواه وليس بعد الشِّركِ ذنب أعظم من القتل، وقد تاب الله عليه فلا علاقاتك المحرمة أكبر من رحمة الله ولا قبولك الرَّشوة أكبر من رحمة الله ولا شربكَ الخمر أكبر من رحمة الله وانظرْ إلى الصَّحابة الذين عاصروا البعثة الشريفة كيف كانوا قبلها هذا عمر خرج ليقتلَ رسول الله صلى الله عليه وسلّم وهذا عكرمة أهدر النبي صلى الله عليه وسلم دمه يوم الفتح وهذا خالد قلبَ نصر المسلمين هزيمة يوم أُحد ثم انظرْ إلى رحمةِ الله عمر يملأ الأرضَ عدلاً ورحمة وعكرمة شهيدُ اليرموكِ وقائد الميمنة وخالد سيف الله المسلول الذي أدّبَ به أبو بكر الروم وفارس والناسُ معادن خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا وما زلنا نرى ونسمع في عصرنا عن أشخاص كانوا من أشرس أعداء الإسلام فصاروا بالتوبة أشرس المدافعين عنه فإن عُرفتَ في المعصية فما زال الباب مفتوحاً لتُعرفَ بالطاعة الدَّرْسُ الرَّابع: لا تقفْ بين النَّاسِ وبينَ الله ! النَّاسُ يحتاجون لمن يأخذُ بأيديهم إلى الله فلماذا تدفعهم عنه ! حدّث العصاةَ عن رحمةِ اللهِ قبلَ عذابه وعن عدلِه وعفوِه قبل انتقامِه في الجنَّةِ متسعٌ للجميعِ فلا تقلقْ على مكانك ! عامل العصاة بالرحمة واشفقْ عليهم يرى النبيُّ صلى الله عليه وسلم راهباً يقومُ الليلَ على دين باطل فيبكي... ويُسألُ : ما يُبكيكَ يا رسول الله؟ فيقول : عاملة ناصبة تصلى ناراً حامية ! لم يسرُّه أن يدخلَ رجلٌ النَّارَ وهو على دينٍ آخر فهل يسره أن يدخلها رجلٌ من أهلِ الإسلام ويدخل على يهوديٍّ في سكراتِ الموت فيدعوه فيُسلم فيقول : الحمدُ لله الذي أنقذه بي من النار ! إنَّ أحبَّ عباد اللهِ إليه أشدّهم تحبيباً لعباده إليه ! ألا يكفي الناس ذنوبهم التي أحاطت بهم، وشياطينهم التي تسلطت عليهم حتى نكون نحن أيضاً عليهم يقومُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم الليل كله في آية : " إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم " فيخبره ربه أننا سنرضيكَ في أمتك هذه الرحمة يجب أن نضعها نُصبَ أعيننا وأن نكره الذَّنبَ لا المُذنب ! وفي الحديث: أن نبياً ضربه قومه فأدموه فأخذ يمسح الدم عن وجهه ويقول : اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون ! الدَّرْسُ الخامس : الموتُ يأتي بغتة فصاحبُنا ماتَ في الطَّريقِ وما ظنّ وهو يمشي أن يموت ولكن ما أحلاها من موتةٍ وما أحلاها من طريق ماتَ في الطريق إلى الله ! اجعلْ حياتكَ سَفراً إلى الله، ثم ما ضرك متى تموت ! وانظر حولكَ كم زرعٍ ما عاشَ صاحبُه ليحصده وكم بيتٍ بُني ما عاش صاحبُه ليسكنه وكم مقعدٍ دراسيٍّ مات صاحبه وما تخرَّجَ منه ! كم طفلٍ دفنتَ، وكم صغيرٍ شيعتَ كم فتاةٍ كالبدرِ حُسناً ، حُملت إلى القبر لا إلى عريسها لا تقلْ غداً أتوب فإنَّ غداً قد لا يأتي عليك وكل الذين ماتوا منذ ساعة ، اعتقدوا مثلنا أنهم لن يموتوا ! الدَّرْسُ السَّادس : النوايا مناطُ قبول الأعمال النِّيةُ وحدها ترفعنا عالياً وإن لم نعملْ ! أصابتْ مجاعةٌ بني إسرائيل زمنَ موسى عليه السلام فنظر فقير إلى الجبال وقال : اللهم إنكَ تعلمُ أنَّه لو كان لي مثل هذه الجبالِ ذهباً لأنفقتُها على عبادك فأوحى الله إلى موسى أن قُلْ لعبدي أنّا قبلنا منه صدقته ! والنِّيةُ وحدها تحطنا وإن عملنا فهذا ابن سلول يصلي الفجرَ جماعةً خلفَ رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في الدَّركِ الأسفلِ من النار ! أصلِحْ نيتك تصلُح أعمالك وإياك أن تكون كمن يزرعُ قمحاً في البحر فلا يناله إلا الجهد وما له في كل هذا من أجر ! أدهم شرقاوي من كتاب : مع النبيّ
0 notes
jana7-da3wa · 7 years
Photo
Tumblr media Tumblr media
١٣- 🕊 الدَّرْسُ الأوّل : النُبلاءُ يُنزلونَ الناس منازلهم ولا يحفظُ فضل الفضيل إلا الفضيل ! فكُن نبيلاً ولا تمحُ تاريخ صاحب فضلٍ بموقف واحد الكريمُ إذا منعَ مرةً لا يُنسى كرمه السابق والحليمُ إذا غضبَ مرّةً لا يُنكر حلمه السابق والمثابرُ إذا وهن مرةً لا يجحدُ ما كان منه من مثابرة وانظر لحوارِ النُّبلاء بين آدم وموسى عليهما السّلام إنهما يختصمان في أهم قضيّةٍ في الوجود " قضية الجنَّة " فلا لومُ موسى لآدمَ أنساه فضل آدم ولا دفاعُ آدم عن نفسه أنساه فضلَ موسى فاحفظْ للنَّاسِ مكانتهم ولو اختلفتَ معهم ! الدَّرْسُ الثَّاني : نحن أمة الغيب ! وما نُؤمنُ به ولم نشهده أكثر مما نؤمنُ به وقد شهدناه ! نؤمنُ بالنَّارِ والجنّةِ والبعثِ والحسابِ والصراطِ والملائكةِ وكلها غيب وأولُّ صفةٍ من صفات المتقين في القرآن إيمانهم بالغيب ! وقد قال ربنا في فاتحة البقرة : " ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين، الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون " فالإيمانُ بالغيبِ جاء قبل الصَّلاة والزَّكاة والصَّدقة ذلك أن العبادة دون إيمانٍ ليستْ إلا مشقة منزوعة الأجر ! وهذا حوار جرى في عالم الغيبِ أخبرَ به الصَّادقُ الأمين نؤمنُ به كما نؤمن بسائرِ الغيبياتِ دون : متى ولماذا وكيف ! الدَّرْسُ الثَّالث : رأيكَ يحتملُ الخطأ فلا تمشِ في الأرض معتبراً نفسك معصوماً ! ومآخذكَ على النَّاسِ ليست إلا رأياً ربما لو عرفتَ ظروفَهم وسمعتَ منهم لا عنهم لعلمتَ أنكَ بنيتَ موقفاً خاطئاً منهم فهذا موسى عليه السّلام جاءَ آدمَ عليه السلام مقتنعاً أنه أخطأ فما انتهى الحوار إلا وحجّ آدم موسى ! فلا تحللْ موقفاً وتستخلص منه رأياً وتجعله بعد ذلك ديناً ! إنَّ المسمارَ بمنظارِ الخشبة : مجرمٌ يثقبها لو علمت الخشبةُ الضربَ الذي نزلَ على رأس المسمار لعذَرتْه ! الدَّرْسُ الرَّابع : الرأي يُضرب بالرأي، والحُجة تُقرع بالحُجَّة ! السيفُ لا يلغي رأياً صائبًا ولو أثخنه ! والقوة لا تُلغي حقاً ولو انتصرتْ عليه جولة ! فلا تُفكر بيديك ! إنَّ الذي يستخدمُ سيفَه حيث بإمكانه أن يستخدم عصاه أحمق والذي يستخدمُ عصاه حيث بإمكانه أن يستخدم لسانه أهوج والذي يستخدمُ لسانه حيث تكفي نظرة متسرّع كُنْ قوياً ولا تكُنْ أهوجاً وتذكرْ دوماً أن كسبَ الأشخاصِ مُقدَّمٌ على كسب المواقف والذي يسعى للانتصار في كلِّ موقفٍ لن يبقى معه أحد ! الدَّرْسُ الخامس : تكرّمَ اللهُ على هذه الأُمَّة أن حفظَ لها قرآنها وأنّه سبحانه إذ لم يحفظ الكتب السَّابقة فليس عن عجزٍ منه ولكنه يريدُ أن يقضيَ أمراً كان مفعولًا ! وابحثْ في التوراة عن " وعصى آدم ربه فغوى " فإنكَ لن تجد ! وفي الحديث خبرُ نبيٍّ لنبيٍّ أنها موجودة ولكن أحبار بني إسرائيل حرفوا التوراة كما حرَّفَ رهبان النصارى الإنجيل وإنها لنعمة أن نتلو كتابًا هو كتاب الله حقًا ! وأن نقرأ كتابًا هو كلامُ الله الذي نزل من فوق سبع سماوات وإن هذا القرآن كتاب حياة أُنزل : لينذرَ به من كان حيّاً ! لا ليُقرأ على الأموات وتُقام به الأجور ولستُ أناقش مسألة انتفاع الميت من القرآن من عدمه هذا بحثٌ يطول، ليس المقام مقامه ولا الموضع سرده ولكن من لم ينتفع به حيًا ما كان لينتفع به ميتًا ! الدَّرْسُ السَّادس : نُثبتُ ما أثبتَ اللهُ لنفسِه من غير تحريفٍ ولا تعطيلٍ ولا تمثيلٍ ولا تكييفٍ نثبتُ اليدَ للهِ على مراد الله الذي ليس كمثله شيء وإن كانتْ اليدُ هنا بمعنى القدرة كما أولها مسلمون نعتقدُ صحة إسلامهم فمن الحشو ذكرها أساساً فكلنا قد خلقنا الله بقدرته ! وعندما قال الله لإبليس : ما منعكَ أن تسجدَ لما خلقتُ بيديّ فلو كانت تعني القدرة لقال إبليسُ : وأنا خلقتني بقدرتك ! ولكننا ونحن نؤمن بهذا نلتمسُ العذرَ لإخواننا المسلمين الذين تأوّلوا ولا نُشكك بإسلامهم وإيمانهم فما أرادوا إلا تنزيه الله عما اعتقدوا أنه يُنقصُ من حقه ومن كفّر مسلمًا أثبتَ لله ما جاءَ بظاهر النصَ ولم يتأوّل فقد أساء الأدب مع الله ! وأيُّ قلّة أدب أكبر من أن يعتقد مسلم أن الله أنزل كتاباً ظاهره الكفر ! وحسابُ الناس جميعاً على الله ! الدَّرْسُ السَّابع : كتبَ اللهُ كلَ شيءٍ في اللوحِ المحفوظ وكلُّ ما كتبه الله في اللوحِ المحفوظِ كائنٌ لا محالة وأما أفعالُ النَّاسِ التي كتبَها الله بعلمه المطلق لا يُسقط كتابتها مسؤوليتهم عنها فلا نُنزل هذه الحادثة على كل فعل وإلا لانتفى مفهومُ الثوابِ والعِقاب ولاتهمنا الله سبحانَه بالظلمِ دون أن ندري فكيف يُحاسبُ الله النَّاسَ على أفعالٍ قد كتبها عليهم والجوابُ على هذا أن علم اللهِ مطلق لا يساوره خطأ ولتقريبِ الفكرة نأخذُ هذا المثل رزقكَ الله ولداً وربيتَه تحت ناظريك لسنين طويلة عرفتَ أخلاقَه ومعتقداته ونفسيته ثم لما عرفتَ كل هذا تنبأتَ أنَّ ابنك هذا سيسرقُ قد تصدقُ نبوءتُكَ وقد تخيبُ فإن صدقتْ فهل تكون قد أجبرتَه على السرقة؟ أم أنَّ كلّ ما في الأمر أنكَ قدّرتَ الأمور فأصبتَ وهذا كذاك، مع فارقٍ مهم يجب ألا يغيبَ عن بالنا أنَّ علمنا محدود وعلمُ اللهِ مُطلق وأنَّ علمنا حدسٌ وعلمُ الله يقين والنَّاسُ ليس لهم أن يحتجوا بقدر الله على أفعالهم طالما أنهم أحرار أن يفعلوا أو لا يفعلوا ثم إننا لا نعرفُ قدرَ اللهِ إلا حين يقعُ وكون الإنسان قد قتلَ أو سرقَ فقد فعل قدر اللهِ غير مُجبرٍ عليه وإلا ما بقي دِينٌ، ولا كان هناكَ غاية من إرسال الرُّسلِ يعلمُ الله أهلَ الجنَّةِ وأهلَ النَّارِ قبل خلقهم ولكنَّه يرسلُ إليهم الرُّسلَ ليمشوا في دروب أقدارهم مختارين ! أدهم شرقاوي من كتاب : مع النبيّ
2 notes · View notes
jana7-da3wa · 7 years
Photo
Tumblr media Tumblr media
١٢- 🕊 الدَّرْسُ الأوّل : يقودنا هذا الحديثُ الشَّريف إلى الحديث عن عصمة الأنبياء وللعلماءِ فيه قولان شهيران معتبران الأول : عصمة الأنبياء المطلقة في الدين والدُّنيا فلا يصدر منهم الخطأ الثاني : العصمة في الدين والإبلاغ عن الله، واحتمال وقوع الخطأ في شأن الدُّنيا وأنا إن كنتُ أميل إلى الرأي الثَّاني فلا أرى فيما أفهمُ من هذا الدِّين إمكانية كذب الأنبياءِ ولو في الدُّنيا لأننا لو قلنا به لكانَ هذا فتح باب في مناقشة الكذب في الدعوة والأنبياءُ أكرمُ من هذا وأرفعُ شأناً والله أحكم وأحزم أن يعصم في الدِّين ولا يعصم في الكذب ولو كان في الدُّنيا فأما كذبتيْ إبراهيم في ذات الله فالواضح منهما أنهما من باب إقامة الحُجّة على قومه لا أكثر ! وأما الكذبة مع الفرعون فهي تدخلُ كما أرى في باب التورية ! فالمسلمُ أخو المسلم وسارة أختُ إبراهيمَ ديانةً لا نسباً وفي المعاريضِ مندوحة عن الكذب كما قال سيِّدنا صلى الله عليه وسلم وقد استخدمَ _ بأبي هو وأمي _ التورية فيوم هجرته مع أبي بكر، سأله أعرابي : من أيِّ القبائل أنتم ؟ فقال له صلى الله عليه وسلم : نحن من ماء ! فقال الأعرابيُّ : قبائلُ العربِ كثيرة وقد أراد النبي صلى الله عليه وسلم بهذا أنه من الماء الذي خُلق منه الناس ! الدَّرْسُ الثَّاني : وبما أنّ الحَديث عن الكذب فمن نافلة القول أن نُعرِّج على مواضع إباحته ! يبيحُ الإسلام الكذب في ثلاث حالات : الأول : الكذبُ على الأعداء فليس من المعقولِ أن يأخذوا أسيراً مسلماً ثم يسألوه فيصدُقهم ! والحكمة من إباحته هنا، رفعُ الضرر عن جماعة المسلمين أما الثَّانية : فالكذب لإصلاح ذات البَينِ حيثُ يباحُ لمن أراد أن يُصلح بين متخاصمين أن يذكرَ كلاماً طيباً لم يقله أحد المتخاصمين في الآخر ! والحكمة منه رأبُ الصَّدعِ بين النَّاسِ لصلاح دنياهم وأما الثَّالثة : فهي كذبُ الرجل على زوجته، والزَّوجةُ على زوجها وهو كذبٌ من بابِ تطييب الخواطر والمُجاملة وحسن العشرة لا يدخلُ فيه الكذبُ الذي فيه ضرر وخداع وغش كثناء الرَّجل على طعام زوجته والإشادة به وهو غير ذلك أو مدحها والغزلُ بها وإخبارها أنها أجمل امرأةٍ في الدُّنيا وهي ليستْ كذلك وما يُقال في الرجل يُقالُ في المرأة فقد سألَ رجلٌ زوجته إن كانتْ تحبُّه وناشدها الله أن تصدقه فقالتْ له : أما إنك قد ناشدتني الله، فلا أحبك ! فشكاها إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فأرسلَ عمر في طلبها .. وأنَّبها فقالت له : يا أمير المؤمنين، أتريدني أن أكذبه ! فقال لها : نعم اكذبيه، أكُلُّ البيوتِ بُنيتْ على الحُبِّ ألا إنَّ الناسَ يتعاملون بالمروءة والذِّمة ! الدَّرْسُ الثّالث : خرجتُ إلى الطبيعةِ صبيحةَ ليلةٍ كان فيها عاصفة هوجاء فوجدتُ كثيراً من الشجر قد انكسرَ وصار ركاماً أما الأعشاب فكانت على حالها سليمة معافاة فتعلمتُ درساً بليغاً هو : أحياناً على المرء أن ينحني ! العاقل ُيُقدّر المواقف ولا يخوضُ صراعاً خاسراً علينا أحياناً أن نُقدر قوَّة الخصم جيداً لأن أي خطأ في الحسابات يعني نهايتنا ! وأحياناً تغدو الطريقة الوحيدة للفوزِ ببعضِ الخلافاتِ هي عدم خوضها أساساً وقد كان إبراهيمُ عليه السلام حكيماً كان يعرفُ أنه إذا وقف في وجه الفرعون وماتَ سيموت شهيداً ولم يكنْ عليه السلام جباناً ولا زاهداً في الشَّهادة ولكنه كان يعلمُ أنه أُرسل لأمرٍ أعظم من أن يُفرط فيه في مواجهة فأخذَ بالأسبابِ ما استطاع وأوكلَ الأمرَ إلى ربِّه ولأنَّ الجزاءَ من جنسِ العملِ عادتْ الزوجة التي أرادها الطاغية لنفسه سليمةً معافاة في شرفها، ومعها امرأة صارت فيما بعد زوجةً أخرى ! الدَّرْسُ الرَّابع : بنتُ الأصل لا تمنُّ على زوجها ! كانتْ سارة من أجمل نساءِ الأرض وقد قال بعضُ المُفسرين أن جمال يوسفُ عليه السَّلام هو عرق من جدته سارة ! ورغم هذا الجمال كلّه، كانت أديبةً حبيبة تعينُ زوجَها على الحقِّ ولا تتكبر عليه بجمال حباها اللهُ إيّاه وكذلك كانتْ أمنا خديجة رضي اللهُ عنها بنتَ أصلٍ فاحشة الثَّراء وزوجها صلى الله عليه وسلم من أفقر النَّاس وقد تركتْ مالها كلَّه بين يديه ولم تجعلْ هذا الفارق الماديِّ حَجرَ عثرةٍ في طريقِ زواجهما وهذا ما جعلها كبيرةً عنده حتى بعد موتها وما كان يرضى أن تُمسَّ بكلمةٍ وهي تحتَ التراب وقد كانتْ عائشة رضي الله عنها تغارُ منها لكثرةِ ذِكره لها وقالت له يوماً : أما زلتَ تذكرها وما كانت إلا عجوزاً في غابرِ الأزمان وقد أبدلكَ الله خيراً منها فقال : واللهِ ما أبدلني اللهُ خيراً من خديجة، تلكَ امرأةٌ رُزقتُ حبَّها أعطتني إذ حرمني النّاس، وآوتني إذ طردَني الناس، وآمنتْ بي إذ كذَّبني الناس ! الدَّرْسُ الخامس : المسلمُ غالٍ، والحفاظُ عليه مطلبٌ شرعيّ ! صحيحُ أنه ليس جباناً، وأنَّه مَرْحبًا بالموت إن كُتب ولكن الناس ليسوا قرابين تُزهقُ وبالإمكان حقنُ دمائِها وقد كان عمرُ رضي الله عنه معجبًا بفتوحاتِ عمرو بن العاص رضي لله عنه لأنَّ عمرو كان داهيةً كما هو معلوم، يعقدُ الأحلافَ ويتجنّب الخصوم ولا يخوضُ معركةً بإمكانه أن يتركَ للعدوِّ بابًا للهربِ منها وقد كان عمر يقولُ : لعمري هذا هو النَّصر ! كان يُعجبه في القائد أن يحقنَ دماء جنده وأعدائه إن استطاع ! أن يصل إلى غايته دون دمّ هذه حقيقة يجب أن لا تغيب عن القادة حتى وهم في ساحات الوغى ليعتبروا بحفاظ إبراهيم عليه السّلام على نفسه وبدهاء عمرو وثناء عمر ! أدهم شرقاوي من كتاب : مع النبيّ
0 notes
jana7-da3wa · 7 years
Photo
Tumblr media
١١- 🕊 الدَّرْسُ الأوّل : قالتْ أعرابيةٌ لابنتها المُقبلة على الزواج تنصحها : لا تقعْ عينه منكِ إلا على جميلٍ ولا يشمنّ منكِ إلا طيِّباً واعلمي أنّ خير الطِّيب الماء ! وهذه وصية جامعة ماتعة تُلخص خبرة سنوات طويلةٍ في الحياة فالتَّجملُ مطلوب، والعِطر من أجمل التجمل فبه تصبحُ المرأة متعة لحواس الرجل، عينه وأنفه وقلبه وإن كان التطيبُ في الحديث ورد في موضع الذمِّ فهذا الذم ليس لذات التطيب وإنما ورد ذمه لمكانه وكيفيته ! والمرأة مأمورة ألا تبدي زينتها إلا لزوجها ومحارمها وفي الحديث : أيما امرأة استعطرتْ وخرجت ليشمَّ الناسُ ريحها فهي زانية وهذا من باب التشنيعِ والتَّرهيبِ وليس من باب الزنا الموجب للحدِّ ! ففي الإسلام بابٌ عظيم اسمه بابُ سدِّ الذَّرائع فهذا الإسلام الحكيم لا ينتظرُ أن تشبَّ النارُ ليعمدَ بعد ذلك إلى إطفائها إنه يحولُ دون اندلاع النَّارِ بدايةً وكل ما أدَّى إلى وقوعِ المُنكر فهو منكر الدَّرْسُ الثَّاني : تهتمُّ المرأةُ بالمظهر كثيراً لسببين : الأول : أن عندها غريزة أن تُشتهى والثاني : أنَّها تميلُ إلى الرَّجلِ أكثر من ميله إليها ! وهذا ليس مذمةً ولكنها فطرة الله التي فطرَ عليها النَّاس وكلُّ مخلوقٍ خُلق من شيء يبقى فيه شيءٌ من أثر تلك الخلقة فآدم – أي الرجل - مخلوقٌ من تراب لهذا هو أقلُّ عاطفة وأكثر سعياً للانتاج بينما حواء – أي المرأة - مخلوقةٌ من آدم لهذا هي أكثرُ ميلاً إليه يميلُ الرَّجلُ إلى المرأة مَيْلَ الكلِّ إلى الجزء بينما تميلُ المرأة إلى الرجل ميل الجزء إلى كلِّها ! لهذا لا تجدُ المرأةُ حرجاً أن تعيشَ في كنف الرَّجل ليهتمَّ بها ويرعاها ويعطفَ عليها ويعولها فهي لا تشعرُ بنقص هنا لأنها لم تُخلق للعمل والجناية والكدح بينما يجدُ الرَّجلُ بفطرته حرجاً أن تعوله المرأةُ وتنفق عليه وأنَّه إذ يقبل أن يتشاركا الانفاق على البيت معاً فعلى مضضٍ من فطرته إلا أنه من العسيرِ أن يتكيَّفَ مع فكرة أن يكون عالةً عليها فطرة الله التي فطر عليها النَّاس ! هذا لا يعني أن الرَّجلَ لا يشتهي المرأةَ وهي ليستْ مُنية عينه وقلبه إنما المقصودُ أنَّ الرجل يستحيل أن يجعل من امرأةٍ حياته كلَّها بينما من الممكن جداً أن يكون رجلٌ هو دنيا امرأةٍ كلّها ! الدَّرْسُ الثَّالث : على المرأة أن لا تجعلَ فطرتها تغلبُ على دينها وإن كان لا سبيلَ إلى تنحيةِ الفِطرة وإنَّ الدِّينَ ما جاء ليكبتَ الغرائزَ وإنما ليُهذِّبها فما دامتْ قد خُلقت بحَنينٍ شغوف إلى الرَّجلِ كما سبق فهذا لا يعني أن تجعلَ من نفسها محطَّ شهوة كلِّ الرِّجال وعندما أباح الإسلامُ للرَّجلِ التعدد فهذا يلزم بالضرورة أنَّ الله حباه جسداً وعاطفة تساعداه على القيام به وهذا شيء لن يستطيعَ الرِّجالُ شرحه للنساء مهما حاولوا ولن تستطيعَ النساءُ فهمه الرّجال في مهما حاولنَ ! هذا لأنهنَّ مفطوراتٍ على الاكتفاء بالواحد ! وتُؤجرُ المرأة إذا تفننتْ في غوايةِ رجلٍ واحدٍ هو حلالها وتأثم إن كرّستْ فطرتها لتكونَ محطَّ شهوة كلِّ الرِّجال والمرأة الحقّة هي امرأة مع رجل واحد هو زوجها ورجلٌ مع ما تبقى من رجال هذا الكوكب ! الدَّرْسُ الرَّابع : كما يحبُّ الرَّجلُ أن لا يرى من المرأة إلا جميلاً ولا يشمَّ منها إلا طيباً وهي مأجورة إذا قامتْ بهذا وكانت سبب إشباعه وتحقيق عفَّته فهي بالمقابل تحبُّ منه ما يحبُّ منها وقد قال ابن عباس : إني لأتزينُ لها كما تتزينُ لي ! وهو أيضاً مأجورٌ حين يُلبِّي فطرتها وغريزتها وحاجاتها وتقصيرُ الرَّجلِ ليس مبرراً لالتفات المرأة لغيره كما أن تقصير المرأة ليس مبرراً للرجل للالتفات لغيرها في حرام إلا أننا مطالبون بسدِّ أبواب الذَّرائع لماذا على الرِّجال أن يكونوا أكثر اهتماماً بمظهرهم ورائحتهم منك ؟ تراهم زوجتك وتسأل : لماذا هو ليسَ كذلك ؟ ولماذا على النِّساءِ أن يكنّ أكثر اهتماماً بأنوثتهن منكِ ؟ يراهن زوجكِ ويتحسر: لماذا هي ليستْ مثلهنَّ ؟ إنَّ الزواج الذي ينالُ فيه الزوج والزوجة رضاهما الجنسيِّ والعاطفيِّ التام تهونُ أمامه كل المشاكل الأخرى والزواج الذي لا يتحققُ فيه هذا الإشباع ينتجُ عنه مشكلات هي في الحقيقة نتيجة لهذا الخواء الجنسي والعاطفي خذوها قاعدة جريئة مني : أكبرُ مشاكل البيوت تبدأ في السرير ! الدَّرْسُ الخامس : الكعبُ العالي القديم هو إلى حد كبير رجلين من خشبٍ ! وخاتمُ العطر القديم هو نفسه العطر الذي يعبثُ بالقلوب اليوم ! النَّاسُ هم النَّاس في كل عصر الذي يختلفُ فقط هي وسائلهم التي تصبحُ مع الزمن أنجعَ وأفتك وقد صدقَ صلى الله عليه وسلم حين قال : " لتتبعنَّ سَنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى إذا دخلوا جحر ضب دخلتموه " ! وإنَّ أول فتنة بني إسرائيل كانتْ في النساء ! لتتقِ اللهَ النساءُ في الرِّجالِ فإنهن موضع شهوة وليتقِ اللهَ الرجالُ في النساء فإن لهن حقوقاً وليستْ أدوات التجميل ولا العطر ولا الكحل حراماً إنما هذه وسائل حرمتها وحلتها تكون بوجوه استخدامها كلُّ عطرٍ في محلِّه عليه أجر وكلُّ قلم كحلٍ ليس في محله عليه وزر وحتى في العلاقة الزوجية أجر ألم يقل سيدنا صلى الله عليه وسلم : " وفي بُضع أحدكم صدقة " قالوا : يا رسول الله : أيأتي أحدنا شهوته وله فيها أجر ؟ قال : أرأيتم إن وضعها في غير محلها إلا يكون عليه وزر ؟ قالوا : بلى قال : وكذلك إن وضعها في محلها فله أجر ! أدهم شرقاوي من كتاب : مع النبيّ
2 notes · View notes
jana7-da3wa · 7 years
Photo
Tumblr media
١٠- 🕊 الدَّرْسُ الأوّل : لو كانت الحياةُ تضعنا دوماً في خيارٍ بين الخيرِ والشّر لتفضَّلتْ علينا كثيراً ! فخَيارٌ كهذا رفاهيةٌ ليستْ متاحة على الدوام ! ولكنها في كثيرٍ من مواقفها تضعنا بين أمرين، أحلاهما مُرُّ ! وقد قال عمر رضي الله عنه : ليس الفَطِنُ من عرفَ الخيرَ من الشَّر وإنما الفطنُ من عرفَ خيرَ الشَّرين واختيارُ أخفّ الأضرار قاعدة أصوليَّة من قواعدِ الشَّريعة السَّمحاء ولكن أخفَّ الأضرار لا يُقدر بالهوى أو بالمزاج وإنما يُقدَّرُ بما سيؤولُ إليه من نتائج، وما ينجمُ عنه من تبعاتٍ ! وإنْ كان بالإمكان أن لا تفعلَ أيَّ شرٍّ من بين شرَّين مُتاحين فهذا الأصل لأنَّ ما تراه شراً أصغر من غيره فقد يكون في الحقيقة باباً لشرٍّ كبيرٍ وشرارة لنارٍ مستعرة وانظرْ لصاحبنا وقد اعتقدَ أنَّ الخمرَ أهون شراً من القتل والزِّنا فإذا به بعد الخمر يقتلُ ويزني ويقعُ فيما هرب منه بدايةً ! الدَّرْسُ الثّاني : الذين يُخيِّرونك بين خياراتٍ متاحة إنما يُؤطِّرونَ تفكيرك يسجنون عقلكَ بين هذا وذاك ويوهمونك أنَّ المتاح فقط هو ما عرضوه لك وهذا يحدث معنا دوماً في الحياة وكمثالٍ بسيطٍ على هذا لو زرتَ صديقاً وسألكَ : أتشربُ الشَّاي أم القهوة إنما وضعكَ بين خيارين لا ثالث لهما وليس لك إلا أن تختار ولكن هذا وذاك لا يكونُ دوماً بهذه البساطة بحيثُ أيُّ خيارِ يفي بالغرضِ أحياناً يكون الطريقان المعروضان عليكَ طريقين خاطئين يريدونكَ أن تمشي في أحدهما معتقداً أنه خيرٌ من الأوَّل أو أقلَّ ضرراً دوماً هناك طريقٌ ثالث أنتَ لا تراه في هذه اللحظة غابَ عن تفكيرك لأنه لم يكن بين الخياراتِ المتاحة كُنْ فطناً، وعندما تأتي المِحَنُ خذ الخَيارَ الثَّالثّ غير المدرج على القائمة ! الدَّرْسُ الثَّالث : جعل الله تعالى في النباتِ حياةً دون روح وعقل وجعل الحيوانات بحياةٍ وروح دون عقل وجعل الإنسان بحياةٍ وروحٍ وعقل فالإنسانُ دون عقلٍ حيوان من جهة أنه لا يشغله إلا إشباعُ غريزته وما سُمي العقلُ عقلاً إلا لأنه يعقلُ صاحبه أي يربطه أن يفعل ما لا يليق بالناس لهذا رُفع القلمُ عن المجنون فالعقلُ مناط التكليف، ومن غابَ عقله فلا حساب عليه هذا في حال كان ذهابُ العقل قدراً من اللهِ وقضاءً ولكن من أذهبَ عقله بيده فهو محاسبٌ عمَّا يفعلُ أثناء غياب عقله فمن شربَ الخمرَ وسَكرَ وقتلَ، يُقتل بمن قتله ولا أعرفُ لماذا يريدُ البعضُ أن يجعلوا من أنفسهم حيوانات وقد أكرمهم الله فجعلهم بالعقل بشراً وإنه لما وصل عبد الرحمن الداخل صقر قريش إلى الأندلس جاؤوه بزقٍ فيه خمر فقال لهم : إني بحاجة إلى ما يزيد في عقلي لا ما ينقصه ! وصحيحٌ أنَّ شرب الخمر كبيرة ليستْ مُخرجة من المِلَّة إلا أن الحديث الشريف يُصور لنا قلب الإنسان كبيتٍ لا يجتمعُ فيه الإيمان وشرب الخمر معاً تحت سقفه وإن أحدهما ما يلبثُ أن يُخرج الآخر. الدَّرْسُ الرَّابع : هذه الدُّنيا مليئة بالمِحن والفتن لأنها دار ابتلاء وإنَّ البلاء يقع للإنسان بما يهوى بفطرته وبما يكره ! ويوسفُ عليه السلام وقع عليه الأمران فقد ابتلي بالبُغضِ الشَّديدِ، وبالحبِّ الشَّديد والبُغضُ الشَّديدُ هو الذي ألقاه في الجُب��ِ والحُبُّ الشَّديدُ هو الذي ألقاه في السِّجن هذا كان حالُ النَّاسِ مع يوسف فكيف كان حال يوسف مع النَّاسِ ؟! إنه لما اُبتليَ بمن يكرهه صَبر ولما اُبتليَ بمن يعشقه بجنونٍ صَبر فلا شدّة البُغض جعلته ينزل لمستوى إخوته ولا شدّة الحُبّ له جعلته يطاوع امرأة العزيز وبرأيي إن البلاء بالبُغض أيسر من البلاء في الحُبّ ! لأننا إذا اُبتلينا بمن يبغضنا فهو في الغالب لن يُخيِّرنا فيما نُحب ولكننا إذا اُبتلينا بمن يُحبنا فهو في الغالب سيعرض علينا حراماً نميلُ إليه بالفطرة فيوسف عليه السلام كان شاباً وسيماً قوياً يشتهي ما يشتهي الرِّجالُ فِطرة الله التي فطرَ عليها الناس ولكنه صبر واعتصم بالله وإن صبره على امرأة العزيز أشدّ من صبره على إخوته ! أدهم شرقاوي من كتاب : مع النبيّ
0 notes
jana7-da3wa · 7 years
Photo
Tumblr media Tumblr media Tumblr media Tumblr media
٩- 🕊 الدَّرْسُ الأوَّل : الابتلاء ليس بالشر فقط وإنما بالخير أيضاً ! والنَّجاح في امتحان الابتلاء بالشرِّ ، الصَّبر والنجاح في امتحان الابتلاء بالخير، الشُّكر وهذا سليمان عليه السّلام لمَّا علم بقدوم بلقيس إليه يجمعُ وزراءه من الإنس والجن ويطلبُ منهم إحضار عرشَ بلقيسٍ من اليمن وما عجز عنه جنيّ خارقُ القوى نجح فيه مؤمنٌ خارقُ الإيمان كان يعرفُ اسم الله الأعظم الذي إذا دُعي به أجاب وبطرفة عينٍ كان العرشُ بين يديه فعرفَ أنه امتحان فلم يتكبرْ ولم يتغطرسْ ولم يزدْ على أن قال : " هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكرُ أمْ أكفر " ! النَّجاحُ في امتحان الغِنى أن تنفق على نفسك وتُوسعَ على الناس والرُّسوبُ أن تبخل فتعيشَ عيشَ الفقير وتُحاسبُ حساب الغنيِّ والنَّجاحُ في امتحان القوَّة أن تقيم العدلَ وتساعد الضعفاء والرُّسوبُ فيه أن تعتدي وتظلم وتفتري فإذا غرّتكَ قوتك على النَّاس فتذكَّرْ قوة الله عليك ! إذا تأخر الزَّواجُ فهذا ابتلاء يريدُ الله أن يرى ماذا تصنع أتصبر حتى يمنّ عليك أم تنساق إلى الفاحشة والرذيلة وإذا تأخَّرَ الإنجابُ فهذا ابتلاء يريدُ الله أن ينظر ماذا تصنع تصبر وتتعالج وتستغفر أم تتسخط وتذهب إلى الدجالين والمشعوذين والعاجزين من دون الله وتذكرْ أنه لما تأخَّرَ الإنجاب على زكريا عليه السلام جاءته البُشرى وهو في المحراب نحن أمة تسأل في السجود وتُبشّرُ في المحاريب ! الدَّرْسُ الثَّاني : شُكر النعمة باللسان والجوارح ولا يسدُّ أحدُهما مكان الآخر يريدُ الله أن يسمعَ الحمدَ في لسانك ولا أحد أحب إليه المدح من الله ! ويريدُ أن يرى ماذا أنت صانع بنعمته عليكَ وإنَّ البخل ليس في المال فقط وإن كان هذا رأسُ البخل رأي تحبسُه وأنت تعلمُ أنه ينفعُ بخل وشهادةٌ تكتمها وأنت تعلمُ أنها تُرجعُ حقاً لصاحبه بُخل خلافٌ بين زوجةٍ وزوجها وأنت قادر على أن تسويه ولا تفعل بخل كيسٌ ثقيل لا تحمله عن عجوز بخل وابن سبيل منقطعٌ في الطريق لا تقلّه بسيارتك بخل نبيُّك صلى الله عليه وسلم يُذكر عندك ولا تصلي عليه بخل الكرم جميلٌ في كلِّ شيءٍ في الرأي والأخلاق والمساعدة وأجمل الكرم في المال وإن كان لا يُقلل من قيمة ما عداه وانظرْ لعاقبة البُخل في القصة فهذا الأبرصُ كان عنده وادٍ من الإبل ولكنه بَخِلَ بواحدةٍ على من قالَ له ليس لي بعدَ اللهِ غيرك فأخذَ اللهُ كل إبله وانظرْ إلى الأقرع كيف كانت عاقبتُه بخل ببقرةٍ وكان عنده وادٍ من البقر فأخذَ الله كل بقَرِه أما الذي أعطى وتذكَّرَ سيرته الأولى فقيل له : باركَ الله لكَ في مالك موقفٌ واحدٌ يرفعكَ أبدَ الدَّهرِ وموقفٌ واحدٌ ينزلكَ أبدَ الدَّهر وما الحياةُ إلا مواقف فإيَّاكَ أن ترسب الدَّرْسُ الثَّالث : المالُ ليسَ دليلاً لحُبِّ اللهِ للعبد ومن أجمل ما قيل في هذا : أعطى اللهُ الدُّنيا كلها لسليمان عليه السّلام والنَّمرود ولو كانتْ معياراً لتمايزِ النَّاسِ ما ساوى فيها بين نبيٍّ وطاغيةٍ ! كانتْ ملوكُ الرُّوم تنامُ على الحرير وتأكلُ بملاعق الذهب ومحمد صلى الله عليه وسلم تمرُّ الأيامُ ولا يوقدُ في بيته نار لطعام ويوم الخندق ربطَ حجراً على بطنه وكان يرعى الغنم في صغره لأثرياء قريش عاش فقيراً ومات فقيراً درعه مرهونة عند يهودي وهو أكرمُ خلق الله على الله فإذا أُعطيتِ فاشكرْ وإذا مُنعتَ فاصبرْ فاللهُ إن أعطاكَ فقد أعطاكَ ما ليسَ لكَ وإن منعكَ فقد منعكَ ما ليس لكَ ولا تنظرْ إلى ما في أيدي النَّاس فإنك لا تعلمُ هذا الذي أُعطي ممَ حُرمَ ! وعلى مرِّ التَّاريخِ كان المال والغِنى في الكفار أكثر منه في المؤمنين والغِنى ليس مذمةً بحدِّ ذاته فنعم المالُ الحلال في يد العبد المُؤمن ولكن إياك أن تعتقدَ أنَّ ضيق الرِّزق يعني أن الله يكرهك وأنَّ المرضَ يعني أن الله يُعذّبك ولكنه تعالى يُعطي لحكمةٍ، ويمنعُ لحكمة ولن نبلغَ مرتبة الإيمان الكامل حتى نعلم : أنَّ منعَ اللهِ عطاء ! الدَّرْسُ الرَّابع : الطبيبُ الحقيقيُّ في السَّماء ! العجوزُ الع��يمُ أصلحها الله في لحظة لتنجبَ نبيّاً ! والذي مسَّه الضرُّ أعواماً قال له ربه : " اركضْ يرجلكْ هذا مغتسلٌ بارد وشراب " ! فعادَ أبهى مما كان ! يُناديه زكريا عليه السلام : " ربِّ لا تذرني فرداً " فيبشره بيحيى ! الأبرصُ الذي يعجزُ عن شفائه أطبَّاءُ الدُّنيا ولو اجتمعوا عنده قال له الله : كُنْ صحيحاً فكان والأقرعُ أعادَ له شعره والأعمى ردّ عليه بصره تعالجوا عند أطبَّاءِ الأرض فنحن أمَّةٌ أُمرتْ بالتَّداوي وطلبُ العلاج عند الأطباء لا يتنافى مع التَّوكلِ على الله لأنه واقعٌ في قدر الله فإن شاء شفى على يد إنسان وإن لم يشأ لم يغنِ أطباء الدنيا عنكَ شيئاً ولكن ونحن نأخذ بالأسباب تعالوا نتذكّر الطبيبَّ الحقيقيّ هذا الآمرُ النَّاهي في الكون وعلى كلِّ ما فيه ! اشربْ دواءكَ لأنه سبب في الشفاء وقبله قُلْ كما علمنا نبينا صلى الله عليه وسلم اللهم لا شفاء إلا شفاؤك، شفاءً لا يغادر سقماً أدهم شرقاوي من كتاب : مع النبيّ
0 notes